فرنسا تتذوّق الكافيار وإيران تحلّق بالـ»إيرباص» وحزب الله ينتظر اللائحة!
روزانا رمّال
يتحدّث مقرّبون من رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري ممّن عرفوا طبعه وطبيعته، وشاركوه حياته السياسية، لـ«البناء» عن مسيرته وذكائه المفرط في ابتداع أبوابٍ تدخله إلى عالم كاد يكون بعيداً عنه وعن تاريخه ونشأته، لكن الحريري الشديد الثقة بنفسه لم يكن يعتبر أنّ هناك شيئاً مستحيلاً.
يتحدّث المصدر عما كان قد رواه الراحل عن قدرته على جذب الفرنسيّين، وما كان يعني ذلك من حساب صعب، لكن «مقدور عليه» من خلال بوابة واحدة وأساسية اقترح على المسؤولين في المملكة العربية السعودية الدخول عبرها.
لعب الحريري الأب دوراً أساسياً وأولاً في نسج علاقة مميّزة مع السلطات الفرنسية وربطها بالمملكة، وكان ذلك بعدما نصح المسؤولين السعوديّين بدعم صديقه رئيس بلدية باريس جاك شيراك في ترشّحه إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية، وتمويل حملته الانتخابية.
كان الحريري يقول إنّ بوابة دخول السعودية إلى أوروبا كلها ستكون عبر هذا الطريق، وأنا مستعدّ لهذا الدور، ولكن على السعودية أن تقبل هذا الطرح، فكان أن وافق الملك ودعم حملة شيراك، ونجح الحريري في تقديم هذه العلاقة المميّزة بين السلطات الفرنسية والسعودية إلى العالم، وساعد المملكة التي لم تكن تدرك كيف تعزّز علاقاتها الخارجية بالدول الغربية في ذلك الوقت، والتي كانت من دون شك تحتاج إلى عقل مثل عقل رفيق الحريري.
من هنا لم تكن علاقة الملك فهد بالحريري عادية، ولم يكن الحريري عادياً هو الآخر، فقد استفاد من علاقته بفرنسا شيراك في لبنان وسورية على حدّ سواء.
نسج علاقات جيّدة مع فرنسا وكسب الموقف الأوروبي لدى المحافل الديبلوماسية، وعنى الكثير في نسج التحالفات الدولية أيضاً. وهنا ركزت السعودية في خطواتها المواكبة لـ«الربيع العربي» على كسب هذا الموقف والانطلاق من باريس أكثر من مرة في مؤتمرات دعم لاجئين، أو مؤتمرات اقتصادية، وأخيراً مؤتمرات لدعم «المعارضة السورية» التي حازت شخصياتها على اهتمام واضح من السلطات الفرنسية بين لجوء سياسي ودعم ولقاءات في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي حتى عهد فرنسوا هولاند اليوم.
موقف فرنسا من سورية تحديداً لازم المسار السعودي فيه، لكن هذا يُضاف إلى تلازم آخر ظهر في الملفّ النووي الإيراني في لحظات التفاوض الحساسة والدقيقة، فقد واظب وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس على إطلاق مواقف مشككة بالتزام إيران وسلميتها، واضعاً أيّ اتفاق أميركي في إطار المخاطرة التي قد لا تخدم أمن «إسرائيل». وهنا ساورت الفرنسيين شكوك بعدم التوصل إلى اتفاق، لأنّ الجانب الإيراني سيُخفق في ضبط حركته وسياسته بمواجهة ما يعصف بحلفائه، وهو طرف مباشر في الحرب عليهم، وقد استفزّ الإيرانيين أكثر من مرة منذ توقيع الاتفاق، لكنهم لم يتصرّفوا بأيّ ردّ فعل عشوائي.
نجحت إيران، وكانت فرنسا أول المهنئين، وزار فابيوس طهران حتى قبل تثبيت الاتفاق ورفع العقوبات عن إيران، في مشهد أثار حفيظة الرياض، وبث القلق في أروقة المملكة.
يزور الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني فرنسا بعد روما حاملاً معه إليها سلسلة اتفاقات اقتصادية أهمّها شراء 114 طائرة «ايرباص» في صفقة باهظة الثمن يقول خبير اقتصادي إنها تلامس الـ 30 مليار دولار، إذا أخذ بعين الاعتبار أنّ كلفة الطائرة الواحدة تتراوح بين 250 و350 مليون دولار، بينما لم تكن السعودية تشتري أكثر من 20 طائرة منها في الصفقة الواحدة كأبعد تقدير.
تدخل إيران أوروبا من بوابة أزمات اقتصادية وتعرض على حكوماتها الانفتاح وأسواق العمل والسياحة والتبادل التجاري والمصرفي، في دولة لا تعاني من العجز الذي بات يدق أبواب الخليج والسعودية على وجه خاص.
سيتذوّق الأوروبيون طعم الانفتاح على إيران، لكن الساسة في لبنان أيضاً سيتذوّقون ذلك عبر انفتاح أوروبي تدريجي على حزب الله، حليف إيران، والذي صنّف «جناحه العسكري إرهابياً»، وستنعكس العلاقة الجيدة بين فرنسا وإيران على لبنان فتسهم في «تنظيف» اللائحة السوداء للحزب ونزع اسمه من لوائح الإرهاب أوروبياً، وفي المحافل الدولية، وستستفيد البلاد قريباً عبر هذا التطوّر من دعم فرنسي مباشر للمرشح الرئاسي الذي تدعمه إيران كحليف.
حزب الله على موعد إذن للاستفادة من المناخ الذي يُرخيه الانفتاح الأوروبي على إيران، ما سيجعل الفرنسيين أقرب من أيّ وقت مضى إلى أجندته في لبنان، فتضاف نقطة جديدة تؤكد انعطافة الأحداث والحسابات الداخلية السياسية لصالحه، وكما دفع الثمن في مرحلة التصعيد يتابع عن كثب التقارب وينتظر صرف الثمن في الصعود، والعين دائماً على لائحة الإرهاب الأوروبية التي يعني رفع اسم الجناح العسكري للحزب عنها إسقاطاً لأي قيمة لوضعه على اللوائح الخليجية، فهل يطابق حساب بيدر حزب الله حساب الحقل الفرنسي الإيراني؟
الفرنسيون يتذوّقون «الكافيار» الإيراني، وإيران تحلق بالـ»إيرباص» الفرنسية، تلك معادلة في السياسة وليست مائدة ولا سياحة إنها «سياسة» كما يقول المتابعون، فالتذوّق الفرنسي للكافيار هو تفاعل مع إيران كخيار يشبه ما كان قائماً مع السعودية التي تدخل مرحلة الأفول وتحليق إيران بالـ»إيرباص» «سياسة» أيضاً وعودة إلى العلاقات الدولية وتحليق في فضائها، واللائحة التي ينتظرها حزب الله ليست لائحة المائدة وليست لائحة مانيفست المسافرين، بل لائحة الإرهاب…