إيران ترحِّب بترشيح عون ولبنان بوابة استقرار المنطقة

روزانا رمّال

تغيّر حساب التوازنات الإقليمية والدولية، لجهة حجم لبنان وتأثيره على الحدث السياسي بين مؤثر أو لاعب جانبي أو صانع حدث، أو حتى تابع ليصبح رسمياً بعد خروجه من حرب تموز بمعادلة ردع جديدة واستراتيجية العمود الفقري للمتغيّرات في المنطقة، خصوصاً في الجوار، لأنّ الذي جرى في تلك الحرب فرض توازن ردع جديداً على «إسرائيل» وحلفائها الإقليميين والدوليين، لا بل فرض التطلع لأسباب هذه الهزيمة وما وراء قدرة حزب الله على التطوّر بهذا الشكل وكيف استطاع أن يرسم معادلة ردع قصف مدن «إسرائيلية» مقابل مدن لبنانية وقصف مطار بيروت مقابل مطار تل أبيب.

حرب تموز رفعت لبنان إلى صانع للحدث، بحيث لم يعد ينتظر تحديد مصيره من الدول المجاورة لا بل كبح جماح «إسرائيل» وأوقف مخططاتها الإلغائية وضخّ جرعة دعم كبرى في أوساط المقاومة الفلسطينية التي خاضت حربي غزة 2008 و2012، انطلاقاً من تلك الروحية، وبما تبقى من دعم إيران وسورية وحزب الله لحركات المقاومة فيها.

مجدّداً يدخل لبنان دائرة صناعة الحدث في المنطقة من بوابة مشاركة حزب الله في مكافحة الإرهاب في سورية، وهو ربما سبق العالم كله إلى ذلك رغم تعرّضه للانتقادات الواسعة، خصوصاً الداخلية منها التي اعتبرت أنه جلب الويلات إلى لبنان، لكنّ الواقع عكس ذلك، فحركات التطرف من أمثال «داعش» و«النصرة» لم تستطع الدخول إلى لبنان بتلك السلاسة التي دخلت فيها إلى سورية، ويكاد يكون السبب واضحاً، وهو أنها غير قادرة على تخطّي حاجر تواجد حزب الله وإجراءاته الأمنية الواسعة، كما أنها تعرف أنّ الحزب الذي واجه في حرب تموز الاحتلال «الإسرائيلي» لأيام وطرده، رغم الكفاءة والخبرة القتالية لدى العدو، لن يتركها تفلت ولن يكون لها تواجد ولا حضور ولا مستقبل، عدا عن أنه سبقها إلى سورية وقطع الطريق عليها محدثاً خسائر فادحة قلبت المعركة السورية رأساً على عقب، خصوصاً في معارك القصيْر وحلب وحمص.

على مشارف الإعلان عن نيات عقد اجتماعات دولية لحلّ الأزمة السورية، وآخرها جنيف الذي يُعوَّل عليه ليكون أحد الأعمدة الديبلوماسية للحلّ، تنطلق إيران من بوابة إرسال إشارات مباشرة بينها ما يكفي لجسّ النبض من الداخل اللبناني، خصوصاً في الملف الرئاسي، والجديد الذي طرأ على صعيد الترشيحات، فقد اعتبر رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي، أنّ لبنان بلد مؤثر في الظروف السياسية الراهنة في المنطقة، لذا فإنّ إقرار السلام والاستقرار في لبنان وإعادة بنائه سيترك تأثيره الإيجابي على المنطقة.

يعبّر ولايتي هنا عن حجم التأثير اللبناني في المعادلة الإقليمية، ويدحض كلّ ما يقلّل من الملف الداخلي عند الدول العربية والإقليمية بالقول إنّ هذه الدول، وبالأخصّ السعودية منشغلة بمشاكلها الداخلية، وغير مستعدّة للانشغال باستحقاق لبنان الذي لا يعتبر أولوية لديها، وهو الذي لم يعُد واقعياً، لأنّ المملكة ومَن يمثلها يعرفون أنّ لبنان من منطلق وقوعه ضمن خريطة التحالفات يحوي أهمّ فصيل محارب في الميدان السوري، وهو حزب الله الذي ينتمي بدوره إلى الحلف الخصم للمملكة وحلفائها، ويضمّ روسيا وإيران وسورية، وبالتالي فإنّ لبنان هو رأس حربة محور بأكمله، ويمثل انتخاب الرئيس فيه أحد أشكال الانتصار أو الهزيمة.

وأكد ولايتي خلال استقباله المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، «أنّ علينا تقديم الدعم اللازم لإحلال السلام والاستقرار في هذا البلد»، معرباً عن ارتياحه للأخبار الأخيرة التي تحدّثت عن التوصل إلى اتفاق وطني على انتخاب رئيس الجمهورية وعن «فرصة للسيد ميشال عون».

زيارة المندوبة الأممية إلى طهران ركزت على الملف الرئاسي بشكل كبير ولافت، رابطة حلّ الملف بالاستقرار الداخلي، معتبرة أنه بات ضرورياً حلّ هذا الملف على وجه السرعة، وأنه حان وقت اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا المجال، وكانت هذه دعوة مباشرة إلى موقف إيراني من الأزمة على اعتبار أنّ إيران قادرة على التحرّك، وهي هنا أكدت ذلك بقولها إنه بإمكان إيران وانطلاقاً من مكانتها الخاصة في المنطقة أن تدعم عملية انتخاب رئيس جمهورية لبنان.

السؤال المطروح هنا عن خلفيات تحرك المندوبة الأممية إلى طهران تزامناً مع حراك أممي لحلول في سورية، وكيف يمكن أن تتقاطع الأجواء لجسّ النبض الداخلي والخارجي قبل أيّ عملية حسم يُطرح بالتأكيد، فخلفيات الأمم المتحدة ليست بعيدة عن التسييس وعن لعب أدوار مباشرة في نقل رسائل ورسائل مضادّة إلى المعنيين، وإذا كان الملف الرئاسي قد تمّ ربطه بسورية، فإنه وبحسب أبعاد كلام ولايتي قادر أن يكون نقطة انطلاق حلول الأزمات الأخرى ، وبالتالي إذا تمّ استغلال الفرص المتاحة بالترشيحات الرئاسية، فإنّ على بقية الدول المجاورة أن تستبشر خيراً بحلول جدّية في ملفات مثل سورية واليمن، وستكشف الأيام المقبلة إذا كان الملف سيوضع بين تعقيدات تؤجله أو أنه سيسلك مسار الحلول قريباً، وتنبعث الانفراجات من بيروت.

على أيّ حال تبدو إيران مرحبة بفرصة وصول عون للرئاسة اللبنانية، فهل ستترجمها بتواصلها مع حزب الله فيعلن عن التأييد الثابت لعون في اجتماع كتلة الوفاء للمقاومة المقبل؟ أم أنها تترك له خيار الحسم وفق أجندته الداخلية الخاصة، خصوصاً أنها لا تفرض على اللبنانيين خياراً كما تؤكد دائماً، بل تدعم ما يقرِّرون؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى