لا وقت لـ«خلطة» الحرب والسياسة

د. حسام الدين خلاصي

منذ بداية «الربيع العربي» والبعض يتنبّه وينبّه ويشعر بأنّ في الأمر لعبة أكبر من حرية وديمقراطية وتغيير أنظمة.

منذ بداية «الربيع العربي» هم أنفسهم مخططو هذا المسار اللاعنفي ومن ثم العنفي لفتوا الانتباه إلى أن هذا «الربيع» يشبه انفجارات 11 أيلول كي يُتخذ ذريعة للعودة إلى المنطقة، وكان لفت الانتباه هذا يتجلى في سذاجة العرب الذين انطلت عليهم اللعبة وصدقوا أنّ ساعة الحرية دقت، فاندفعت الحشود إلى شوارعها غير آبهة لما دبّر لها من تقسيم وتفكيك.

خير وسيلة للعب على المشاعر تمثل في نظرية الفعل وردّ الفعل المتوقع، واعتماد المخططين على معرفة مسبقة ببنية العقل العربي والإسلامي، وكان ما كان وحصل ما هو متوقع ومدروس بدقة وعناية فائقتين، وكرّت السبحة دولةً دولة وبلداً بلداً، من تونس إلى سورية، وكانت سورية البلد العقدة التي انحرف فيها المسار والسياق الزمني للمخطط عن ماهيته المسبقة، فبعد ثلاث سنوات ونيّف من الصبر والصمود انتفضت سورية على المخطط عبر جيش عربي «عقائدي» باقتدار «العقائدية» هنا بمعنى: لا استسلام… إما النصر أو النصر ، فلما أصاب الملل تلك الوحوش البرية المستوردة والمحلية، ودبّ الرعب في قلوبها وقلوب مخططيها من أنّ المخطط سيوقفه الجيش العربي السوري الذي أغلق الحدود مع لبنان، ونسّق مع العراق الشقيق، كان لا بدّ من استدعاء وحشد أولئك الغيلان والتتار من بقاع الأرض كافة لنصرة «دولة خلافة إسلامية» مزعومة على أعتاب «داعش»، ومن الطبيعي أن يكون أساس هذه الخلافة بعض العشائر المنتشرة جغرافياً بين سورية والعراق والمستمدّة امتدادها وتمويلها من السعودية وقطر بصورة رئيسية وحكام الخليج الآخرين.

في الوقت نفسه أفلح الجيش العربي السوري في دحر هذه العصابات عن مراكز المدن الرئيسية والحيوية، لأنّ دورها المخطط له، أن تقضي على كيان الدولة السورية، ومن ثم تنضمّ إلى الكتلة الأكبر في العراق. لكن صمود الجيش والشعب السوريين دفعها إلى اللجوء إلى العراق لتكون هناك أرض المعركة أو منطلقها. بمعنى آخر، فرّوا من سورية في اتجاه العراق، فالعراق بخلفيته التي خاضت حروباً وتعرّضت للاعتداءات الأميركية هو الأكثر تأهيلاً بعد سورية ليكون مركز إعلان «الخلافة الإسلامية» على يد أبو بكر البغدادي الشخصية الخرافية الأميركية الجديدة ومنذ لحظة الإعلان بدأت النوايا الخبيثة لمنظمي «الربيع العربي» تظهر جلية… من تقسيم العراق إلى سرقة النفط ووضع اليد على المواقع النفطية المهمّة في كلا البلدين سورية والعراق، ومن ثم دعوة كلّ من يطيب له الجهاد المقدس لإنهاك محور المقاومة ايران سورية حزب الله وبين قوسين روسيا التي تنشغل على نحو متوقع بالوضع الأوكراني وباتت أقلّ حضوراً سياسياً في المنطقة، وبات الصراع المتحدث عنه سنياً شيعياً.

إنّ السعي الحثيث لجماعة «الخلافة» ورويداً رويداً للتصعيد ضدّ إيران يتلقى إنذارات إيرانية موجهة نحو الولايات المتحدة الأميركية في قضية النووي، وبالتالي إلهاءات متصاعدة لدول محور المقاومة، وأهمّ ما فيها إبعاد ايران وروسيا عن شرق المتوسط.

من هذا الواقع تبدأ «إسرائيل» استعراض العضلات في غزة وتقصف وترعد وتزبد فوق سماء وأرض تقتل فيها الأبرياء بلا مبرّر، على خلفية قصص مختلقة من خطف مستوطنين… وأرى أنّ في الفعل «الإسرائيلي» اعتراف ربما بانقضاء المشروع في غير مصلحتها إذ مدّت رأسها تريد أن تحصّل مكسباً برياً في قطاع غزة، أو في القضاء على الفصائل المقاومة المتبقية قبل انقضاء المهلة الأميركية. ومكسب الدولة الكردية هو مكسب صهيوني في نهاية المطاف أيضاً، لذا عجّلت الدولة الكردية في طرح موضوع الاستفتاء على طريقة القرم الروسي استبعاد لروسيا ودخول استثمارات نفطية أميركية وصهيونية إلى المنطقة بوضوح.

يبقى لسورية عنصر الاستمرار في تحقيق السيادة على أراضيها سواء ضدّ المتأسلمين أو أولئك الذين يتمنون اقتطاع جزء من سورية، وهو مشوار مطوّل وقاس ومرتبط بالصحوة الروسية الإيرانية السريعة للمنطقة، وعدم الانتظار واعتماد نظرية الانقضاض العسكري بدلاً من المجادلة السياسية، لأنّ «إسرائيل» ماضية في التقسيم في مصر وليبيا والسودان والعراق…

دفعت سورية حصتها من الصمود والتقدم في صدّ التكفيريين على أراضيها، وانتبه الشعب السوري إلى قدرته على إحباط المشروع، وبقي على العراق أن يقول كلمته، ومثلما كان وفياً معنا سنكون معه، وعلى الروس والإيرانيين أن يتنبّهوا إلى الوضع العراقي ومدّه بعناصر القوة سريعاً، فالعراق ليس سورية، من بلد منهك بالحروب إلى بلد مستعدّ للحرب.

لم يعد هناك نفع للسياسة. إنه زمن الحرب، لكننا إلى النصر أقرب.

رئيس الأمانة العامة للثوابت الوطنية سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى