الفشل هو قدر البرزاني!

مصطفى حكمت العراقي

لم يعد خافياً على أحد حجم التورّط الكبير لمسعود البرزاني وحزبه في ما يجري في العراق من أزمات، وبالأخص مؤامرة سقوط الموصل قبل أكثر من عام حيث قال البرزاني مباشرة بعد سقوط المحافظة إنّ ما قبل هذا التاريخ يختلف عما بعده، كما اعتبر أنّ الحدود رسمت بالدم على حدّ قوله، فقد تعدّدت الروايات والمصادر التي كشفت ما حصل من لقاءات في أربيل واسطنبول بين قيادات كردية مدعومة من البرزاني مع بعض شيوخ العشائر وبعض قيادات النظام السابق للوصول الى نتيجة مفادها إسقاط المحافظات تباعاً حتى الوصول الى بغداد وإسقاطها كما هو معلن في العديد من المنابر في ذلك الوقت، وبعد كلّ ما حدث من تداعيات تمّ إجراء تحقيق برلماني في أسباب سقوط الموصل وكشفت وثيقة سرية تبيّن إصدار أمر من مسعود البرزاني للبيشمركة يطلب فيها عدم التعرّض لقتال عصابات «داعش» بدعوى أنها لا تستهدف الكرد، وهو ما يؤكد وجود اتفاق مسبق بين الطرفين الى أن خرقت «داعش» الاتفاق وهاجمت البيشمركة وجاءت الطائرات الأميركية لتحمي أربيل قبل بغداد كذلك استمرار الأكراد ببيع النفط خارج اطار الحكومة الاتحادية حيث كشفت العديد من الوثائق التي وصول النفط العراقي الى «إسرائيل» عبر كردستان كذلك التنسيق العالي بين البرزاني وقاتل الكرد الأول في المنطقة الرئيس التركي أردوغان للاستقواء به على خصومه السياسيين حتى وصل الحال الى دخول قوات تركية الى الموصل بموافقة البرزاني وآل النجيفي. كل هذه المعطيات وغيرها يفعلها البرزاني للوصول الى هدف واحد وهو استقلال كردستان وتربعه على زعامة الأكراد في المنطقة حيث حاول استغلال اوضاع المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص للوصول الى هذه الغاية فطلب علناً من القيادات العالمية بالعمل على إجراء ترسيم جديد لحدود دول المنطقة والاعتراف بكردستان دولة مستقلة.

التصريحات الكثيرة الصادرة من إقليم كردستان حول الاستقلال والانفصال عن العراق لم تترجم إلى خطوات عملية طوال الأعوام الماضية فقد كانت موجهة لخارج إقليم كوردستان أكثر من الداخل ولها أبعاد سياسية ورغم أن الإقليم يؤكد دائماً أنّ قراراً هكذا هو قرار كردي لا يحق لأحد التدخل فيه والتأثير عليه، غير أنه وحسب ما هو معلن من الأسباب فإنّ عدم نضوج الظروف الدولية والإقليمية هو السبب الرئيس الذي يحول دون الذهاب بجدية نحو هذا الخيار.

أما الردّ على دعوات البرزاني الأخيرة جاء سريعاً من الخارج والداخل برفض استقلال الإقليم فقد أكد الرئيس العراقي فؤاد معصوم بأنه لا يوجد مشروع متفق عليه بين الكرد لإعلان استقلال إقليم كردستان، كما أعلن أمير الجماعة الاسلامية في إقليم كردستان علي بابير رفضه لفكرة إجراء استفتاء شعبي لتقرير المصير في إقليم كردستان، وقال إن الاتحاد الأوروبي أكد وحدة الأراضي العراقية والتعامل مع الإقليم ضمن إطار الدولة العراقية، مشيراً الى أن الاتحاد الاوربي لا يؤيد إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم في الوقت الحالي.

وقال بابير في مؤتمر صحافي عقده في أربيل عقب اجتماعه مع وفد من الاتحاد الأوروبي، إن الوفد الأوروبي كان يحمل رسالة تتضمّن أن أوروبا تهتم بالأوضاع السياسية والاقتصادية في إقليم كردستان، مبيّناً أنّ الأوروبيين أبدوا استعدادهم لمساعدة الإقليم لتجاوز الوضع السياسي غير المستقر.

التطورات السياسية الخارجية والداخلية أيضاً، وعلى رأسها ملف رئاسة الإقليم الذي لم يحل إلى الآن، فالبرزاني متمسك بكرسي الحكم والأحزاب الكردية ترفض هذا وغالبية الشعب الكردي تتظاهر يومياً لعدم تسلمه الرواتب منذ 4 أشهر بسبب سرقة البرزاني وعائلته للنفط الكردي، وتم إنهاء الاتفاق الاستراتيجي مع الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والذي ينذر بعودة زمن السلطتين في الإقليم كل هذه المعطيات لا تسمح بشكل مؤكد لتنفيذ نوايا البرزاني وحزبه بالوصول إلى الاستقلال، وهو ما جعل رئيس حكومة الإقليم نيجرفان البرزاني يحط رحاله في بغداد للتوسل بحلّ ملف النفط بين بغداد وأربيل، بعد أن أصبح حكم عائلة البرزاني في أربيل مهدّداً بالسقوط. كما استعرض وفد إقليم كردستان مع السفيرين الأميركي ستوارت جونز والبريطاني فرانك بيكر في بغداد كلّ على حدة نتائج محادثاته مع الحكومة المركزية.

مخاطر الإرهاب بشكل عام

إن هذا التحول في موقف الإقليم وبالأخص من البرزاني وحزبه يوحي بأنّ الأخير قد أيقن أنّ إنقاذ رأسه من السقوط يتطلب العودة الى بغداد وعدم الاستمرار في سياسة التعالي والتكبّر على سلطة الدولة، فالمحور الذي راهن عليه البرزاني سابقاً أصبح خاسراً في كلّ مكان، والأجدر به أن يحاول لمّ شتات حزبه وحكمه والتهيئة لما بعد «داعش» والتي ستكون مغايرة تماماً لما خطط له البرزاني مع أردوغان والنجيفي وحكام البترودولار ومن خلفهم الولايات المتحدة، أما التعامل الأفضل من بغداد تجاه أربيل فهو الاستناد على القانون والتعامل بالمثل وعدم الاستمرار بسياسة الانبطاح لشخص مرفوض سياسياً ومجتمعياً ودولياً، فمن استعمل الإرهاب واستغله لتنفيذ مصالح شخصية وحزبية ضيّقة لا تتلاءم مع الواقع لا يمكنه أن يكون حمامة سلام في المستقبل، وأنّ الفشل الذي مني به البرزاني ومشروعه في العراق لا بدّ أن يستغلّ للحدّ من تصرفات هذا الرجل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى