تنسيق أمني مستمرّ… ولا حكومة وحدة وطنية في الأفق

راسم عبيدات

مع كلّ عدوان تقوم به «إسرائيل» على شعبنا الفلسطيني، وسقوط كل شهيد، واستمرار الاستيطان و«تغوّله» و«توحشه» وتواصل عمليات اقتحام المسجد الأقصى بشكل يومي واستفزازي، ومع انسداد الأفق السياسي، ورفض «إسرائيل» الوفاء بأيّ من التزاماتها في ما يتعلق بما يسمّى خريطة الطريق نحو العودة للمفاوضات، وفي ظلّ استمرار وتواصل الهبّة الشعبية التي دخلت شهرها الرابع، تتعالى الصيحات والمطالبات والمواقف من أجل وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال لكونه خدمة مجانية للاحتلال، ونقيض المقاومة والكفاح، وعندما يبلغ الغضب الشعبي والجماهيري والفصائلي أقصى مدياته، تقوم السلطة الفلسطينية بالبحث عن آليات لكيفية امتصاص الغضب الجماهيري، من أجل وقف حالة الاحتقان وتنفيسها، وكذلك وقف تآكل هيبتها ورصيدها في الشارع الفلسطيني، حيث بلغ هذا الغضب ذروته بقول الرئيس الفلسطيني بـ«أنّ التنسيق الأمني مقدّس»، في وقت كانت «إسرائيل» تستبيح فيه الضفة الغربية، على خلفية خطف وقتل ثلاثة مستوطنين من قبل حركة حماس في حزيران 2014، وليتصاعد عدوانها بشنّ عدوان بربري على قطاع غزة في تموز 2014. وعقب ذلك زادت «إسرائيل» وأمعنت في العنجهية والتطرف، ورفضت كلّ ما من شأنه أن يحفظ للطرف الفلسطيني ماء وجهه وتسمح له بالعودة للمفاوضات، مستغلة حالة الضعف والشرذمة الفلسطينية، وانهيار الحالة العربية الداخلة والمستدخلة في حروب «الأخوة الأعداء» والتدمير الذاتي والمذهبية والطائفية، واشتباك الحالة الدولية وتعطل إرادتها، وعدم قدرتها على فرض حلّ سياسي على «إسرائيل»، وتهديدات السلطة الفلسطينية بعدم العودة للمفاوضات والتهديد بوقف التنسيق الأمني، كلّ ذلك تحوّل لظاهرة صوتية، لم تعد «إسرائيل» تخشاها أو تخاف تنفيذها لكثرة ما جرى التهديد بها، وفي كلّ مرة «يتمخّض الجبل ليلد فأراً» وتعود السلطة إلى تجريب المجرّب في دورة من المفاوضات الماراثونية العبثية غير المجدية، والتي لا نحصد فيها سوى صفر ومزيد من قضم وضمّ الأراضي الفلسطينية وتغيير الواقع والوقائع والحقائق على الأرض، بسبب فقدان الإرادة السياسية وغياب الرؤية والاستراتيجية الموحدتين واستمرار الانقسام والمناكفات وتغليب المصالح الفئوية والخاصة على المصالح العليا للشعب الفلسطيني، مع صراع تستخدم فيه عبارات التخوين والتكفير والتفريط والارتباط والخضوع لأجندات واملاءات ومشاريع خارجية على سلطة لا تغني ولا تسمن من جوع ودسمها منزوع.

ودعت السلطة الى جلسة للمجلس المركزي في آذار 2015، حيث اتخذ قرار بوقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، ولكن لم يجر التقيّد بهذا القرار، بل جرى التهرّب من تنفيذه، كأنه للتهديد وليس للتطبيق، والجماهير والفصائل كانت تلحّ على تطبيقه، ولكن الرئيس في أكثر من خطاب كان يقول بأننا لن نلتزم باتفاقيات لا تلتزم بها «إسرائيل»، ولكنه لم يتطرّق في أيّ من خطاباته لحلّ السلطة أو تعطيل أجزاء من اتفاق اوسلو بشكل موقت أو دائم كالتنسيق الأمني، وكان يترك الباب موارباً، فقرار المجلس المركزي رفع للجنة التنفيذية لكي تتخذ ما تراه مناسباً، واللجنة التنفيذية طالبت بإعادة مراجعة الاتفاقيات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، وتشكلت لجنة لدراسة تطبيق ذلك، ولكن لم يجر وضع آليات لكيفية التنفيذ، وبدلاً من أن يشهد التنسيق الأمني تراجعاً، وجدنا أنه يحافظ على مستواه، بل يتوسع ويزداد.

مع قيام الهبّة الشعبية في 13 تشرين الأول الماضي، تصاعدت الدعوات والمواقف والمطالبات الشعبية والحزبية والفصائلية الداعية الى وقف التنسيق الأمني، واحترام وتطبيق قرار المجلس المركزي والإرادة الشعبية، حيث الاحتلال يوسع عدوانه على شعبنا ويوغل في الدم الفلسطيني، وسياسات الإعدامات الميدانية بدت ظاهرة بشكل كبير وواضح، كذلك هي العقوبات الجماعية بهدم بيوت أهالي الشهداء وحتى الأسرى، وسحب الإقامات والطرد والترحيل القسري الى خارج مدينة القدس، واستمرار احتجاز جثامين شهداء القدس لمدة زادت عن مئة وعشرة أيام للبعض منهم.

الجماهير الشعبية والفصائل والقوى التي كانت ترى بأن العدوان على شعبنا بطريقة همجية ووحشية، يتطلب وقف التنسيق الأمني، ولكن كانت الصدمة، عندما اكتشف هؤلاء بأن «التنسيق الأمني مقدس»، كما قال الرئيس عباس، ولم يتوقف في يوم من الأيام، وكنا نشكك في المصادر «الإسرائيلية» عندما كانت تتحدّث عن استمراره وتواصله وتصاعده، بأنها تهدف للتشكيك في السلطة والنيل من هيبتها ومواقفها، ولكن جاءت تصريحات مسؤول المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، لكي تقول بشكل واضح

إنّ التنسيق الأمني لم يتوقف لحظة واحدة، وهو الذي قال في مقابلة أجرتها معه مراسلة الشؤون الأمنية والعسكرية في مجلة «ديفنس نيوز»، بأنّ التنسيق الأمني مع «إسرائيل» لم يتوقف، مقدّماً جردة حساب أمني، من خلال تأكيده منجزات أجهزته التي تمكنت من إحباط 200 هجوم ضدّ «الإسرائيليين» واعتقلت 100 فلسطيني على الأقل، على خلفية مقاومتهم الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، منذ اندلاع الانتفاضة الثالثة. وأضاف فرج: «أنّ التنسيق الأمني مع «إسرائيل» يمثل الجسر الذي يمكن أن يُبقي على حضور الظروف الملائمة لكلي الطرفين، الى أن تتهيأ الظروف المناسبة بين السياسيين نحو العودة الى مفاوضات جادة».

وأكد الرئيس عباس في لقائه مع وسائل الإعلام العربية والفلسطينية في رام الله، على ما قاله فرج، وشكل مظلة حماية له، عندما قال بأنّ ما تقوم به أجهزة الأمن الفلسطينية، يتمّ بأمر منه، وهو يريد منع الفلسطينيين في حروب لا قدرة لهم عليها، وأنّ الأجهزة الأمنية تقوم بحماية الفلسطينيين والبلد.

وفي هذا الإطار تحدّثت العديد من المصادر عن لقاء عقد الأربعاء الفائت في الشطر الغربي من مدينة القدس لمدة ساعتين بين رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ورئيسي جهازي الأمن الوقائي والمخابرات في الضفة الغربية زياد هب الريح وماجد فرج، واللقاء تمحور حول إعادة الوضع الى ما قبل هبّة 13 تشرين 2015 مقابل تقديم تسهيلات حياتية واقتصادية للفلسطينيين، وخلق ظروف ملائمة بالعودة للمفاوضات من جديد.

هذه اللقاءات والتصريحات سواء للرئيس عباس أو لقادة الأجهزة الأمنية، ليست فقط تجاوزاً لقرارات الهيئات الرسمية من مجلس مركزي ولجنة تنفيذية، وللإرادة السياسية والشعبية، بل تجعل أي حديث عن قرارات جديدة لمثل هذه الهيئات، مثار سخرية و«تنكيت» و«تندّر» في الشارع الفلسطيني.

ولذلك، فإنّ ما يجري الحديث عنه من لقاءات في الدوحة برعاية قطرية ومباركة مصرية وسعودية بين فتح وحماس من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، تمثل فيها فتح وحماس مناصفة في الوزراء، ومناصفة بالعضوية في المجلس الوطني، وبمشاركة بقية الفصائل، على أن تسيطر حكومة الوحدة الوطنية على جميع الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والإشراف على دمج وتوحيد المؤسسات والوزارات والإشراف على المعبر وفتح معبر رفح البري، والتحضير لانتخابات عامة تجرى خلال ثلاثة أشهر الخ. على ان يقوم الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل بالتوقيع عليها في الدوحة، لا أعتقد بأنّ هذا الاتفاق سيُكتب له النجاح، فاتفاقيات «المحاصصة» جرت أكثر من مرة وفي أكثر من عاصمة عربية، وآخرها اتفاق الشاطئ في غزة، وجميعها فشلت، حيث كلّ طرف له أجندته ورؤيته الخاصة، ولا وجود لإرادة سياسية أو توافق بين الطرفين، ولعلّ ما يجري من استمرار للتنسيق الأمني بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية سيصعب من أيّ ترجمة لمثل هذا الاتفاق على الأرض.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى