أيّ رئيس جمهورية يَستحق أن يُنتخب؟

أسامة العرب

كثرت في الآونة الأخيرة وفي ظلّ غياب طويل جداً لوجود رئيس جمهورية للبنان، إشكالية مَن ينتخب الرئيس؟ المسلمون أم المسيحيون؟ وكأنّ هنالك خلافاً بين ما يريده هؤلاء وأولئك، مما يجعلنا نستنبط وجود تشكيك في وجود لبنان الوطن لجميع أبنائه!

فإذا كان ما يريده المسلم مغايراً لما يريده المسيحي، فهذا حكم إعدام للبنان. ذلك أنّ الحديث عن مسلم ومسيحي معناه إلغاء لما يسمّى مواطنة، وبالتالي وطن، في حين أننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى تعميم لبنان النموذج الحضاري الراقي للعيش الإسلامي المسيحي الواحد في الشرق الأوسط، وذلك لمحاربة الفكر الإرهابي العنصري التكفيري، بشقّيه الصهيوني وذلك الذي يلوي لسانه بالدين، والدين منه براء.

فلبنان الذي يرتكز على قواعد الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والمحبة والتراحم والعدالة والانفتاح والصدق والأمانة والإحسان والخير، لا يمكن أن تختلف وجهات نظره حول شخص الرئيس. ذلك أنّ المسلم كالمسيحي، لا يرضى بأن تُهدر حقوقه في وطنه، فلا يرضى برئيس لا يعرف قيمة المعادلة الذهبية التي حرّرت جنوب لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي»، وأطلقت سراح مواطنيه المعتقلين في سجون التعذيب الصهيونية، وحمته من التهديدات والانتهاكات اليومية «الإسرائيلية»، براً وجواً وبحراً. وفي المقابل فإنّ المسيحي كما المسلم لا يرضى برئيس لا يعرف كم يُشكل الإرهاب التكفيري من هواجس مخيفة له لجهة ما يتعرّض له سائر أشقائه المسيحيين في الشرق الأوسط من اضطهاد وتنكيل وتعذيب، بغية طردهم وتهجيرهم من أوطانهم.

مشكلتنا في لبنان أننا نُساق عبثاً إلى أن نعيش الدين، لا رسالة قيم سامية جامعة، وإنما عصبيات متنافرة متصادمة فحسب. وما يُقال عن الدين يُقال عن المذاهب ضمن الدين الواحد، بل جعلنا من المذاهب عصبيات عمياء متناحرة.

ولذلك عندما نُسأل جميعاً أيّ رئيس نريد لوطننا الواحد، فهنا يكون جوابنا التلاقي على ما فيه الخير الجامع لكلّ المواطنين اللبنانيين، للتلاقي على ما يضمن أمن لبنان واستقراره وتطلعاته، ولكن ليس من منطلقات فئوية، وإنما من منطلقات وطنية وقومية مسؤولة.

فنحن نرى في عروبة لبنان أواصر قومية ذات أبعاد هامة، ونترجم هذه القومية باحترام تعدّدية الفئات والمشارب، وبصيانة الحريات العامة والخاصة على قواعد العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان كافة، والالتزام بالديمقراطية والتوافق الذي يُمليه واقع التعدّدية، وبالالتزام بخط الدفاع عن أمن لبنان وحريته في مواجهة الأطماع الصهيونية، وذلك بأمانة تامة تترجم في سياسة الدولة وتوجهاتها وعلاقاتها مع أشقائها العرب والمسلمين.

وعروبة لبنان تعني بالتأكيد الالتزام بقضية فلسطين باعتبارها قضية العرب، وبإقامة أفضل العلاقات مع الأقطار العربية والإسلامية كلّها، لا سيما الشقيقة الأقرب سورية. ولذلك لا يمكن أن نقبل برئيس لا يعيد بناء أفضل العلاقات مع أشقائه العرب كافة على قاعدة التكافؤ والاحترام المتبادل لسيادة البلاد وإرادة شعوبهم الحرة.

وأخيراً، فإنّ لبنان بلد العيش المشترك، بقاؤه رهن بالوحدة الوطنية بين أبنائه، أما حديث البعض عن «أسلمة» لبنان والشرق الأوسط، فهذا هراء، وهو غير بريء ويُراد منه إضرام الفتنة وتقويض الوحدة الوطنية، وبالتالي القضاء على لبنان والدول العربية مجتمعاً وأوطاناً ودولاً.

ولذلك، لا بدّ من محاربة الفكر التكفيري، بحكم الآية القرآنية الكريمة: «لا إكراه في الدين»، وقد عُرف تاريخ العرب بالانفتاح والتعايش البناء، وكان أبرز عباقرة هذا الفكر من المسيحيين. كذلك فلا بدّ من محاربة الفكر الصهيوني الذي يريد قلب الشرق الأوسط إلى معسكرين ليفرض علينا بلاءً متمادياً، لا بدّ من أن نواجهه ونتغلب عليه.

الرئيس الذي يريده كلّ لبناني حرّ، هو ذاك الرئيس الملتزم بسلوك السياسات والتوجّهات والاستراتيجيات التي تمليها العروبة حيال القضايا القومية العربية كافة، يقدّر ذهبية المعادلة الثلاثية التي حرّرت وطنه، وأطلقت سراح أبنائه من معتقلاتهم، وحافظت على هيبة دولته من الخروق والانتهاكات «الإسرائيلية» الجوية والبحرية والبرية اليومية. رئيساً وفياً لوطنه ولكلّ من يدافع عنه بدمائه ودماء أبنائه، رئيساً لا ينقض المواثيق، رئيساً يجعل لبناننا مدعاة فخر واعتزاز وعبرة، بل نموذجاً يُحتذى به للعيش الإسلامي المسيحي الواحد في الشرق الأوسط، بل في العالم كله.

محامٍ، نائب رئيس صندوق المهجّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى