ملفا التوطين ومؤتمر لندن
حسين حمّود
بينما يصارع لبنان لمنع توطين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، برزت مشكلة جديدة وهي السعي لتوطين النازحين السوريين أيضاً، بواسطة الضغط على لبنان مالياً واقتصادياً واجتماعياً مما يُنذر بكارثة جديدة تضاف إلى جملة الكوارث التي يعانيها.
وتقول أوساط فلسطينية في الموضوع الأول، إن تقليص وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونرو» تقديماتها الصحية والتعليمية ليس سببه العجز المالي للوكالة، التي أُنشئت عقب نكبة فلسطين عام 1948 لرعاية اللاجئين الذي هُجّروا قسراً من بلدهم تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، بل هو نتيجة تقليص الدول المانحة مساهماتها في تمويل الوكالة والدليل هو رصد تلك الدول موازنات ضخمة لتفجير الحروب والفتن في الشرق الأوسط لتفتيت وتقسيم دوله بغية المحافظة على أمن «إسرائيل» والتحكم بثروات المنطقة فيما تمنع الدول المانحة نفسها المال عن وكالة «أونروا» فقط في لبنان بينما لم تقلّص الوكالة تقديماتها للاجئين في الدول المتواجدين فيها، غير لبنان، كالأردن مثلاً.
لذا تؤكد الأوساط أن الدول المانحة، وهي نفسها الحاضنة لـ«إسرائيل»، تهدف من خلال «إفقار» «أونروا»، إلى مفاقمة تردي الوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي، للاجئين وتحويلهم «قنبلة موقوتة» في وجه الدولة اللبنانية تحديداً كورقة ضغط للقبول بتوطينهم على أرضها قسراً، وبالتالي قطع الطريق على عودتهم مستقبلاً إلى فلسطين المحتلة.
وفي الموازاة، وبالرغم من الخطابات الوجدانية التي تطلقها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، مثنية فيها على كرم لبنان اتجاه النازحين السوريين والإشادة بحسن ضيافته لهم، مكررين لدولته الوعود تلو الأخرى بتقديم المساعدات المالية والعينية لها، بلا شروط، لتمكينه من تحمّل هذا العبء بعدما أظهرت الإحصاءات الرسمية وجود مليون وسبعمئة ألف نازح سوري على أرضه، تبين أن كل تلك الوعود ما هي إلاّ مزاعم لذرّ الرماد في العيون.
فقد كشف وزير العمل سجعان قزي أن الدول المانحة تشترط لتقديم المساعدات للبنان من أجل مشاركته في تحمّل عبء النازحين أن يفتح سوق العمل أمامهم «ما يعني أنهم سيطرحون لاحقاً ربط المساعدات بتوطينهم»، بحسب قزي.
طبعاً من حق السوري أن يعمل في لبنان ويحسّن أوضاعه الاقتصادية، فهو ضمن وطنه أيضاً واعتاد العمل فيه لعقود خلت، لكن الغرب لا ينظر إلى هذا الموضوع من الزاوية القومية المذكورة بل من منطلق مخططه التقسيمي لسورية وقلب ديمغرافية المشرق العربي إثنياً ودينياً ومذهبياً، لتبرير تحقيق نموذج «إسرائيل» كـ»دولة يهودية» صرفة وذات هوية دينية أحادية بحتة في فلسطين المحتلة.
وسط هذه الألغام الخطرة، أكان على صعيد اللاجئين الفلسطينيين أو بالنسبة للنازحين السوريين، ينعقد ما يسمّى «مؤتمر المانحين لدعم سورية والمنطقة» في العاصمة البريطانية لندن اليوم وبمشاركة لبنان الذي سيمثّله رئيس الحكومة تمام سلام برفقة وفد وزاري.
ماذا سينتج عن هذا المؤتمر؟ وما هي أهدافه الحقيقية، بعيداً من الشعارات الإنسانية التي ستغلّف كلمات رؤساء الوفود؟ والأهم كيف سيتعاطى لبنان في المرحلة المقبلة مع ملفَيْ «التوطين» المشبوهَيْن المطروحين، ليس لتكريس وحدة الأمة وتمازج نسيجها الشعبي، بل للمحافظة على «إسرائيل» كـ»دولة يهودية» تسعى للحياة وإن كانت مستحيلة»، وتكون نموذجاً يقاس عليه لتوليد دول عنصرية مذهبية وعرقية تحاكي «إسرائيل» في المشرق العربي، ولو بعمليات قيصرية دامية.