فوضى جنيف تتمدّد للاثنين… وموسكو تدعو دول مسار فيينا إلى ميونيخ «داعش» إلى عرسال… والحكومة تعود… ونصر الله لضوابط الرئاسة الليلة

كتب المحرر السياسي

لم يقل الرئيس الفرنسي ما يسمح بالقول إنّ هناك تموضعاً فرنسياً جديداً تجاه قضايا المنطقة، سواء في العلاقات بالسعودية أو تركيا، وخصوصاً تجاه المسألة السورية، ولا تجاه عناوين مثل الحديث عن شراكة استراتيجية مع إيران يوحي بالتموضع الجديد، وهذا في الأساس لم يكن موضع توقّع أو حساب، فيكفي حجم الصفقات الاقتصادية التي وقعها الرئيسان الفرنسي والإيراني، والحماسة التي أظهرها الرئيس فرنسوا هولاند لتسريع التطبيع والشراكة مع إيران، كما قال، للدلالة على المكانة التي احتلتها إيران سريعاً في الحسابات الفرنسية. وهي حسابات كانت ولا تزال تمليها بنسبة كبيرة مصالح التكتلات الاقتصادية الكبرى وفي مقدّمها مجموعة «إيديز» التي تملك أغلب أسهم شركة «إيرباص»، التي نالت النصيب الأهمّ من المال الإيراني المسترجَع من الأرصدة المحرّرة.

الإشارة اللبنانية في خطابات باريس الإيرانية والفرنسية، كما الإشارات الأخرى نحو الحلّ السياسي في سورية وتطبيع العلاقات الإيرانية الخليجية، مؤشرات على جدول أعمال مشترك بين طهران وباريس للفترة المقبلة، كما قالت مصادر متابعة لزيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى أوروبا وخصوصاً إلى فرنسا.

على مسافة غير بعيدة من باريس، كانت جنيف تستكمل استعداداتها لاستضافة لقاء الحوار الذي يجمع برعاية أممية وفداً من الحكومة السورية ووفوداً من المعارضة، وتعمّ الفوضى في جنيف، حيث يسود الغموض، بين إعلان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن عقد اللقاء اليوم في موعده، وبين ما ينقله مشاركون عن الوفد الأممي المعاون لدي ميستورا عن تأجيل اللقاء إلى يوم الاثنين، وبين إعلان جماعة الرياض بلسان متحدّثين رسميّين فيها عن قرار مقاطعة اللقاء، ونفي متحدثين آخرين أيّ قرار بالمقاطعة، وحصر الأمر بتوضيحات تتصل بكيفية مشاركة معارضين آخرين في لقاءات جنيف من جهة، وبطلبات إغاثة ووقف نار في مناطق سورية معينة.

فوضى جنيف يراها دبلوماسيون متابعون تمهيداً لتثبيت طيّ صفحة البحث في مستقبل الرئاسة السورية، والانتقال تحت قنابل دخانية تتصل بسواها من شكليات التفاوض إلى جعلها أمراً واقعاً قائماً.

بالتزامن مع هذه الفوضى توجّهت موسكو بالتفاهم مع واشنطن كما قال نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف، لدعوة الدول المشاركة في مسار فيينا إلى اجتماع في ميونيخ يركز على حسم لائحة تصنيف التنظيمات الإرهابية تمهيداً لحسم نهائي للفوضى المتصلة بتكوين الوفد المعارض في اللقاءات اللاحقة في جنيف.

في لبنان تدافعت الأحداث، من الميدان العسكري الذي سجل تقدّماً لافتاً لمسلحي «داعش» على أبواب عرسال، إلى انتعاش نسبي في الأداء الحكومي مع إنجاز تشكيل المجلس العسكري، وبالتالي استعادة قدر من العافية للمشاركة الحكومية من طرف وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله، ليبقى الملف الرئاسي محور الترقب والانتظار، حيث سيطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم ليعلن ضوابط تعامل حزب الله مع الملف الرئاسي بعد التطوّرات التي شهدها خلال الأيام الفائتة.

إطلالة لنصر الله اليوم وتجديد الالتزام الرئاسي

يُطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عند الثامنة والنصف من مساء اليوم للحديث عن الاستحقاق الرئاسي. وإذ أشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى «أن حصر الحديث بالرئاسة غير مسبوق في إطلالات السيد نصر الله، لفتت إلى «أن إطلالة السيد نصر الله هي لوضع موقف حزب الله الرئاسي في السياق الذي يجب أن يكون فيه والذي هو فيه منذ بداية الشغور الرئاسي حتى الآن، لكنه يقطع الطريق ولمرة واحدة على أية عملية تلاعب أو تأويل أو تفسير لعدم قول الحزب أية كلمة منذ ترشيح رئيس حزب القوات سمير جعجع لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون». وتابعت المصادر بالقول: «لأن حزب الله ملتزم بمبدئية مواقفه الرئاسية التي لم تتغير ولن تتغير، فإن كلامه اليوم في الملف الرئاسي هو لقطع الدابر عن ألسنة السوء والاستثمار السلبي والخبيث الذي جرى جراء عدم صدور موقف عن حزب الله، ولذلك سيطل السيد نصر الله اليوم لتأكيد المؤكد في الموقف العام المعروف في الملف الرئاسي بدعم الجنرال ميشال عون والوقوف خلفه، وفي الوقت نفسه حفظ مكانة رئيس تيار المردة النائب الحليف الاستراتيجي للمقاومة والحرص على موقع ما يمثله الحليفان الجنرال عون والنائب فرنجية بالنسبة لحزب الله».

ورجّحت المصادر أن «يطرح السيد نصر الله التسوية الشاملة المتعلقة بانتخاب الرئيس وإقرار قانون انتخابي جديد وتفعيل الحكومة التي كان دعا إليها ومن دون أن يكون طرحها شرطاً للرئاسة».

إلى ذلك حضر الملف الرئاسي في لقاء عقد بعيداً عن الإعلام بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والقائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز وتم خلاله تبادل وجهات النظر إزاء المطروح على بساط البحث الرئاسي بعد خطوة معراب ومبادرة باريس.

مجلس الوزراء يُقرّ التعيينات

إلى ذلك لن تبقى جلسة مجلس الوزراء أمس يتيمة بعدما حدد رئيس الحكومة يوم الثلاثاء المقبل موعداً جديداً لاجتماع مجلس الوزراء لاستكمال البحث في بنود جدول أعمال التي أقرّ منها 241 من أصل 379 بنداً. وتخطّى مجلس الوزراء أمس عقدة التعيينات العسكرية وأقر التعيينات في المجلس العسكرية وشملت: العميد الركن سمير الحاج عن المقعد الارثوذكسي، العميد الركن جورج شريم عن المقعد الكاثوليكي والعميد محسن فنيش عن المقعد الشيعي، مع اعتراض وزير الاتصالات بطرس حرب. وعلمت «البناء» من مصادر وزارية أن وزراء اللقاء التشاوري وزراء الرئيس ميشال سليمان والكتائب والوزير حرب حاولوا في بداية الجلسة إيجاد جبهة لمعارضة التعيينات في المجلس العسكري، إلا أنها باءت بالفشل فالوزير عبد المطلب حناوي الذي يعتبر من وزراء الرئيس سليمان الرافض لتعيين العميد الحاج أيّد تعيينه، مما أدى إلى تفكك عقد وزراء لقاء الجمهورية لا سيما وأن الوزيرة أليس شبطيني لم تحضر الجلسة، ما استدعى تراجعاً من الوزير مقبل عن موقفه المتحفظ لتعيين الحاج، فتراجعاً من وزيري الكتائب سجعان قزي وألان حكيم ليبقى الوزير بطرس حرب وحيداً.

ولفتت المصادر إلى «أن رئيس الحكومة تمام سلام شرح للوزراء ما استدعى كلمته التي هاجم فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دافوس»، مشيرة إلى «أنه أراد ترميم الوضع مع الدول الخليجية لا سيما أن المقالات الصحافية التي صدرت في عدد من الصحف الخليجية لا تعبر إلا عن موقف قادة الخليج تجاه لبنان».

هل يُعاد النظر في البيان الوزاري؟

وعلمت «البناء» أن وزير الخارجية جبران باسيل كرّر ما قاله أول أمس في جلسة الحوار و»شرح موقف لبنان الذي تتخذه وزارة الخارجية بالتماشي مع البيان الوزاري وسياسة النأي بالنفس التي انتهجتها الحكومة». وأشار إلى «بعض الأفرقاء الذين وافقوا على البيان الوزاري ويصرّحون عكس ذلك في الإعلام»، مضيفاً «من الواضح أن البيان الوزاري لم يعد جامعاً»، ومطالباً الحكومة إذا اقتضى الأمر بتعديل البيان الوزاري وأخذ القرار المناسب الذي يضمن مصلحة لبنان وتضامنه مع الدول العربية ويدين الاعتداء على السفارة السعودية في إيران». وشدّد باسيل في الجلسة على «أن وزارة الخارجية ستلتزم بالقرار الذي سيتخذ في مجلس الوزراء»، غير أن رئيس الحكومة أرجأ النقاش في هذا الموضوع لأن «الوزراء لم يكونوا جاهزين لإعادة النظر في البيان الوزاري».

وأشارت مصادر وزارية إلى «أن كلام باسيل أيده الوزيران محمد فنيش وحسين الحاج حسن مقابل اعتراض وزراء الداخلية نهاد المشنوق والعدل اشرف ريفي والصحة وائل أبو فاعور عليه».

وشدد وزير التربية الياس بوصعب في مداخلته خلال الجلسة بحسب ما علمت «البناء» على «ضرورة أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً موحداً يتفق عليه جميع الأفرقاء السياسيين ويكون واضحاً وصريحاً في موضوع التضامن العربي والكف عن المزايدات والانقسام في الإعلام، لأن وزارة الخارجية سوف تلتزم بأي قرار يتخذه مجلس الوزراء». وتابع بو صعب «نحن نؤكد أنه علينا أن نتضامن مع جميع الدول العربية ونلتزم بميثاق جامعة الدول العربية، ورفض التدخل في شؤون أي دولة عربية»، لافتاً إلى «أن الانقسام الداخلي هو الذي يعرّض مصلحة اللبنانيين للخطر». ولفت إلى «أننا نشدد على هذه القرارات آخذين بعين الاعتبار التضامن الداخلي ومصلحة لبنان وعدم الانقسام».

وتأكيداً على موقف باسيل، كان لافتاً ما قاله وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في جلسة مجلس الوزراء «أن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة أكد في جلسة الحوار السابقة أنه «لو كان محل الوزير باسيل لكان اتخذ الموقف نفسه»، في حين أننا نسمع موقفاً مغايراً له في الإعلام».

ولفت درباس لـ«البناء» إلى أن «جلسة مجلس الوزراء كانت مثمرة». ولفت إلى «أن المسألة ليست مسألة تجاذب في وجهات النظر إنما مصالح مشتركة وضرر مشترك»، داعياً إلى توخي الحذر وإلى أهمية تنسيق المواقف بين وزارة الخارجية ورئيس الحكومة في القرارات التي تتخذ في مؤتمرات كهذه».

وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن موضوع جهاز أمن الدولة وضع جانباً وسط وعود بمناقشته لاحقاً في مجلس الوزراء، مشيرة إلى «أن بند الدفاع المدني وقضية الوزير ميشال سماحة إلى المجلس العدلي أحيلا إلى جلسة الأسبوع المقبل».

لجنة قانون الانتخاب تعود الثلاثاء

وعلى صعيد قانون الانتخاب، لم تنهِ لجنة التواصل المكلفة درس قانون الانتخاب اجتماعاتها بحسب المدة التي حددتها هيئة مكتب المجلس النيابي لها، وواصلت اللجنة أمس اجتماعاتها التي ناقشت خلالها كل الصيغ الممكنة أو المطروحة. ومن المتوقع أن تعقد اللجنة جلسة لها الثلاثاء المقبل بمشاركة النائب طلال أرسلان قبل أن تنتقل إلى إعداد التقرير للتمحيص فيه تمهيداً لرفعه إلى رئيس المجلس النيابي نهاية الشهر المقبل، لعرضه على هيئة مكتب المجلس لكون الدورة العادية للمجلس ستبدأ بعد 15 آذار المقبل.

هل يعلن داعش سيطرته على عرسال؟

أمنياً، توجّهت الأنظار في الساعات الماضية نحو الحدود الشرقية، حيث اندلعت معارك عنيفة بين تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة». ولفتت مصادر عسكرية لـ«البناء» إلى «أن تنظيم داعش استفاد من الضربة التي تلقتها جبهة النصرة وحلفاؤها في أكثر من جبهة في الداخل السوري وعالجتها بطريقة أدّت إلى انتزاع نسبة 30 من المساحة التي تسيطر عليها بين جرود قارة والجراجير السورية وعرسال اللبنانية، وأيضاً انتزاع السيطرة على ثلاثة معابر من أصل خمسة كانت تسيطر عليها جبهة النصرة في جرود عرسال». ولفتت المصادر إلى «أن هذا الأمر وضع لبنان أمام تحدٍّ جديد بخاصة بعد أن دخلت «داعش» إلى عرسال بشكل علني». ووفقاً للمعلومات المسرَّبة تستعد داعش لإعلان بلدة عرسال بلدة تحت سيطرتها الحصرية». واعتبرت المصادر «أن هذا الوضع سيطرح تحدياً كبيراً على لبنان لجهة القبول بالأمر الواقع والتخلي عن عرسال باحتلال داعش لها وقيام الدولة بواجباتها حيال هذه البلدة والدخول في مواجهة عسكرية مع داعش لإخراجها منها». وإذ اعتبرت أن «المصلحة الوطنية تفرض الخيار الثاني»، رأت «أن الحكومة اللبنانية الحالية لم تجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار لأكثر من سبب بخاصة أنها تتذرع بمزاعم لا تطابق الواقع وتنفي الخطر من أساسه كما فعلت في السابق عندما رفضت الاعتراف بوجود الإرهاب في عرسال».

ممرٌ آمن إلى طرابلس

ولفتت المصادر إلى «أن الخطر الأكبر يتأتى من كون تنظيم داعش يملك مشروعاً في لبنان سقفه الأعلى إلحاق لبنان بدولته المزعومة وسقفها الأدنى امتلاك ممر آمن من عرسال إلى طرابلس عبر فنيدق وعكار، وبالتالي يجب الاعتراف الآن أن دخول داعش إلى عرسال يعني أن شيئاً أساسياً تغير في المنطقة وأن إنكار الحكومة لهذا المتغير وكأنه غير موجود أمر بالغ الخطورة لا سيما وأن هناك بلدات ومناطق لبنانية لا سيما القاع ودير الأحمر ورأس بعلبك وغيرها في دائرة التهديد المباشر».

وأكدت مصادر عسكرية أخرى لـ«البناء» «أن التدابير العسكرية التي يتخذها الجيش معطوفة على الاستعدادات والتحضيرات التي تقوم بها المقاومة مع الأهالي في المنطقة من شأنها أن تشكل سداً نارياً وسداً دفاعياً يمنع داعش من تنفيذ خططها في الداخل اللبناني، بخاصة أن الجيش في الأشهر الأربعة الأخيرة عزز قدراته واستعداداته لمنع هذا التسرب الإرهابي».

وسألت مصادر مطلعة لـ«البناء» «مَن سيحرّر عرسال في غياب القرار السياسي بخاصة أن أحداً من السياسيين المسؤولين في هذا الشأن لا يستطيع اتخاذ القرار المناسب داخل مجلس الوزراء أو خارجه، تجنباً للتنسيق مع المقاومة والجيش السوري الذي ترفضه بعض القوى السياسية». وشددت المصادر على «أن معركة عرسال لا يمكن أن تتم وفقاً للظروف القائمة بمعزل عن المقاومة وسورية، وبالتالي يصبح الوضع في جرود عرسال على وجهتين: دفاعية ويبدو أن هناك طمأنينة من قبل المصادر العسكرية حياله. وتطهيرية هجومية لتحرير عرسال وهنا تُبدي المصادر نفسها تشاؤماً حيالها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى