«عملية شجر السيكامور»… التآمر الأميركي ـ السعودي لإسقاط سورية

د. محمد أشرف البيومي

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية ذات الصلة القوية بالإدارة الأميركية ومراكز صنع القرار الأميركي تقريراً مهمّاً لما جاء فيه من تفاصيل التآمر على سورية، وأيضاً لتوقيته، وجدت من المهمّ إعطاء ملخص لما جاء في التقرير مع تعليق قصير.

التقرير الذي نُشر يوم 23 يناير/كانون الثاني الحالي يذكر بعض تفاصيل التعاون الوثيق بين حكومة آل سعود والمخابرات المركزية الأميركية سي أي آي لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. ورغم أنّ السعودية لم تخف تأييدها لمجموعات إرهابية، بل كانت وراء الإصرار على مشاركة «جيش الإسلام» في مؤتمر «جنيف 3» وسمّت ممثله محمد علوش كبيراً للمفاوضين في وفد الرياض، لكن مدى التعاون الاستخباراتي والتمويل المباشر لم يكن معروفاً.

نعود إلى عملية «سي أي آي» السرية التي أعطتها الاسم الكودي: «شجر أو خشب أو غابات السيكامورTimber Sycamore «. يرجع الاسم إلى غابات السيكامور التي تنمو في شمال أميركا. بدأت العملية عام 2013 وتشمل التعاون مع «الشريك التي اعتمدت عليه «سي أي آي» لعقود من حيث التمويل… في صراعات بعيدة: المملكة السعودية». «منذ ذلك الوقت استمرّ السعوديون و«سي أي آي» في ترتيب لتدريب المتمرّدين في سورية ». وحسب تقرير «نيويورك تايمز» فقد «زوّد السعوديون الأسلحة وكميات كبيرة من المال، كما أخذت «سي أي آي» مبادأة لتدريب المتمرّدين على بنادق AK-47 وصواريخ مضادّة للدبابات».

يعدّد التقرير أمثلة لتعاون السعودية الوثيق مع الولايات المتحدة الأميركية في السابق وهي مساعدة «المجاهدين» ضدّ السوفيات في أفغانستان، وفضيحة «إيران- كونترا» التي وقّعت في عهد إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1985، وارتبطت ببيع الإدارة أسلحة بشكل سري إلى إيران، التي كانت وقتها طرفاً في حرب ضروس مع جارتها العراق، وتحويل عائدات صفقة بيع الأسلحة إلى المتمرّدين في نيكاراغوا الذين كانوا يحاربون للإطاحة بحكومة الساندينيستا اليسارية. وكانت إجراءات صفقة بيع الأسلحة قد سارت ضدّ قوانين الكونغرس والقانون الدولي. وكذلك حروب الوكالة في أفريقيا مثل أنغولا . وفي حالات أخرى اكتفت السعودية بكتابة الشيكات لتمويل النشاطات السرية الأميركية. يذكر التقرير «انّ السعودية دفعت 32 مليون دولار عبر حساب في بنك جزر كيمان التي تقع في البحر الكاريبي جنوب كوبا «في الثمانينات موّلت السعودية عمليات في أنغولا ضدّ حكومتها التي يؤيدها الاتحاد السوفياتي… كان الهدف هو شراء الرضا الأميركي. أيضاً ساهمت السعودية بالتساوي مع أميركا في تمويل «المجاهدين» في أفغانستان لطرد السوفيات منها…» ومن الطريف أنّ التقرير يذكر أنّ الأموال «تدفقت عبر حساب بنكي في سويسرا تديره «سي أي آي» التي رتبت عدم حصول الحساب على فوائد التزاماً بـ«منع الإسلام للربا»،

يا للالتزام في تناول أموال هدفها القتل والدمار!

«إنّ التعاون السعودي الأميركي لتسليح وتدريب المتمرّدين في سورية والذي تساهم في تمويله دول عربية أخرى، لا يزال مستمراً. وفي نفس الوقت فإنّ العلاقات الأميركية السعودية في حالة سيولة. أسعار بترول منخفضة والجيوسياسة ربطت بين البلدين ولكن هذا الرباط بدأ يتحلل حيث أنّ اعتماد أميركا على البترول الأجنبي في هبوط كما أنّ أوباما وافق علي التقارب الدبلوماسي مع إيران… لا يزال التحالف قائماً ولا تزال أميركا تتردّد في انتقاد السعودية علناً لانتهاكها لحقوق الإنسان، ومعاملتها السيئة للمرأة، وتأييدها لتوجه متطرف للإسلام هو المذهب الوهابي الذي «ألهم» المجموعات الإرهابية نفسها التي تحاربها أميركا». أما عن حجم التمويل فيكشف التقرير أنّ المسؤولين الاميركيين لم يفصحوا عن قيمة المساهمة السعودية… لكن التقديرات تشير إلى عدة بلايين من الدولارات…

كما يشير إلى «أنّ القطريين كانوا يهرّبون عبر الحدود التركية صواريخ تُحمل على الكتف مصنوعة في الصين FN-6… كان يقود المجهود السعودي… المسؤول الاستخباري وقتئذ الأمير بندر بن سلطان… الذي اشترى الآلاف من قطع AK-47… وملايين الذخيرة من شرق أوروبا… ساعدت «سي أي آي» في بعض مشتريات السلاح بما في ذلك صفقة كبيرة في 2012 من كرواتيا».

