متلازمة إسقاط «الفيتو السعودي» عن الأسد وعون

روزانا رمّال

فرضت «متلازمة الوقت» عند حزب الله وقعاً أساسياً على مختلف تحرّكاته وقراراته الكبرى والمصيرية منذ ظهوره، عبر تعامل دقيق مع المشهد الذي كانت قد فرضته «إسرائيل» بشكل أساسي بالتعامل مع أيّ مشروع يحارب توجهاتها.

فحزب الله الذي يقاتل اليوم على أكثر من جبهة في آن معاً، لا يخفي أهمية اختيار التوقيت المناسب للتحرك في مواقفه الميدانية والسياسية أو التفاوضية، وهو بهذا يدير دفة المراحل والملفات على اختلاف أولوياتها وفق هذا الإطار.

يشكل عامل الوقت عامل نجاح إضافي لحزب الله في مشروعه الذي يقدّمه بوضوح لحلفائه كهدف من دون أن يطرحه مكشوفاً كتنفيذ لا كيف ولا متى ولا لماذا. حزب الله يشارك في العملية السياسية في لبنان، ويتعامل بالطريقة نفسها، فلا يقدّم ممثليه بين نواب ووزراء أو مسؤولين سياسيين كمادة قابلة لبث شائعات واستفزازات لا تخدم أهدافه.

حزب الله الذي لا يعرف الاستفزاز والوقوع في شباك العدو «الإسرائيلي» غير مستعدّ أيضاً للوقوع في شرك خصومه السياسيين، وخصوم حلفائه الإقليميين، وهو يؤكد منذ دخوله سورية، وفتحه الباب على مصراعيه أمام تحدّيات كبرى لاحقته محلياً وخارجياً أنّ تكتيكه السياسي مرتبط ارتباطاً كبيراً بحسن استخدام الوقت ومفاعيله.

لا ينفع عند الحزب ردّ سريع على اغتيال قائده الفذّ الشهيد عماد مغنية، ولا ينفع أيضاً التباطؤ في الردّ على اغتيال نجله الشهيد جهاد مغنية، علماً أنّ عملية اغتيال الأب سبقت عملية اغتيال الابن بسنوات تقارب السبع.

يتحدّث أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير، الذي خصصه لملف الرئاسة اللبنانية، عن ارتياح كبير يشعر به الحزب، وعن عامل وقت يصبّ في مصلحته، ويقول لخصومه لا تنتظروا كثيراً، فالوقت معنا وليس معكم، ويشرح لهم أنّ إيران مرتاحة كثيراً، وكأنه يقول إنّ استفادة أيّ عنصر من عناصر الحلف عادة يصبّ في مصلحة الحلف كله، هذا في علم السياسة، وهذا ما يحصل مع حزب الله، وهنا فإنّ الرهان الرئاسي في لبنان على البتّ بطروحات لا تتوافق مع هذا التصاعد الإيراني بالمنطقة غير وارد.

لا يودّ نصرالله أن يتحدّث عن أيّ مونة إيرانية في هذا الخصوص، ويقول لخصومه: اسألوا ماذا أجاب الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في معرض ردّه على سؤال طُرح عليه خلال زيارته الهامة إلى فرنسا، عن ملف الرئاسة اللبنانية، اسألوا وتأكدوا بأنفسكم لأنّ الجواب كان «إيران توافق على كلّ ما يراه حليفها مناسباً»، أيّ أنّ حزب الله قراره بيده تماماً، وهو يطرح هنا استشرافه للمرحلة رابطاً إياها بعنصر الوقت الذي يراه متوجّهاً يوماً بعد يوم نحوَه.

العماد ميشال عون هو حليف حزب الله الذي استعاد زخم اللحظة، وهي اللحظة التي أعلن فيها حزب الله تأييد ترشيحه، وأعاد الإعلان عن نياته بدعمه المطلق، لا بل سحب دعم ترشيحه لفرنجية من التداول، طالما أنّ عون لم يوافق على ذلك عملاً أيضاً بـ«متلازمة الوقت»، فقد أيّد حزب الله العماد عون قبل أن يكون فرنجية مرشّحاً، ولو أنّ الحزب قد أيّد ترشيح فرنجية قبل ترشيح عون لكان مشى به إلى النهاية نحو الرئاسة»، هذا ما أكده أيضاً السيّد نصرالله أخيراً، ولكلّ مرحلة توقيتها وخصوصيتها وحساباتها عند الحزب، لكنه أثبت أنّ موقفه غير قابل للشك.

يحتاج العماد عون اليوم وفق السيّد نصرالله إلى أكبر قدر من الوفاق حول اسمه للرئاسة، وبالتالي فإنّ حزب الله الذي يتوجّه لدعمه بشتى الطرق تتوجّه للقائه الأفرقاء والأحزاب اللبنانية كافة بشكل لافت، فالخطوط مفتوحة اليوم بين حزب الله وحزب الكتائب، وهي مفتوحة سلفاً أيضاً مع تيار المستقبل في جلسات عين التينة، وموجودة مع الحزب التقدمي الاشتراكي، كما قال النائب في كتلة القوات فادي كرم انّ الحوار بين حزب الله والقوات اللبنانية ضروري، وهنا يمكن البناء أكثر على هذه الإيجابية بالتقدّم نحوه. ويعرف حزب الله أنّ هذا التقدّم منوط بقراءة إقليمية لهذه الأحزاب والتيارات التي توجّهت فترة إلى عزله حتى أنها مانعت مشاركته في الحكومة.

الفيتو الذي وضعته السعودية على وصول العماد عون للرئاسة باعتبار أنّ وصوله هو انتصار لحزب الله والرئيس السوري بشار الأسد يشبه الفيتو نفسه الذي وضعته المملكة على الرئيس الأسد، فهي التي تتعامل بالمعايير نفسها التي وجهت فريقها للالتحاق بجنيف قبل فوات الأوان، والأهمّ من هذا توجّه المملكة نحو الحل السياسي من دون تمكّنها من الانسجام مع ثوابت عدم السماح بإجراء أيّ عملية سياسية مع النظام السوري، والأهمّ من التفاوض، كمبدأ هنا، هو إلزام المعارضة بالتفاوض وفق شرط تُلغيها، كبقاء الرئيس السوري والتفاوض تحت سقف الرضا ببقائه بالنسبة إلى المعارضة السورية.

انتظار الوقت الذي يعتمد عليه حزب الله أثبت نجاعته في الحالة السورية مع السعودية التي خضعت أخيراً لمنطق استحالة تخطّي الأسد، بعد خمس سنوات من محاولاتها لذلك. وهنا فإنّ دعم حزب الله المطلق لعون انطلاقاً من تمثيله الأساسي بين المسيحيين، وانتظاره للحصول على قبول كتلة المستقبل بالتصويت لمصلحة عون، من المرجح أن يتأثر بموقف السعودية في الأشهر القليلة المقبلة من العملية السياسية في جنيف، وبالتالي فإنّ إسقاط الفيتو السعودي عن عون غير مستحيل انسجاماً مع التطورات الإقليمية المقبلة، تماماً كما أسقط عن الأسد وتوجّهت السعودية للتفاوض بظلّ ترؤسه البلاد بعد رفضها الكامل لذلك قبل فترة وجيزة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى