«إسرائيل»… من العشق السري إلى الزواج العلني

راسم عبيدات

يمكن القول إنّ «إسرائيل» هي «العشيقة السرية» للعديد من الدول العربية وبالذات الخليجية منها، دلالة على أنها تدير وتقيم علاقات حساسة مع العديد من الدول العربية من تحت الطاولة، وهي الآن بصدد نقل هذه العلاقة الى العلن، ونتنياهو قال بأنّ «إسرائيل» لن تقبل أن تبقى علاقاتها بمشيخات النفط والكاز سرية، بل يجب أن يكون الزواج علنياً وموثقاً وموقعاً من الشهود، ومهندس تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية وبالذات الخليجية منها هو دوري غولد مدير عام وزارة الخارجية «الإسرائيلية».

والتقرير الاستراتيجي لمركز أبحاث الأمن القومي «الإسرائيلي» لعام 2015 – 2016 الذي صاغه عاموس يدين، مدير المركز، والمتضمّن أحد عشر توصية للسنوات الخمس المقبلة 2016 2020، كان في مقدّمة تلك التوصيات تعزيز العلاقات مع عدد من الدول العربية من بينها مصر والأردن والسعودية، والاستعداد من الناحية العسكرية والسياسية لئلا تعود سورية دولة واحدة. ولعلنا نتذكر جيداً ما قاله رئيس دولة الاحتلال نتنياهو بعد انتهاء عدوان تموز/2014 على شعبنا ومقاومتنا في غزة، بأنّ ما ربحته «إسرائيل» في هذه الحرب من أصدقاء جدد على الصعيد العربي يقفون الى جانب «إسرائيل» ويشاطرونها الموقف من المقاومة وإيران، ويعتبرون بأنّ «إسرائيل» ليست دولة معادية لهم، ولم تعد القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى.

نعم… بعدما دخلت الشعوب والدول العربية في حروب «الأخوة العداء» والفتن المذهبية والطائفية، وحرف اتجاه البوصلة والصراع عن أساسه، حيث أنّ مشيخات النفط والكاز العربية، أصبحت ترى أنّ الأولوية لـ»الخطر الإيراني» على وجودها ومصالحها ودورها ونفوذها في المنطقة، وأنّ «اسرائيل» لم تعد العدو المركزي لها، بل هي مستعدّة للتنسيق والتعاون معها في الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية في سبيل وقف ما يسمّى بـ»الخطر» و»التهديدات» الإيرانية، وفي هذا السياق نشير الى أنّ دوري غولد من أجل هذا الغرض والهدف كانت له لقاءات عدة مع أنور عشقي أحد رجالات الاستخبارات السعودية في واشنطن، وكذلك مع تركي الفيصل مسؤول الاستخبارات السعودية السابق في واشنطن أيضاً، وكذلك الكثير منها مع بندر بن سلطان ومع وزير الخارجية الحالي عادل الجبير وغيرهم من مسؤولي عائلة آل سعود والعديد من المسؤولين القطريين.

وقبل الحديث عن الزيارة السرية لوزير الطاقة «الإسرائيلي» يوفال شتانتز إلى أبو ظبي من أجل الافتتاح العلني للممثلية «الإسرائيلية» الرسمية في الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة «ايرينا» والتي عاد منها في السابع عشر من الشهر الحالي، ناقش خلالها المخاوف المشتركة من إيران و»داعش» ومسائل أخرى لم يُكشف عنها، وفق ما أعلنت القناة الثانية «الإسرائيلية». فغولد هو مهندس افتتاح هذه الممثلية «الإسرائيلية» العلنية في أبو ظبي، حيث قام في 24/11/2015 بزيارة سرية إلى أبو ظبي للاتفاق نهائياً على فتح هذه الممثلية. وسبق الإعلان عن فتح هذه الممثلية سماح الإمارات بدخول لاعبين «إسرائيليين» للمشاركة في دورة مباريات دوليّة في كرة السلة.

إصرار «إسرائيل» أن تكون لها ممثلية علنية في الإمارات وبشكل مستقلّ، يوضح أنّ هناك أهدافاً «إسرائيلية» من وراء ذلك، فالدول المنضمّة إلى وكالة الطاقة الدولية المتجدّدة، إما أنها ممثلة من خلال سفاراتها أو بعثاتها الدبلوماسية هناك، أو من خلال موظفين صغار، فـ «إسرائيل» ترى في تلك الممثلية موطئ قدم لها، ليس لكي تمارس من خلاله أنشطة أمنية وسياسية وتجارية واستخباراتية في الإمارات فقط، بل تطمح بالتمدد لكامل منطقة الخليج، وخصوصاً أن العلاقات السرية في المجالات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية على وجه الخصوص بينها وبين أغلب مشيخات النفط والكاز العربي، قائمة منذ عشرات السنين.

ولم تقتصر الهرولة على تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» على بلدان الخليج العربي، بل وجدنا السودان أكثر «اندلاقاً»، فنحن نفهم أن ينتقل السودان من خندق إيران/ حماس و»الممانعة» إلى خندق «التحالف السني» في الحربين على اليمن والإرهاب، فهذا أمرٌ مفهوم في سياق الانقسام المذهبي الذي يشطر الإقليم إلى معسكرين متحاربين، مع أن النقلة كانت كبيرة جداً، وألقت بظلال كبيرة من الشك، حول «المرجعيات الدينية المُؤَسِسَةِ» للنظام الحاكم في السودان منذ عام 1989.

لكن أن تصل «البراغماتية» بالسودان، إلى حد الحديث عن «تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، وأن يصبح الموضوع مادة للحوار والنقاش داخل الأطر الرسمية وفي هيئات الحوار الوطني، وأن تتالى التصريحات الرسمية وغير الرسمية، «المرحبة» بخطوة من هذا النوع، وأن تُستَقبل رئيسة لجنة الصداقة السودانية «الإسرائيلية» تراجي مصطفى على المستوى الرئاسي، وهي التي اتهمت بالخيانة والعمالة وسحبت منها جنسيتها السودانية… فهذه نقلة كبيرة، أقرب للتدهور، تبدو عصية على الفهم والهضم.

والحديث عن التطبيع وإخراج علاقات «إسرائيل» من السرية الى العلن، لم تعد سراً، بل وصل الأمر برئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو الى القول، إنه في القمة العالمية التي عقدت في باريس مؤخراً حول المناخ، أنه على هامش القمة التقى عدد من الزعماء العرب، وأن أحد الزعماء العرب امتدح خطابه في الدورة السبعين للأمم المتحدة، واليوم في سؤال وجه له من قبل القناة الأولى «الإسرائيلية» خلال المنتدى الاقتصادي «دافوس» حول موعد لقائه مع زعماء عرب؟ فما كان من رئيس حكومة الاحتلال إلا أن أجاب: «من قال إني لا ألتقي معهم؟» وسألت القناة «الإسرائيلية»: «هل التقى رئيس الحكومة مع زعماء عرب في دافوس؟ زعماء لا يوجد لـ»إسرائيل» علاقات دبلوماسية معهم؟ مضيفة أن إجابته تشير إلى أنه قام بذلك.

«إسرائيل» تعمل جاهدة ليس فقط من أجل إخراج علاقاتها مع العديد من الدول العربية من السر الى العلن، بل تطمح الى إقامة علاقات تعاون وشراكة مع العديد من الدول العربية، ونتنياهو في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» خاطب دول الاتحاد الأوروبي، أنه بدلاً من معاقبة إسرائيل» وفرض عقوبات عليها، عليهم التعامل مع «إسرائيل» كدول الخليج العربي كحلفاء، وهذا يبين حجم ومستوى وطبيعية العلاقة القائمة بين «إسرائيل» والدول العربية، وخصوصاً أن حالة الخوف والرعب التي تعيشها هذه الأنظمة على عروشها ومصالحها وأهدافها في المنطقة من إيران بلغت حد «الهوس»، وهي ترى بـ «إسرائيل» الحليف والشريك.

الزيارة السرية التي قام بها وزير الطاقة الصهيوني «يوفال شتانتز» الى أبو ظبي من اجل افتتاح الممثلية «الإسرائيلية» في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «ايرينا»، هي خطوة أولى على الطريق الذي قد يوصل البلدين إلى إقامة علاقة دبلوماسية كاملة ولكن هذا بعيد الآن بعض الشيء على الأقل عن العلن، مكتب أيرينا سيمثل فرصة جيدة لـ»إسرائيل» لكي تضفي الشرعية على مواطنيها حال دخولهم الإمارات، وهو ما تسعى له «إسرائيل» خاصة مع تزايد الصفقات التجارية بين الجانبين.

وفي حين يقول المكتب المركزي للإحصاء في «إسرائيل» أن تل أبيب تصدر ما قيمة 5.3 مليون دولار من السلع إلى الإمارات، فإن الخبراء «الإسرائيليين» يقولون إن الرقم أكبر من هذا بكثير.

ويقول الدكتور ناحوم شيلوه الخبير في دول الخليج واقتصادها، «التجارة الكبيرة الحادثة بين «إسرائيل» والإمارات ليست عبر التصدير المباشر، ولكن يجرى القيام بها عبر شركات خاصة تملك فروعاً في الخارج، و»إسرائيل» لا تعتبر دول الخليج ضمن الدول المعادية وبالتالي يسمح لـ»الإسرائيليين» بعقد صفقات تجارية معهم بحرية».

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى