صباحات

رحلت زينب ياغي الصحافية التي امتلأت كلّ الأماكن التي شغلتها ضجيجاً وشغباً يتنافسان اليوم في ملء مقعدها الشاغر في الصحافة التحقيقية التي أدمنتها، وعلمت فيها جيلاً يحاول الاحتيال على المثابرة بالإبهار، فلا يداني جدّيتها في ما صنعت من أفلام مصوّرة على الورق بالحرف والكلمة، ولم تسعفهم الأضواء والكاميرات لقول كلمة ذات وقع وإيقاع، أو كي ينطقوا الجملة المفيدة إياها التي كانت ترسو في مرفأ النهاية في كلّ ما كتبته زينب.

زينب لا تكترث كثيراً كما عرفتُها لنظريات الحديث عن الرحيل المبكر والمستوفي والمتأخر. ولا تكترث أيضاً لمفاهيم نمطية للنجاح والسعادة يقيس بها محبّون كثر معايير حياتها للترحّم عليها والقول رحلت باكراً أو رحلت قبل أن… ويتابعون. فهي من نوع يشبع من الحياة أو شيء فيها أو أشياء بمقاربته مرّة ولا يبقى شغف المواصلة إلا لما صار بعضاً من الإدمان وأوّله القلم والناس والترفع عن ممالأة مصدر قوة أو سلطة، بدأً من الاحتلال مروراً بالطائفية والطائفة وسلطة الحاكم وتسلّط الدين وانتهاءً بالحزب. فكلّ ما لا يشبه صوت آذان الفجر أو أغاني فيروز أو كزدورة على شاطئ البحر أو تذوّق عنقود عنب من يد الوالدة في حاكورة بيت الضيعة، فيه بعض تزييف يجب هتكه، وفيه ممالأة تسبّب الغثيان. حتى غثيان المرض كان بعضاً من غثيان مؤجل مما شهدت من نفاق تمقته ورحلت وهي لا تزال.

رحلت زينب وقد راكمت ما يعادل حيوات كثيرة يعيشها سواها مكرّرة ويحسبها تراكماً. والتكرار غير المراكمة كما تقول تجربة زينب المهنية. زينب شتلة تبغ تتباهى بخضرتها ولا تخجل بمرارتها بل تذيقها لمن وحيث يجب. وتدعوك إلى إدمان لا تشفى منها بعده. لزينب تحية الحبر والليطاني وشتلة التبغ في حواكير زوطر، وتحية حنان لعيون حسن الأخ والرفيق والصديق الذي يفقد فيها ركناً من قلبه لا يشغله سواها. ودمعة على كمشة تراب كانت جبلت منها ابنة هذه العائلة التي أحب كثيراً في هذا الجنوب الذي أحبّ أكثر. بأمان الله يا زينب وقد أصابك التعب من دون أن ينالك الشبع، لأنك أردت الإصرار أن المراكمة غير التكرار. لعلّنا لو امتكلنا الأجمل في مهنتنا أو سياستنا أو بيئتنا أو الأدب والشعر والموسيقى لأغواك البقاء وتمدّدت الإقامة. بعد انتصارات المقاومة «هيئتها منشفة» يا زينب، مع ألف سلام وسلامة إلى الذين تحبّين من الأهل والشهداء.

زينب ياغي كاتبة في صحيفة السفير ومناضلة يسارية وإعلامية في الفريق المؤسّس لإذاعة صوت الشعب، وهي شقيقة الأخ والصديق الغالي حسن ياغي زوج أختي دلال .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى