مشهدية الصدق الوفاء في تشبيك تحالف الأقوياء… السيّد نصرلله نموذجاً
سلمان إسماعيل
لا مبالغة في القول إنَّ وفاء حزب الله وصدق خطابه ومواقفه من أبرز عناصر قوته على الإطلاق، ومن يعيش الهمَّ الإسلامي وواقع التيارات والأحزاب الإسلامية في العالم العربي والإسلامي يدرك أهمية هذه القيم المتجلية ببعد مضاف عند حزب الله يلاحظ حجم التدليس والكذب والمسلكيات السلطوية الفاشية كلّها، وربما الدموية، التي تنتهجها أغلب التيارات والأحزاب الإسلامية.
يعتقد البعض أنّ قيم الصدق والوفاء بارزة عند حزب الله في التعاطي مع الحلفاء على خلفية التزامه مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في معركة رئاسة الجمهورية، كردّ لجميل وقوفه مع المقاومة في حرب تمُّوز في العام 2006، والحال أنّ هذه القيم وغيرها بارزة عند الحزب ككيان وقياداته كأشخاص ومنتسبيه كأعضاء وهياكل تنظيمية ومؤسسات لكلّ شخص أو جهة كان لها دور في دعم وإسناد المقاومة، ولكلّ عنصر صغير أو كبير داخل البيت المقاوم من شهداء وجرحى ومحازبين وبيئة حاضنة، بحيث إنّ جعل الحزب هيئات مؤسسات لرعاية ودعم هؤلاء وضمان مستقبلهم كمؤسسة الشهيد ومؤسسة جرحى المقاومة، بخلاف الإهمال الذي تعيشه بعض الأحزاب الإسلامية تجاه منتسبيها أو من قدّموا لها خدمات وتضحيات أوصلتهم إلى العجز والفاقة، فقوبلت من هذه التيارات بالإهمال والإنكار.
ويتجلى المشهد القيمي الداخلي لحزب الله أكثر فأكثر على مستوى القيادات في تفوّق حالة الصدق والوفاء، إلى حدّ إنكار الذات أمام الرعيل الأول من قياديّي حزب الله الذين استشهدوا… ولا يحتاج المتابع ليعرف هذه الحالة الفريدة إلاَّ أن يرى مستوى إنكار الذات الذي يعيشه السيد حسن نصرالله وهو في أقصى نجوميته وألقه كأمين عام لحزب الله حين يتكلم عن الأمين العام السابق الشهيد السيد عباس الموسوي، فيصفه بالمعلم له والمربّي والأستاذ والقدوة، مع أنّ في إمكان السيّد نصرالله أن يعيش أبَّهة النجومية، فيما السيد عباس الموسوي مستشهد ولم يلحق بالإنجازات التي حققها السيد نصرالله من تحرير للأرض في العام 2000 وانتصار تموز في العام 2006.
يتجلى إنكار الذات أكثر فأكثر، حين يتكلم السيد نصرالله عن القائد الجهادي الكبير الشهيد عماد مغنية، فيصفه بقائد الانتصارَيْن تحرير 2000 وانتصار 2006 لينزع عن نفسه صفة كان يطلقها الناس عليه ويلبسها لرجل لا يعرف الناس عن موقعه وإنجازاته في المقاومة أيّ شيء قبل استشهاده، ولو كان مغنية في حزب غير حزب الله، لَتمَّ نهبُ تراثه ونُسبت إنجازاته كلها لغيره من القيادات، كما هو حال الصراعات الموجودة في معظم الأحزاب العربية والإسلامية على خلفية ادّعاء الإنجازات والتكالب على المواقع القيادية والمكاسب السلطوية والدنيوية.
في ظني: مَن أراد أن يثمِّنَ عالياً القيمة الأخلاقية لالتزام حزب الله بترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية على أساس مبادلة الوفاء بالوفاء والالتزام بالثوابت الوطنية المشتركة، فعليه أن ينظر إلى القيمة العميقة للوفاء والصدق وغيرها من الصفات التي تتحلّى بها قيادة المقاومة وكوادرها والقطاع العريض من جمهورها ودورها في بناء منظومة أسطورية لحزب يتجدّد في الزمن بسبب هذه القيم ومفاعليها السحرية على أبنائه وبيئته الحاضنة وعلى حلفائه ومَن يشترك معه في المصير والهدف.
ومَن لا يدرس هذه القيم في مدرسة حزب الله، كامتداد تاريخي لإنجازاته وحضوره المحلي والإقليمي، هو غير قادر على فهم طريقة نسجه للتحالفات وأسس تعامله الأخلاقي والقيمي مع من يتحالف معهم.
وإذا كان لكلام السيد الأخير عن الالتزام الأخلاقي تجاه ترشيح عون للرئاسة صدىً عند كلّ حلفائه، وليس عند عون وحده، فإنّ هذا الصدى يمكن أن يؤسّس لعلاقة قيمية يربح فيها كلّ الحلف بقواعده وجماهيره على خصوصية بعضها، وخصوصاً في الجانب المسيحي ذي الطابع الرسولي الوجداني الذي يقدّر هذه القيمة الأخلاقية في السياسة، ولتكون بداية التحوّل الجذري على مستوى الخيارات والانحيازات لمحور المقاومة من البعد الأخلاقي والقيمي، وتسهيل المهمة على اختيار المرشح الذي يلي عون ليكون فرنجية في ظلّ التفاهم الأخلاقي القائم بين كلّ مكوّنات الحلف، وبما يمنع الاستثمار في الترشيحات المفخخة من الطرف المضادّ.
وهذا البعد القيمي الذي يحاول السيد نصرالله أن يؤسّسه في التحالف يمكن أن يشيع أجواء احترام ومصداقية عند الخصوم، كما هو الانطباع والغبطة التي أبداها سمير جعجع تجاه عون بحسب الأخبار على وفاء السيد والتزامه تجاهه في ملف الرئاسة في مقابل تنكّر حلفائه له، وإذا ما أثَّر هذا البعد القيمي على القيادات، فتأثيره على القواعد أكبر وأوضح وأكثر ثباتاً ورسوخاً… فهل تفعل الأخلاق في السياسة ما عجزت عنه المصالح الضيقة؟!
كاتب وناشط سياسي بحريني
المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية