«جنيف 3»: توليفة متعارضات

وليد زيتوني

أصبح واضحاً أنّ الوفد الرسمي السوري إلى جنيف، سيواجه ولو بطريقة غير مباشرة مجموعة كبيرة من المتعارضات التي لا تحمل مشروعاً موحداً ولا برنامجاً موحداً، ولا حتى منهجاً أو رؤية موحدة في الأهداف والوسائل الممكنة. فما يسمّى معارضة سورية عملياً هي مروحة واسعة من المعارضات، منها ما يمثل مصالح ومخططات خارجية بحتة، ومنها ما يحمل أهدافاً مناطقية أو شخصانية أو طائفية أو عشائرية أو حتى اتنية، كما هو الواقع مع التركمان أو بعض الشرائح الكردية.

لنعود قليلاً إلى المشروع الأساس الذي يظلّل كلّ هذه المعارضات وهو المشروع الأميركي. هذا المشروع الهادف إلى تدمير سورية عمل على أساس منهجي لتقسيم المعارضة إلى قوتين رئيسيتين. قوة تدميرية مهمّتها القضاء على البنى العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وترجمت الولايات المتحدة مع القوى الإقليمية بدافع العداء أو الحقد أو المصالح بتشكيل قوى ليس لها مثيل في التاريخ، على شاكلة القاعدة ومشتقاتها من «جبهة نصرة» و«داعش» و«جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، تنتهي مهمّتها باستعراض ميداني، تقوم به أميركا وحلفاؤها في المنطقة تحت عنوان محاربة الإرهاب. وهذا ما يفسّر إنشاء التحالف الدولي، وبالتالي عدم محاربة هذا الإرهاب للقوى الإرهابية بشكل جدي ما دامت الحاجة ملحة لبقائها، بل وفي مرات عديدة دعمت هذه القوى بالسلاح والعتاد والمعدات والتدريب والأموال والعديد بمن فيهم المرتزقة من أنحاء العالم كافة. هذه القوى هي الموجودة فعلياً على الأرض، ولها الكلمة الفصل في إشعال الجبهات، وطبعاً هي في حالة صراع دائم بينها تبعاً لمصالح المكلّف بتعبئتها وتجهيزها وتمويلها. هذه القوى بمعظمها أو على الأقلّ بأكثريتها غير ممثلة في جنيف. هنا يُطرح سؤال أساس في ما يتعلق بالهدف من مؤتمر يدعو في رأس أهدافه إلى وقف إطلاق النار. مَن يقرّر عن هؤلاء؟

السؤال السابق يُحيلنا إلى القسم الآخر من المعارضات، حسب المشروع الأميركي، وما يسمّيه الأميركي المعارضة المعتدلة وهو بيت القصيد من الخلاف على اللوائح الممثلة للمعارضة. خلاف بين الوفد الرسمي السوري والدول الحليفة من جهة وبين الدول الداعمة للإرهاب من جهة أخرى. وخلاف بين الدول الداعمة للإرهاب نفسها، وخلاف بين المتعارضات أيضاً.

كان لمؤتمر جنيف، حسب التقويم الأميركي أن يأتي بعد إنهاك كامل للدولة السورية على الصعد كافة، بما فيها الجيش السوري، عندها فقط تصبح المعارضة المعتدلة، حسب التعريف الأميركي، مجموعة من العملاء تنفذ الإملاءات والشروط المطلوبة لجعل سورية دولة خاضعة وتابعة للسياسة الأميركية.

غير أنّ الواقع الميداني أسقط هذه المناورة الكبرى. الجيش السوري بمؤازرة حزب الله ونسور الزوبعة والدفاع الوطني، وبدعم من روسيا عبر الطيران أو تعزيز الجيش بأسلحة وتقنيات جديدة قد قلب موازين القوى واستعاد المبادرة الاستراتيجية على الجبهات كافة سواء في ريف اللاذقية الشمالي وصولاً إلى حدود إقليم الاسكندرون السليب، أو في حلب وريفها، كما في الغوطة والمنطقة الوسطى، بالإضافة إلى الجبهة الجنوبية في الشيخ مسكين وطريق نوى.

إنّ الإنجازات التي حققها هذا الجيش أعادت خلط أوراق مؤتمر جنيف، وهو ما أدّى إلى فوضى عارمة لتحديد مَن هي القوى الأساسية المنفذة لهذا المشروع، والقوى الرديفة القابعة في فنادق الرياض وتركيا وفرنسا وكامل أوروبا والتي كانت مولجة أساساً بتسلّم الدفة السياسية، في ما لو نجح هذا المشروع.

وعليه فإنّ مؤتمر جنيف، حسب التقويم الأميركي، قد ذهب إلى غير رجعة، وربما نستطيع القول إنّ أميركا قد فشلت في أهدافها من هذا المؤتمر فشلاً ذريعاً قبل أن يبدأ، بل سيخرج الوفد السوري منتصراً بشكل كامل.

فهل ستلجأ الولايات المتحدة إلى تمديد مدة المباحثات عبر الأمم المتحدة إلى ما يزيد عن ستة أشهر كما هو مقرّر الآن؟ بغية إعادة زجّ قدرات وقوى جديدة، أو على الأقلّ تنشيط قوى التدمير بضخ أجسادها المهترئة بالعدّة والعديد، أملاً في تغيير الواقع الميداني؟

إن الأيام المقبلة ستحكم على حركة أميركا، كما ستحكم على قدرتنا وإرادتنا في صدّ هذه الحركة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى