… ويبقى الوفاء في زمن الغدر عنواناً للأصلاء

د. سلوى الخليل الأمين

كلما استمعت إلى سماحة السيد حسن نصرالله أشعر بالطمأنينة، وأرمي ما يتملكني من قلق دائم على وطني ومستقبل أولادي وأحفادي خلف ظهري، وأتطلع إلى الأمام، إلى مستقبل يرسم بعقلانية وحكمة وضمير متيقظ باستطاعته ردع كلّ الأخطار المحدقة بلبنان الوطن، الذي هو أيضاً نور العيون.

فحديث السيد حسن نصرالله، يبقى البلسم الذي يداوي ألمنا وقهرنا وظلم ذوي القربى، الذين أرهقوا المواطن اللبناني بسبل عيشه وحياته الآمنة المستقرة، لهذا أتشبّث به وأنزله منزلة لها في القلوب مساكن وفي العقل مراح معشوشب بالأمل الذي ينتظره كلّ مواطن حرّ وشريف في لبنان، ولا يفارقني كمواطنة صابرة، من هذا الوطن الجميل، الذي تغنّى به زمناً، الكتاب والشعراء والمطربون والمطربات، والموسيقيون الذي جبلوا موسيقاهم بأنين ناياته، ورنين أجراس كنائسه، وتكبيرات مآذنه، وتمتمات الجدات العجائز اللواتي عرفن كيف يسردن حكايات العشيات لأحفادهن حباً يزرع في الصدور، ولا تفنيه الدهور، بل يجعل الأبناء والأحفاد يتشبّثون بهذه الأرض التي حماها المجاهدون المقاومون بدمائهم الطاهرة، ورسمها الفنانون بألوانهم ربيعاً دائماً مجللاً بعظمة الخالق، وحماها العقلاء بقوة إيمانهم الذي لا يقبل النقاش، حين الوطن في أجنداتهم أغلى ما في الوجود.

فحين يتكلم السيد حسن نصرالله، ترتسم هذه الصورة الرائعة في العقل والضمير والوجدان، وتقوى لدينا صلابة التشبّث بالأرض التي يرعاها الأصلاء حين يتدثّرون همومها ومصاعبها، ويحاولون الحرص على تظهير الصورة الأجمل للوطن لبنان الذي ما زال وطن الإبداع ونور العيون، الذي يتطلب الرعاية والعناية والحماية مما يخبّئه المجهول، حيث من واجب الوجوب إلباسه رداء واقياً من الزلل والعثرات، من أجل ان يلتحف الجميع سماءه. لأنّ هذا الوطن هو قدر لشعبه على اختلاف مشاربهم وأحزابهم وتطلعاتهم وأهوائهم، كما هو في قلب السيد وعقله وضميره كبضعة منه، وكنور عينيه، التي أرسلها حباً أبوياً وأخوياً معمّداً بالوفاء والتمنّي، لمن أحبه ووثق به حليفاً وفياً للعهد والوعد، عنيت الزعيم سليمان بك فرنجية.

هكذا هم رجالات السياسة الكبار، وهذا مسراهم الذي هو القدوة والمرتجى في زمن قلّ فيه الوفاء، وتعدّدت فيه مكائد الغدر والخيانات، والتلطي خلف الكلام المبهم والشعارات المفبركة والمستوردة، فعنوان مساراتهم الوفاء القائم على دراسات معمّقة لما يجري حولنا، ولما ترسمه المخططات الدولية العالمية للمنطقة ككلّ، امتداداً من لبنان إلى سورية فاليمن والعراق ومصر وهلمّ جرا. فلبنان ليس في جزيرة نائية وليس قطعة أرض منفصلة عما حولها، فهو محاط بعدو «إسرائيلي» شرس، وبحرب كونية إرهابية تعاني منها سورية، تنعكس كلّ مجرياتها على الساحة اللبنانية باعتراف الجميع، لأنّ سورية بوابة لبنان إلى الدول العربية، كما أنّ لبنان هو بوابة العرب إلى البحر المتوسط المسوّر بالدول الأوروبية من جهة وبالدول العربية الأفريقية من الجهة الأخرى، لهذا فالمطلوب في هذه الظروف الراهنة التي تعلو فيها لغة التسويات في المنطقة، بدءاً من سورية، وانطلاقاً من مؤتمر جنيف الحالي، الذي أجبرت فيه المعارضة المرتهنة التابعة للإرهابيين ومموّليهم بالانطلاق إلى المشاركة في المفاوضات التي تجري برعاية أميركية وروسية، وذلك بعد تهديد مباشر من وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي دفعهم دفعاً إلى جنيف حسب مقولة: مكره أخاك لا بطل.

إنّ إخراج التسوية في سورية يجب أن تتبعه تسوية أيضاً على الساحة اللبنانية، تجمع ولا تهدم، خصوصاً أنّ الحرص على قيامة لبنان يكون في التوافق على تهيئة المناخات الآمنة والمستقرّة التي ستواكب مرحلة التسوية السياسية المقبلة، لهذا لا بدّ من رئيس للجمهورية يملك مشروعاً لبناء دولة لبنان الحديثة القادرة والمقتدرة على استنهاض الوطن بكلّ مكوّناته السياسية والشعبية، إضافة إلى الاستفادة من القدرات الخلاقة والكفاءات المبدعة التي يعلو بها الوطن ويرتفع حتى يصل إلى المستوى الذي يطمح إليه كلّ مواطن، بعد ان باتت الدولة أشبه بمزرعة عشائر يتناتش مقوماتها الكبار، من اقتسام مغانم وتوزيع حصص بالتساوي، دون النظر إلى المصلحة الوطنية العليا.

لهذا فإنّ ما قاله السيد حسن نصرالله في هذا المعنى، أيّ الانطلاق إلى بناء الدولة الحديثة بدءاً برئاسة الجمهورية، واضح وصريح، لهذا أكد التزامه بتأييد الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، كما أبدى تشجيعه الواضح والمطلق لكلّ تقارب حصل ويحصل بين الأفرقاء المتخاصمة حين القول: لا عداوة في لبنان بل خصومة، ومن منا لا يدرك أنّ الخصومة تصبح صداقة بلمح البصر على الساحة السياسية اللبنانية! وهذا ليس بمستغرب ويدركه جميع اللبنانيين، إذاً لماذا الاستغراب حين عمد الجنرال ميشال عون إلى التواصل مع مكوّن مسيحي فاعل على الساحة اللبنانية، لا يمكن لأحد مهما بلغت مقامات العداء معه أو الخصومة إلى تجاهل مكوّنه، وهذا ما أوضحه سماحة السيد من منطلق إيماني ووطني صريح، يعتبر أنّ قيامة لبنان وبناء الدولة الحديثة القادرة والمتمكنة، تستوجب تعاضد كلّ الفرقاء، بمن فيهم تيار المستقبل الذي لم يهمل سماحته الإشارة إلى موقعه المهمّ في الدائرة السياسية اللبنانية.

لهذا من المفترض دراسة موقف السيد حسن نصرالله بعقلانية ووطنية بعيداً عن التشنّج والكيدية والتعصّب الأعمى المهلك للوطن والناس أجمعين، وقبول الحوار الذي مهّد له بدعوة الحلفاء أولاً للتفاهم، ومن ثمّ بين كلّ المكوّنات السياسية، إذا ما جنحوا إلى المصلحة العامة للوطن من منطلق القول الكريم: «إنْ جنحوا للسلم فاجنح له وتوكل على الله»، لأنّ العداء والمناكفات السياسية والضرب على وتر الانتماءات الدينية والمذهبية، لا يمكن أن تبني وطناً يريده الجميع قوياً.

إنّ المصلحة الوطنية اللبنانية يجب أن تطفو على مسار كلّ الأفرقاء، لجهة نبذ الفرقة والتفرقة من أجنداتهم التي باتت سطورها مبلولة بالسواد، والعمل على احتضان الوطن ومواطنيه التي باتت صرخاتهم على كلّ شفة ولسان علناً وحراكاً، لأنّ استنهاض الدولة القادرة والمتمكّنة تعلو بالوطن إلى المقامات الألى، التي تنير الدروب بالمحبة والصفاء، الذي يستطيع اللبنانيون العقلاء والحكماء غرسه ببذار العقل المجبول بالوفاء والإخلاص، واحترام كلمة الوعد والعهد، والحفاظ على الوطن الذي يضمّنا جميعاً تحت عباءته البيضاء التي مسح عليها سماحة السيد حسن نصرالله، نبل إشاراته المفعمة بالتوق إلى رؤية الشعب اللبناني متكافلاً ومتضامناً بقوله: لا توجد في لبنان عداوات بل خصومات، وهي قد تتحوّل إلى معاهدات ولقاءات وصداقات تصبّ في الخانة الوطنية العليا.

هذا كلام الكبار في زمن قلّ فيه الكبار والعقلاء والحكماء، وهذا كلام الوفاء في زمن كثر فيه الغدر والارتهان وخيانة الأوطان، ويا ليت الجميع، يقلب من جديد صحائف التاريخ التي تظهر أنّ الخيانة والعمالة والارتهان وبيع الوطن بالمال والسلطة هو أمر خطير، إذ يبقى الوفاء للوطن هو شجاعة الشجعان حين معارك الكرامات تتطلب الصمود والتصدّي لكلّ من يدفعه ضميره الوطني الحيّ إلى الحفاظ على سيادة الوطن وكرامة الشعب وانتشالهما من سوق المزايدات والحرتقات، التي تهلك الوطن وتدمّره وتقسّمه وتشرذمه وتهجّر أبناءه شرقاً وغرباً، حين الولاء والانتماء الحقيقي هما الهدف الأسمى الذي يرسم المصير والمسار راية خفاقة من البحر إلى أعلى القمم، وعلى وسع المساحات كلها.

فالسيد… حين دعا بالفم الملآن إلى الحوار بين الحلفاء أولاً، مع التمنّي بتحالف كلّ الأفرقاء على الساحة اللبنانية، لأنّ سعيه هو رسم الأنموذج الصحيح للوطنية، التي على الجميع التشبّث بإطلاقها، مع العمل على جعل الوفاء بالعهد والوعد صفة كلّ مؤمن بقيامة لبنان، لهذا يكون وعده بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، الذي تمّ إطلاقه عن سابق دراية ودراسة معمّقة، سترتدّ مفاعيله نجاحاً مثمراً للبنان ولكلّ لبناني يجد في نفسه القدرة على التميّز بالوطنية المطلوبة، خصوصاً أنّ الوضع في المنطقة المقبل على تسويات مهمة، يستوجب إعادة بناء الدولة على أسس حديثة، أساسها الشعب والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهذا لا يقلّل من الحب العميق والتقدير المطلق والاحترام للحليف سليمان بك فرنجية ومواقفه الوطنية المشرّفة، وهذا هو رأي كلّ من التزم الوفاء أصالة ونهجاً وانتماء للبنان، خوفاً من أن يبقى هذا الوطن متأرجحا على كفوف العفاريت، معرّضاً لخطر «الدواعش» و«إسرائيل»، خصوصا أنّ «الدواعش» الهاربين من انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه، قد باتوا على مقربة من بلدة عرسال، وليس في جرودها، مع ما يشكل هذا الواقع الجديد من حالة خطيرة تتطلب التضامن الوطني، كي لا تنعكس وبالأعلى منطقة البقاع ومن ثم على الوضع العام في لبنان. ولات ساعة مندم.

رئيسة ديوان اهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى