جنيف آمال واهمة…
سناء أسعد
عندما يتمّ اعتماد منهجية آل سعود الاستبدادية كرأسمال للعملية السياسية، وعندما يتمّ خرق الجسد السياسي بوابل غزير من الرصاص الوهابي العثماني، وبتصويب أميركي «إسرائيلي»، يصبح هذا الجسد السياسي هشاً مهترئاً قابلاً للفناء والزوال، بل على وشك الانقراض.
وتتمّ تبعاً لذلك أرشفة الحلول السياسية ليصطفّ فوق سطورها غبار النسيان، حتى إذا ما تمّت إعادة إثارتها وسط ما يجري ويحدث من مستجدات، سيكون ذلك من العجائب السبع، أو إحدى طرائف العالم التي لا تصدّق.
فكيف يمكن لعملية سياسية أن تتبلور وتأخذ مداها بأبعادها كافة إذا كان آل سعود قد منحوا لأنفسهم حق الوكالة من دون تفويض مسبق لتصنيف من هو معارض سياسي، ومن هو إرهابي ينتمي لمنظمة إرهابية! ومن قتل أبناء الشعب السوري وسفك ودمر وشرد واغتصب! ومن لم يفعل ذلك. هذا التصنيف الذي يعود بالدرجة الأولى الى الشعب السوري دون غيره، كما شأن أمور كثيرة، فهذه الأولوية مستمدّة بشكل أساسي من تلك المعاناة الطويلة لهذا الشعب الأبيّ مع الإرهاب بكل أشكاله، فضلاً عن أنّ السعودية أبعد جهة يمكن أن تملك أحقية التكلّم أو خوض تجربة المصالحات أو تسيير الحلول أو إجراء وساطات لإنهاء خلاف ما أو نزاع ما، أو حتى تناول أيّ موضوع من هذا القبيل، لو كان ذلك إملاءات صهيو ـ اميركية، لأنها ستفشل حتماً عندما تحاول الخروج من عباءتها النفطية السوداء الملوّثة بالإجرام والعار والزندقة.
وتبعاً للرؤية الوهابية السعودية تمّت تسمية وفد للمعارضة، ولكنه لا يضمّ إلا كبار الإرهابيين والقتلى المتشدّدين، الذين يفتقرون الى كلّ المواصفات والمقوّمات والأهلية التي يجب توفرها في من يجب أن يمثل الشعب السوري، سواء أكان ذلك في البعد السياسي أو في العمق الإنساني والأخلاقي، أو في الحسّ الوطني، وحتى لغة الحوار، فكلّ ما سبق ذكره في واد، وأولئك المرتزقة الكفار الخونة العملاء في واد آخر.
وفد وهابي بامتياز وليس وفداً معارضاً، عملية تجنيد إرهابية، من قبل آل سعود لم يتوقفوا عنها منذ بداية الأزمة السورية، الطريقة ذاتها ولكن مع اختلاف الأدوار والمهام، فمن تمّ شراؤهم لافتعال الأزمة السورية واستمرارها، يتمّ الآن تعيينهم كمفاوضين لحلّ الأزمة السورية، كما يتبجّحون، ويدّعون…
تنصيب آل سعود كأساس معتمد لا بدّ منه لسلوك طريق جدّي للمفاوضات، في مؤتمر جنيف، يجعل الانتظار على منافذ الحلول طويلاً ومملاً جداً، ولا سيما أمام جملة الشروط الوهابية الإرهابية التي اشترطها أولئك قبل أن تتمّ المفاوضات، سواء في ما يتمثل بالرفض القاطع لاستقراب ما استبعدوه واستبعاد ما استقربوه من شخصيات في ما يتعلق بعملية تمثيل الوفد المعارض، أو بالتصريحات الواهمة بعدم قبول الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية…
كل هذا لا يبشر بالخير الذي لم يستبشر به السوريون يوماً من آل الإرهاب ذاتهم، ولم ينتظروه ولم يفاجأوا حتى بالعراقيل السعودية الأميركية التركية، للحيلولة دون انتهاء الأزمة في سورية، وجه تجاري للمفاوضات والمقايضات، مزاد علني لبيع سلع سياسية، ولتأكيد الأهداف الصهيونية الموحدة ما بين أميركا والحلفاء، والتي تمثلت بالتصريحات «الجونية» جون كيري في الرياض وجو بايدن في تركيا ، فمنذ البداية كان الهدف الأول والأخير لكلّ من أميركا والسعودية وتركيا، يتمحور حول كيفية إسقاط الرئيس بشار الأسد، وليس مكافحة الإرهاب كما يدّعون ويزعمون.
أميركا، أرادت من هذه اللقاءات تطييب خاطر الحلفاء بعد الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، والتصعيد بإثارة النعرات الطائفية، والدعم المعنوي لـ»داعش» وأخواتها بالحديث عن خيار عسكري اذا لم يتمّ الحل السياسي بالمفاوضات، وكأنّ أميركا تعلن مسبقاً إما بعدم صيرورة المؤتمر، أو بعدم إمكانية الحلّ السياسي حتى لو انعقد المؤتمر.
ما انتظره السوريون وما لم ينتظروه أصبح حقيقة ملموسة، لا يمكن تشويهها أو تحريفها، أو إثبات عكسها، سواء أكان النصر المنتظر في ساحات الميدان، والذي اقترب تبعاً لعملية الحسم الميداني التي يقوم بها الجيش العربي السوري مع الأشقاء والأصدقاء في حزب الله وإيران وروسيا، أو انعدامية الحلول السياسية في ما يتعلق بالأزمة السورية غير المنتظرة من صنّاع الإرهاب وداعميه، فشأن هذه المفاوضات، شأن القرار 2254، شأن قرار محاربة الإرهاب، والتدخل العسكري، شأنه شأن القرارات المتعلقة بمصير الرئيس الأسد، حرب إعلامية، لدعم الإرهابيين من جهة، ولخلق حالة توتر في المناخ السياسي من جهة أخرى، أيّ توسيع دائرة الخلافات، وتضييق دائرة الحلول وعرقلتها.
أميركا تقرع الطبول من أجل «إسرائيل»، وتركيا والسعودية تهللان وترقصان لهما.
بعد كلّ ما يجري ويحدث وبعد هذا العشق المستميت السعودي التركي لـ»إسرائيل»، لا بدّ من وضع «إسرائيل» كمعيار أساسي، لتحديد من يستحق أن يحمل الهوية العربية، ومن يستحق أن يدافع عن الدين الإسلامي، ومن يحق له التفاوض والتكلم من أجل إحلال السلام في المنطقة، ومن هو الإرهابي، ومن هو الخائن والعميل. فبوجود التقدّم الميداني، لا فرق لدى السوريين إنْ عُقد مؤتمر جنيف أم لم يُعقد، أو شملت عملية التمثيل الوفود المعارضة كافة أو لم تشمل، الميدان هو فقط من له الكلمة الأولى والأخيرة، الميدان ولا شيء آخر…