وجوه الحرّية في «رسائل يحملها الدخان» للشاعر شريف الشافعي
«عصافير في صدري
ويأبى أن يكون قفصاً»
هذا أحد المقترحات، حول الحرّية والحياة والميلاد والموت وغيرها، التي يطرحها ديوان «رسائل يحملها الدخان»، الصادر مؤخراً باللغتين العربية والفرنسية، عن «دار لارماتان» المرموقة في باريس L Harmattan ، للشاعر المصري شريف الشافعي 44 سنة .
الديوان، الذي جاء عنوانه بالفرنسية «MESSAGES PORT ES PAR LA FUM E»، هو الثامن في مسيرة الشافعي الشعرية، وقد ترجمته إلى الفرنسية الشاعرة والكاتبة المصرية الفرنكفونية، المقيمة في كندا، منى لطيف.
يأتي الديوان في 120 صفحة، وينقسم إلى عنوانين الأول بعنوان «ساقي خشبية… قلبي ثمرة»، ويضمّ 77 مقطعاً قصيراً. والقسم الثاني بعنوان «الماء فكرة في السماء»، ويتضمن 30 مقطعاً، تتفاوت بين القُصر والطول.
تُبرز لوحة الغلاف، التي صمّمتها إسراء شريف طالبة عمرها 11 سنة ، بعض الوجوه المحتملة لتلك الرسائل الملموسة والإلكترونية، التي قد يحملها الدخان، فضلاً عن كون «الدخان» بحدّ ذاته رسالة أعمق، بتشكّلاته وانبعاثاته في الفضاء، التي تتجلّى أحياناً كحروف مقروءة، ورموز دالّة، وتبدو أحياناً مجرد إيحاءات إنسانية غامضة. أما ظهر الغلاف، فيضمّ نبذة عن الشاعر بالفرنسية وقائمة إصداراته السابقة، ومقطعاً شعرياً من النصّ.
تعتمد قصيدة النثر، في كتاب الشافعي الجديد، الاختزال سبيلاً لها، وتكاد بعض النصوص تصير برقية وامضة من كلمات قليلة، إذ تسعى القصيدة إلى أن تكون هي ماهية الحالة، وليست توصيفاً لها أو تعبيراً عنها من الخارج. الفعل الشعري دائماً خارج المجاز، ومن قلب الحدث، ولربما هو الحدث ذاته. يقول الشافعي في أحد المقاطع:
ذبتُ مرة في ماء الأرض، لأتلصصَ على أحلام الحشائش
لم أشاهد بوضوحٍ غير رقصتها، عند اقتراب قدميكِ.
الشاعر شريف الشافعي، من مواليد مدينة منوف في دلتا مصر عام 1972، صدرت له في الشعر دواوين: «بينهما يصدأ الوقت» القاهرة، 1994 ، «وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء» القاهرة، 1996 ، «الألوان ترتعد بشراهة» القاهرة، 1999 ، «الأعمال الكاملة لإنسان آلي1/ البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية» ثلاث طبعات، القاهرة، دمشق، بيروت: 2008، 2009، 2010 ، «الأعمال الكاملة لإنسان آلي2/ غازات ضاحكة» بيروت، 2012 ، «كأنه قمري يحاصرني» بيروت، 2013 ، «هواء جدير بالقراءة» باريس، لارماتان، 2014 . وقد شارك الشافعي في عدد من المهرجانات الدولية للشعر ممثلاً بلاده، منها: مهرجانا «آسفي» و«مراكش» الدوليان في المغرب، ومهرجان «لوديف» في فرنسا، ومهرجان «بريدج ووتر» في فيرجينا في الولايات المتحدة الأميركية.
أما المترجِمة الشاعرة منى لطيف، التي تكتب بالفرنسية، فقد ولدت في مصر، وعاشت فيها قبل أن تهاجر إلى كندا عام 1966، حيث حصلت على الجنسية الكندية، وهي أيضاً قاصّة وروائية ومخرجة. وقد صدر لها أكثر من ديوان في مصر بعد ترجمته إلى العربية، من بينها: «ابتهالات» دار الهاني، 2009 ، «عنبر وضياء» المركز القومي للترجمة، 2012 . كما صدر لها بالفرنسية: «عطر الحرّية»، «لحظة… يا آن»، «قشور اسكندرية» لارماتان، باريس، 2015 ، وغيرها.
من أجواء ديوان الشافعي الجديد نقرأ هذه المقاطع المتفرّقة:
بعض اللعب
حين تسقط من أيدينا
نحن الذين نتكسر
افعلْ أيّ شيء
غير أن تقبّلها في السرّ
المرأة الضاحكة التي تصافح العالم علانية
بلا خجل
المرأة التي تقول عند كل زلزال:
«الأرض ترقص»
من آثار قدميها على الأرض
سيحكون عنها طويلاً
التي لم تعبر من هنا أصلاً
لكن قفزتْ من ذاكرتي
مثل فكرة ناضجة
فارتشفَتها جذورُ الأشجار
لا يليق بك
دور المايسترو
أيها المزدان برابطة العنق
وروحك العارية مربوطة
في ذيل نغمة شاردة
لا أصدّق أنني لن أراه مرّة أخرى
وأنه لن يرسم من جديد
بعدما دهَستْه بقسوة
الأفيال الغاضبة التي اخترَعَها
في لوحته الأخيرة
الغائبون عنّي… صاروا كثيرين جدّاً
الشجرة التي بلا أوراق
ربما تعرف عددهم
سأسألها هذا الخريف
عن أسماء أبنائها المفقودين
لا بأس أن أعرف أسماءهم… وأحفظها
أنا الذي لم يعد لي اسم
منذ صار الغائبون كثيرين جدّاً!