نصرالله للحريري: طريقك إلى رئاسة الحكومة «واحدة»…

روزانا رمّال

انتهت ولاية مجلس النواب الحالي في حزيران عام 2013، أيّ قبل عشرة أشهر من انتهاء مدة ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار 2014، لكن لم تحصل الانتخابات النيابية، فطرحت أسئلة كبرى عن سبب التعطيل والذهاب إلى اختيار التمديد بديلاً، فلماذا عُطلت الانتخابات النيابية عام 2013؟ بالرغم من أنّ الحكومة وقتها وصلت إلى لحظة كان يجب فيها أن تدعو الهيئات الناخبة وتقرّر إجراء الانتخابات وفق قانون «الستين»، ايّ القانون القديم، وكان حزب الله مستعداً للقبول به.

لماذا رفض الحريري حينها وقال لن أشارك في هذه الانتخابات، فما كان من الرئيس بري إلا أن رفض هو الآخر المشاركة فيها من دون مكوّن سني أساسي مثل «المستقبل»، فتحصل فتنة سنية ــــ شيعية؟

الذي عطل الانتخابات الرئاسية هو تعطيل انبثاق «المجلس النيابي الجديد»، ولو تمّت الانتخابات النيابية لكان إجبارياً أن تتمّ الانتخابات الرئاسية. والفراغ الناتج عن عدم قبول المقاومة وحلفائها التمديد لميشال سليمان على غرار التمديد للمجلس النيابي، كما كان مقرّراً، وقد شهدت البلاد حينها حركة داخلية وإقليمية ناشطة للرئيس سليمان في هذا الإطار، ولو كان تمّ انتخاب مجلس نواب، لم يكن احد قادراً حتى على طرح فكرة التمديد للرئيس سليمان من الأساس.

التمديد للمجلس النيابي في ظرف لم يكن هناك ايّ خطر أمني في البلاد كما أشيع، ولم يكن إلا قراراً سياسياً تمثل بعقوبة حزب الله الذي كان يقاتل في سورية، لكن الأهمّ معرفة أسباب عدم تقدّم الحريري نحو القبول بانتخابات نيابية وفق القانون القديم، والذي يشكل ضمانة أكثر، وهي معرفة الحريري أنّ إجراء انتخابات نيابية في ظلّ وجود الرئيس نجيب ميقاتي سيعطي لميقاتي فرصة الفوز بمقاعد إضافية لكونه رئيساً للحكومة، فالناس تنتخب وفق مهابة الرئيس الحاضر أيضاً، هذه إحدى مآثر الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي لم يكن يفضل إجراء انتخابات وهو خارج السلطة، وبالتالي فإنّ رفض سعد الحريري إجراء انتخابات وهو خارج السلطة بات مفهوماً، فهو كان يعرف انه لو جرت لكانت خسارته مؤكدة لعدد من المقاعد، ولظهر ميقاتي زعيماً متمكناً من قاعدته التي ستعطيه مقاعد إضافية في طرابلس والشمال.

يسعى الحريري المتنقل بين فرنسا والسعودية إلى إجراء انتخابات نيابية وهو على رأس السلطة الحكومية، فهو هكذا سيضمن بمهابة كرسي رئاسة الوزراء استعادة جزء من شعبيته المتشرذمة والتي تقلّصت إلى حدّ كبير بات يهدّد زعامته.

وجد الحريري طريقه إلى رئاسة الوزراء معبّدة بوصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة، فكان أن لوّح بالأفق ترشيحه إياه من فرنسا باعثاً أجواء من الجدية من جهة ومن اللاجدية في نواحٍ أخرى، فهذا الترشيح الذي لم يبصر النور رسمياً أعقبه اتصال من الرئيس الفرنسي دعماً وإشادة بالجهود.

الحديث عن ترشيح فرنجية حينها رافقته معلومات تتحدّث عن موافقة سعودية على ترشيحه في مقابل رفع فيتو سعودي على العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر عموماً، وهو ما فسّر أنّ دعم عون هو دعم لحزب الله الذي مثل رأس حربة لقلب الموازين العسكرية في سورية ضدّ السعودية وحلفائها، وتغيير نتائج الميدان والحسابات معاً، وتصاعد دور حزب الله على خلفية انتصاراته في القصيْر في حزيران 2013 مشكلاً بدء المرحلة الجديدة.

إعلان جعجع دعمه ترشيح العماد عون جاء بتحوّل آخر، فقد أرخى مصالحة مسيحية من جهة، لكنه أرخى أجواء إرباك عند فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، فبقي انتظار موقف حزب الله سيّد المشهد، إلى أن أطلّ أمين عام الحزب السيّد حسن نصرالله أمس، واضعاً النقاط على الحروف بخطاب شامل فنّد فيه كلّ تفاصيل وأجواء الملف منذ الشغور الرئاسي إلى اليوم.

يعرف السيّد نصرالله أنه بقي أمام معادلة تقول إنّ هذا الطرف الذي تباكى على الرئاسة دُفع إلى الفراغ في البلاد، لأنه يريد تدفيع حزب الله ثمن المشاركة في سورية، والتعطيل على أمل أن يتغيّر الوضع، فقدّم شرحاً مطوّلاً أكد فيه أنّ حزبه غير مربك، و«أنّ الرهان على تحوّل إقليمي للمرة الألف لن يكون لصالحكم بل لصالحنا».

وبعد انتظار موقف الحزب من الترشيحين أكد السيد حسن نصرالله التزامه بترشيح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، معلناً «أنّ لدينا التزاماً أخلاقياً أخلاقياً، وأخلاقياً – سياسياً بدعمنا لترشيح العماد عون، وهذا ليس سرّاً بل هو علني وبعلم الحلفاء».

وقال إنّ «الحوار بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل سبق إعلان دعمنا لهذا الترشيح، وأيّدنا هذا الحوار لأننا نريد أن يكون هناك رئيس للجمهورية. ونؤيد أيّ حوار وتواصل وتفاهم، إذ إنّ لا طائفة قائدة ولا حزباً قائداً، وهذا البلد لا يسير إلا بالتفاهم والتوافق»، مؤكداً أنه حتى لو نزل النواب اليوم لانتخاب عون رئيساً فإنّ الأمر ليس بهذه السهولة، إذا كان مكوّن أساسي مثل المستقبل مقاطعاً، وهنا لفتة تعيد المشهد إلى السبب نفسه الذي جعل الرئيس بري غير قادر على خوض انتخابات نيابية من دون المستقبل.

وضع السيّد نصرالله الكلّ أمام الحقيقة، وأفسح المجال للحريري بالتفكير بعدم الاعتماد على الخارج، والأهمّ إيحاء السيّد نصرالله بعدم الاستعجال حتى أنه مستعدّ للاتهام بالتعطيل على أن يمرّ رئيس دون موافقة الأغلبية في البلاد على وصوله.

يدرك الحريري اليوم أنّ طريق وصوله إلى رئاسة الوزراء مرتبطة فقط بوصول عون إليها، ومن اليوم فصاعداً باتت الكرة في ملعبه… فليحدّد ويختَرْ مستقبله السياسي من دون رهانات، فكلمة السيدّ نصرالله بدت حاسمة وجازمة ونقطة على آخر السطر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى