هل يحتاج تصنيف الإرهاب الى مؤتمر؟

جمال محسن العفلق

بعد تدويل الأزمة السورية وتحوّلها من حالة احتجاج داخلي الى حرب معلنة محورها دول عربية وقرارات جامعة عربية كانت وما زالت تحت سطوة المال الخليجي، وانتقال الملف الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وانخراط دول إقليمية ودولية في الحرب على سورية وبشكل علني، وبعد خمس سنوات، أوصلتنا اليوم الى مؤتمر «جنيف 3»، هذا المؤتمر الذي كان من المفترض أن تتبلور فيه صورة المعارضة السورية التي تريد الحوار مع الحكومة للاتفاق على خريطة طريق لإخراج البلاد من الحرب، ولكن الواقع عكس هذا تماماً، فالواضح من التقارير الآتية من جنيف أنّ الولايات المتحدة دعمت الرياض لتقديم وفدها، رغم أنّ تصريحات المعارضة تدّعي أنّ الولايات المتحدة تخلّت عنهم، ولكن الواضح أنّ أميركا لم تتخلّ، إنما أرادت حفظ ماء الوجه بتمرير وفد الرياض بمن فيه ومنهم ممثل عن «جيش الإسلام» الذي تحاول الرياض تلميع صورته على أنه ليس منظمة إرهابية، إنما ممثل لقوى الثورة أو بقايا «الجيش الحر»، في وقت لم يعد ممكناً فيه تبني «النصرة» سياسياً أو ميدانياً.

وفي انتظار تقرير من عمّان المكلّفة بوضع قوائم الجماعات الإرهابية يضيّع وفد الرياض الوقت في الحديث عن نقاط محاصرة، وعن أولويات يعتبرها تصبّ في مصلحته، حيث يناقش وفد الرياض القضية بشكل مناطقي ولا يناقش القضية السورية عموماً.

ما تريده المعارضة اليوم، وبعد تراجع المسلحين في أكثر من نقطة وإمساك الجيش السوري بالمبادرة على الأرض، هو الحصول على اعتراف دولي بوجودها، وإقرار بأنها الطرف الوحيد الذي يجب التفاوض معه، من دون الأخذ بعين الاعتبار الفصائل الأخرى، ولا حقيقة تمثيل من في جنيف على الأرض.

فالتمثيل المعارض اليوم يضمّ أسماء هي في واقع الأمر تدير أو تشرف على فصائل تقوم بعمليات إرهابية، إذا كان الجميع متفقاً على أنّ «النصرة» مرتبطة بـ»القاعدة»، وعلى أنّ «داعش» تنظيم إرهابي لا يختلف عن «النصرة» في شيء، فأين المعارضة التي تحارب هذه التنظيمات في الوقت الذي يتحمّل فيه الجيش السوري محاربة الإرهاب في سورية ووقف عمليات التمدّد على الأراضي السورية، وما تريده المعارضة اليوم هو «تشريع» سلاحها المصوّب على الشعب السوري وعلى من يخالف تعليمات الدول الداعمة مثل تركيا والسعودية وقطر، وفي النهاية هم جميعاً يعملون وفق مصلحة أميركا التي تتخبّط في اتخاذ القرارات وتتنافض في تعاملها مع الجماعات الإرهابية، حيث ترى الولايات المتحدة أنّ الحديث عن الإرهاب لا ينطبق على كلّ من يحمل السلاح ويحارب الجيش السوري والشعب السوري، بل تجد لهم المبرّر حتى وإنْ كانت عملياتهم تطاول المدنيين والأبرياء كما حدث في تفجيرات السيدة زينب الأخيرة جنوب دمشق.

وفي انتظار اجتماع فيينا وتقرير عمّان حول الفصائل الإرهابية، هذا في الشكل، أما في المضمون فالانتظار الفعلي هو لأيّ تقدّم قد تحرزه الجماعات الإرهابية، وخصوصاً بعد انهيار جبهة الجنوب وتحرير الشيخ مسكين وتبدّل الواقع الميداني في ريف اللاذقية ووضع حلب ضمن دائرة المرحلة المقبلة لتحريرها من الجماعات الإرهابية، فما تريده الدول الداعمه للإرهاب، أيّ انتصار على الأرض يعزز موقفها في الحوار الذي لا نتائج ترجى منه ما دام هذا الحوار خارج العاصمة دمشق.

فلو أرادت الأمم المتحدة والدول الراعية للمؤتمر أن تتعرّف إلى الفصائل الإرهابية يكفيها أن تمرّ على شوارع سورية وتستمع للشعب السوري العارف بحقيقة تلك الفصائل وأعمالها على الأرض، حيث تقوم تلك المجموعات بتنفيذ عمليات القتل والحصار وضرب خطوط الخدمات ثم تعلن أنها تدافع عن الشعب السوري.

الوفد السوري اليوم ينتظر أن يتفق المجتمع الدولي على تسمية وفد المعارضة، وهذا بحدّ ذاته إطالة للوقت وتضييع للجهد تريده الدول الداعمة للإرهاب، وما يريده المبعوث الدولي اليوم هو إعلان فقط أنّ هناك مؤتمراً عُقد في جنيف، وأنّ مساعي الأمم المتحدة هي من وصل بالأطراف المتنازعة الى هذا المؤتمر، ولكن الواقع يقول إنّ الحكومة السورية تحاور اليوم الدول الداعمة للإرهاب من خلال وفود سُمّيت وفق مصالح تلك الدول، فما يتحدّث به وفد الرياض اليوم يمثل ما يصرّح به وزير خارجية السعودية دائماً.

وإذا كانت الأمم المتحدة تريد بالفعل وقف القتل في سورية فعليها أولاً أن تجد معارضة موحدة تتبرّأ من كلّ الفصائل الإرهابية، وترفض وجود أيّ فصيل تكفيري بينها، وتبدّل أسماء الفصائل التي تعبّر عن انتماء تكفيري لا وطني، ثم تلزم تلك المجموعة بأخذ تفويض من الذين تمثلهم وليس من الدول الداعمة لها؟ ويعلم الجميع أنّ الأسماء المطروحة حتى اليوم لا يمكنها كسب انتخابات على مستوى أحياء فكيف تكون ممثله لشعب بكامله؟

فإعادة تجربة إيصال أمراء الحرب من خلال تسويات سياسية الى البرلمان والحكومة هي تجربة أثبتت فشلها، فالاتفاقات الدولية لا تلغي حقّ وليّ الدم، والجماعات الإرهابية مسؤولة اليوم عن دماء آلاف السوريين منذ أول تفجير وحتى الساعة، وتلميع صورة تلك المجموعات حتى وإنْ نقلت بندقيتها من كتف الى كتف هو عمل غير أخلاقي، ولا يتوقف الأمر على الأدوات المنفذة، فمن حق السوريين محاسبة الداعمين لتلك المجموعات وإلزامهم بالتعويض، فعبور آلاف الإرهابيين من الحدود الشمالية والجنوبية لم يكن إلا بعلم تلك الدول التي شكلت غرف عمليات، وكانت توجه تحركات تلك المجموعات.

أما المجتمع الدولي فعليه أن يتحمّل مسؤوليته تجاه اللاجئين الذين هربوا من الموت الى الموت وفقدان آلاف الأطفال السوريين هو مسؤولية الدول التي عبرها الأطفال واختفوا فيها، أو من خلال عصابات تعمل على أراضيها من حق السوريين اليوم معرفة مصير هؤلاء وإلا فإنّ أيّ اتفاق سيكون ناقصاً.

هذا فضلاً عن الآثار السورية التي سرقت والمصانع التي نهبت، وطلب التعويضات عن الخسائر الناجمة عن قرار حصار الشعب السوري وتجويعة الذي أدارته أميركا.

انّ تسمية وتصنيف الجماعات الإرهابية لا يحتاج إلى مؤتمر، إنما يحتاج إلى إرادة دولية توقف تمويل هذه الجماعات، وحينها ستكون هذه المجموعات مكشوفة للعالم وسوف تتحدّث عن نفسها وعن مموّلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى