«متحف الأنتيكا»… كنز أبو محمد وعشقه الدائم
دمشق ـ سلوى صالح
منذ نعومة أظفاره في بيت عربي في حي القباقبية في دمشق، كان أبو محمد هيثم طباخة مولعاً بكل ما له علاقة بتراث الآباء والأجداد والصناعات والحرف اليدوية الدمشقية. وكان يتردد في شبابه على محلات بيع الشرقيات التي يقصدها السيّاح قرب الجامع الأموي، لتنشأ علاقة عشق أزلي بينه وبين كل قطعة تراثية الموزاييك وعلب الصدف والشطرنج وآلة العود والمصابيح النحاسية والمشغولات الأغبانية. وكبر الحلم معه حتى أنه خصص منزلا قديماً مساحته 130 متراً في حي القنوات في دمشق ليعرض فيه كل ما جمعه من تحف وأدوات وصور نادرة وعملات متنوعة، إضافة إلى الأواني المنزلية التي كانت تستخدم في البيت الشامي القديم فبات لدينا «المتحف الخاص للأنتيكا» كما أسماه أبو محمد، ويعتبره كنزاً لا يقدر بثمن.
بدأت الفكرة قبل سبع سنوات، يقول الرجل الستيني، عندما أخذ يرتب ويصنف مقتنياته بصورة منظمة ويعرضها بحسب قدمها وتاريخها الزمني فيعلق بعضها على الجدران ويرتب بعضها الآخر في خزائن زجاجية ويضع لبعضها إطارات جميلة ويخصص زاوية للنحاسيات وزاوية للزجاج وأخرى للعملات، كما يعرض العدة المتعلقة بكل كار على حدة مثل كار الفول وكار الحلاقة وكار المنجد وكار النجارة، مع الحرص على عدم تكرار القطعة المقتناة.
أكثر ما يعتز أبو محمد بامتلاكه هو سيف فرنسي عمره مئتان وخمسون عاماً وكيس سيروم فرنسي أيضاً عمره مئة وخمسون عاماً، وسماور يعمل على الفحم لصنع الشاي بطريقة الخمير والفطير، عليه نقوش وأختام وعمره مئة عام، إضافة الى صينيتين من النحاس المنقوش بطريقة يدوية. ولم ينس أن يصنف أنواع الأكلات الشامية المسماة حواضر مثل المكدوس واللبنة والمسبحة وأنواع المربيات والجبنة والزيتون الأخضر والاسود، إضافة إلى الأعشاب والزهورات، ويعرض نماذج مصنعة على شاكلتها في خزانة خاصة تسمى «النملية».
يطمح أبو محمد طباخة الى شراء بيت عربي ذي مساحة واسعة ليعرض فيه مقتنياته التي ضاق بها المكان، خاصة أنه لا يستطيع التوقف عن البحث الدؤوب لشراء كل ما يلفت نظره وتقع عليه عيناه من أنتيكات في أماكن مختلفة من دمشق القديمة مثل سوق ساروجة وسوق مدحت باشا وسوق الهال القديم والسويقة مشيرا إلى أنه خصص في متحفه غرفة صغيرة لعمليات التصليح التي يقوم بها بنفسه.
ويتمنى أن يعثر على الكاميرا الخشبية ثلاثية الأرجل التي كانت تقف قديماً عند القصر العدلي في المرجة ويدخل صاحبها رأسه بداخلها لتحميض الصور بعد التقاطها. كما يأمل في العثور على آلة جلخ السكاكين التي كان يحملها صاحبها على ظهره ويتجول بها بين الحارات.
أما مشروعه المستقبلي فهو تخصيص مكان في متحفه الخاص لعرض نماذج من اللباس الريفي الدمشقي، للرجال والنساء والأطفال، فكل منطقة في ريف دمشق ذات زي خاص بها، من داريا إلى المزة الى برزة الى دوما. وهو يبحث عن هذه الأزياء حالياً متمنياً أن يعود الناس في بلادنا الى اللباس الفولكلوري القديم بما فيه الطربوش.
يدعو أبو محمد وزارتي الثقافة والسياحة إلى زيارة متحفه الصغير كنوع من التشجيع على حفظ هذا التراث الذي يعتبره ثروة وطنية، ويأمل في الحصول على جناح في سوق المهن اليدوية في التكية، وفي نيل شهادة تكريم كمكافأة له وحافز للاستمرار في عمله الذي يحبه، وفي الحفاظ على كنزه الثمين الذي لا يفرط فيه ويرفض بيع أي قطعة منه مهما دفعوا له فكل واحدة منها غالية على قلبه.
كما يدعو الناس الى مزيد من الاهتمام بالتراث، ويشعر بالسعادة عندما يأتي الناس لزيارة متحفه والاطلاع على مقتنياته النادرة، موضحاً أنه يأتي اليه يومياً فينظفه بنفسه ويجري تعديلات على الديكور وطريقة عرض المقتنيات، مشيراً إلى أن عروقه تتغذى بالتعامل مع كل قطعة فيه حتى أنه يشعر بأن هذه القطع تكلمه ويكلمها.
يطلب أبو محمد إلى الجهات المعنية إنشاء محطة تلفزيونية مخصصة للتراث لتعريف الناس بكل ما هو قديم في مختلف المجالات وعرض مسلسلات الأبيض والأسود وأغاني أيام زمان كي لا تضيع ذاكرتنا القديمة.
في أمسية كل يوم سبت يحوّل أبو محمد هذا المكان الأثري الجميل إلى مضافة لمن يشاء من الأصحاب والأصدقاء ومحبي التراث، فيستمعون الى أغاني الطرب الدمشقي يرافقها عزف على آلة العود. كما يستضيف في بعض المناسبات الموالد وفرق الإنشاد الديني.