في اجتماع عقد في البحر الميت في الأردن لأجهزة المخابرات في عدة دول خليجية ألقى ديفيد بترايوس مدير «سي أي آي» وقتئذ محاضرة قاسية أنّبهم فيها لإرسال أسلحة من دون التنسيق مع بعضهم بعضاً أو مع المسؤولين من «سي أي آي» المتواجدين في الأردن وتركيا».

«في ربيع 2013 أعطى أوباما موافقته لـ«سي أي آي» لتسليح المتمرّدين من قاعدة في الأردن معدّلاً بذلك برنامج «شجر السيكامور» للسماح بمساعدات مميتة… شملت صواريخ «تاو» المضادّة للدبابات، كان هذا البرنامج منفصلاً عن برنامج آخر لتسليح المتمرّدين، كان يديره البنتاغون ويقوم بتدريب متمرّدين يقاتلون «داعش»… اعترض السيناتور رون وايدن لـ«عدم تقديم تفاصيل للشعب»… «كان الأردن يحصل علي دفعات مالية من السعوديين والأميركيين… وعندما يتأخر السعوديين في الدفع كانوا يشتكون لمسؤولي «سي أي آي»، قال وليام ماكانتس المستشار السابق في الخارجية الأميركية ومؤلف كتاب عن «داعش»: «إذا كان الحديث حول التعاون في مكافحة الإرهاب، وإذا كان السعوديون جزءا كبيرا من مشكلة في خلق الإرهاب في المقام الأول، فكيف يمكن الاقتناع بالحجج»؟

«التحالف لا يزال قوياً… الأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية الحالي والمسؤول الآن عن تسليح المتمردين في سورية يعرف جون برينان مدير «سي أي آي» والذي كان رئيسها في الرياض في التسعينات وعلاقاتهما وثيقة».

بعد كلّ هذه المعلومات وغيرها ألا يحق لي ولغيري أن يؤكد حقيقة تاريخية هي مدى تآمر آل سعود، ليس على سورية فقط، وإنما على سائر الدول العربية وفي مقدّمتهم مصر، خصوصاً في عهد جمال عبد الناصر.

إنّ «خطأ» بشار الأسد الرئيسي أنه لم يمتثل لشروط أميركا التي عرضها كولن باول. لم يقبل التخلي عن تأييد المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولم يقبل فك حلفه مع إيران، ولم يقبل بالاستسلام للكيان الصهيوني، ومن هنا اكتسب التأييد في معظم الأوساط العربية، وفي المقابل الغضب من عملاء الأعداء. فهل يستحقّ منا الوقوف معه ومع الجيش الوطني السوري الباسل في مواجهة الأعداء، أم علينا أن ننحاز ونصفّق للرؤساء الذين خنعوا وقبلوا بانتقاص سيادة أوطانهم؟

أما المعارضون الملتحقون بالرياض وقطر، الذين تخلوا عن أبسط قواعد الالتزام الوطني منذ أن رفعوا شعار «أسبوع الحماية الدولية» وقابل بعضهم السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد، وارتموا في أحضان قطر والسعودية وتركيا، فقد أصبحوا شركاء لإرهابيّي «جيش الإسلام» في وفد المفاوضات، ومع خونة طعنوا سورية في ظهرها بعد أن منحتهم الثقة والمناصب المحورية.

إنّ الإيمان بالحريات والديمقراطية يعني حماية الوطن في المقام الأول، فلا حرية لمواطن ولا ديمقراطية في وطن تابع وغير حرّ.

نقول أيضاً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنها خطوة إيجابية تأييدكم للمساعدة العسكرية الروسية لسورية، ولكن أليس من المناسب الآن، وليس غداً، إعادة العلاقات الديبلوماسية كاملة والدعم العلني والواضح للنظام في سورية، من منطلق التصدّي للإرهاب الذي تحاربه سورية بضراوة، والذي نواجهه هنا في مصر؟ أليس هذا واجبنا للدفاع عن الأمن القومي المصري؟

مصر لا يمكن أن تخضع لإملاءات سعودية أو أميركية أو صهيونية مهما كان ضعفها الاقتصادي، وقد رأينا كيف أصبح الرئيس عبد الناصر زعيماً للأمة العربية جمعاء يؤيده الملايين عندما تحدّى العدوان الإمبريالي والرجعي والصهيوني.

أستاذ الكيمياء الفيزيائية في جامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشيغان سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى