لكي تحيا سورية
نزار عيسى صباغ
يوم مضى من تشرين الثاني العام 1932، أرسل سعاده من سجنه رسالة إلى محاميه يجيب فيها عن سؤال منه. شرح فيها أنه كان تساءل قبلاً «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل»…
وما أشبه اليوم بما مضى.
نعلم أنّ دراسة الواقع الاجتماعي تنطلق من المجتمع والانسان، لأنّ الانسان ليس مجرد عنصر في بيئة اجتماعية منعزلة بل إنه مجموع عوامل متحركة متفاعلة اجتماعية اقتصادية نفسية تؤثر في المجتمع وتتأثر به كذلك..
والمجتمع ليس مجرد تجمع بشري في موضع ما، إنه مرآة لحقيقته، لتفاعله مع الحياة تأثرا وتأثيرا انطلاقا من معرفته وانتمائه الحقيقي الى جذوره.
أن نكون حضاريين في مجتمعاتنا فذلك بمقدار ما نكون مستفيدين ومطوِّرين ومنتجين وناشرين للمفاهيم الحضارية العقلية التي ترتقي بالحياة، وبمقدار إعادة النظر في البحوث والمفاهيم التقليدية الموروثة من منطلق حيادي، إضافة إلى الخروج عن احتكار المعرفة والتاريخ وعن صياغتهما ضمن مفهوم أحادي الجانب أو بموجب رأي متحيّز.
إن نظرنا إلى وضع الفرد في سورية وعلاقته بالمجتمع، في وضع المجتمع وأمراضه ومعوقات نهضته، في عواقب الخلط بين الدولة والدين وتأثير ذلك على النظم ونسيج المجتمع، والتجزئة السياسية الناتجة عن هيمنة النزاعات الدينية المستمدة من استغلال الدين، وتآكل حقوق الإنسان وخاصة حق التطور والنمو والارتقاء بسبب العقائد المادية والرأسمالية، وعن حقوق الشعوب في السيادة وتقرير المصير.
إن نظرنا بواقعية إلى ذلك كله، لوجدنا الكثير، من العودة إلى الخلف…
وإن تساءلنا عما يريده جيل الشباب عموما، قد نجزم بأن غالبية الاجابات ستتقاطع في نقاط اساسية:
ضياع في الانتماء، يأس من مستقبل مجهول، استسلام وهروب من تشرذم طائفي مذهبي عشائري…
نستطيع قول الكثير عما يحصل وأسبابه والأرضيّة التي تهيأت بفعل عوامل داخلية وخارجية بعيدا عن نظرية «المؤامرة الكونية».. ونستطيع التحدث وتحديد أسباب وتراكمات من افعال وممارسات، فلا يمكن الاستمرار بالاختباء خلف الاصبع بعد كل ما حصل…
العبرة من ذلك كله تكمن في أن لا تعيد الأجيال اللاحقة ما وقعت به الأجيال الحالية من أخطاء… لكي تحيا سورية.
«إنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي مادي، وإن الإنسانية المتفوّقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد مستقبلها عليه، ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفتها، ولا المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها» ـ سعاده.
إنّ الفلسفة الروحية لا تعني الدين، انها تعني الجذور الروحية التي تولّدت من أمة وضعت أول نوتة موسيقية في التاريخ، وأول أبجدية للعالم، وأظهرت مكتبة محفوظات أرشيفية أذهلت العالم في تفصيلات محتوياتها، ووضعت النظم القانونية الأولى في التاريخ…
إنها روح الأمة، شعورها بشخصيتها وحاجاتها المادية، وتمسكها بتراثها وإبداعات أجيالها عبر الحقب المتلاحقة من تاريخها الطويل، في كل العلوم والفنون والفلسفات…
إنّ هذه الروحية بتمازجها مع العقل والإبداع الإنساني وضرورات المستقبل الأفضل تجعلنا واضحين في معنى الانتماء والعروبة والعلمانية والمواطنة والقومية والديمقراطية…
إننا سوريون، ننتمي إلى الأرض السورية.
عرب؟ نعم، لكن أية عروبة؟
لا يستهوينا الاصطياد في الماء العكر، لكن ما يحصل من أحداث يؤكد تماماً أن ما يحصل في العالم العربي أبعد ما يكون عن هوية سياسية وقومية واحدة، بل أنّ مصالح العرب متصادمة ومتصارعة مع بعضها، ومنها ما يخضع كلياً لمصلحة الأعداء.
فعروبة السوريين مختلفة تمام الاختلاف عن عروبة مشيخات النفط وشعب الجزيرة العربية، وقضاياها ومصلحتها القومية مختلفة كلّ الاختلاف عنهم وعن قضايا ومصلحة وعروبة شعب وادي النيل الذي يغرق سودانه في مشاكل الاسلام السياسي والتقسيم، ويرفرف العلم الصهيوني في سماء قاهرته.. ويمكن التأكد كذلك أن لا عروبة واحدة جامعة بين شعوب العالم العربي، ولا يمكن لعاقل أو متابع عدم ملاحظة ما يحصل.
العروبة الواقعية الحقيقية
إنّ عروبتنا هي العروبة الواقعية الحقيقية التي جعلت من المتنوّرين السوريين يحملون لواء التصدّي للتتريك، وجعلت من رهبان الأديرة يطبعون كتباً باللغة العربية ويوزعونها سراً لتثبيت اللغة العربية، وجعلت من قساوسة انطاكية يفتحون الكنائس في يوم الجمعة وأحالوها دورعبادة مشتركة ليؤدّي فيها أهلهم صلاة الجمعة، كردّ عملي منهم على قرار الفرنسيين إغلاق الجوامع لعرقلة ومنع التظاهر ضدّ سلخ اللواء، حيث كان ذلك سبباً في أروع حادثة وطنية قومية في تاريخ سورية الحديث من أجل سورية وعروبة اللواء… عروبة السوريين الحقيقية هي من أظهرت اسم سليمان الحلبي ويوسف العظمة وسعيد العاص وابراهيم هنانو وجول جمال، خالد علوان وسناء محيدلي وخالد ازرق وعمار الأعسر، عملية نهاريا وعملية تفجير السفارة الاميركية في بيروت، وجعلت من سوريين حقيقيين شهداء الواجب على أرض العراق ضدّ الاحتلال الأميركي في العام 2003…
إنّ علاقة الحزب السوري القومي الاجتماعي بالعروبة تقوم على أساس واقعي واضح لا لبس فيه، وذلك منذ تأسيسه في العام 1932 إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي، لكننا نريد قبل كل شيء أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا، يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى… لا يمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية، على هذا تكون نهضتنا مقرّبة لنا للعمل والتعاون مع العالم العربي لا مبعّدة …
ولذلك كان السعي لإنشاء جبهة عربية هدفاً من أهداف الحزب منذ تأسيسه حيث حدد سعاده الغرض من تأسيسها لتكون سداً منيعاً ضدّ المصالح الأجنبية والاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى …
على هذا، فإنّ وحدة سورية الطبيعية هي الأساس في المفهوم والمعنى الحقيقي للقومية العربية وللعروبة، وذاك هو المنطلق الذي تمّ منه إطلاق تعبيري التكامل العربي والتضامن العربي والذي بدأ بشكل عملي في حينه مع كيانات الأمّة السورية لليقين بأنّ المصير المشترك واحد في العراق ولبنان والاردن وفلسطين من خلال دعم كل أوجه المقاومة فيها ، وما تبيّن عملياً وواقعياً في السنين الأربع الماضية إلا تثبيت لواقع الأمم العربية…
لكن، كيف الوصول إلى وحدة سوريّة في وجود مجتمع تتنازعه الدعوات الطائفية والمذهبية؟ وهل من وحدة دون مجتمع متجانس واحد؟
لننظر بعض الشيء إلى العراق المتمزق اجتماعيا في ولاءات طائفية وعشائرية ومناطقية، ولبنان الذي تحكمه طائفية سياسية، والأردن الذي انجرّ في ولاءات قبائلية، ثم في حال مجتمعنا السوري الذي ندرك جميعا أوضاعه الحالية…
بتحليل بسيط يمكن لنا القول إنّ الكثير لم يخرج إلى المدنية بعد، ولا يزال تحت عباءة القبيلة والعشيرة المتلبّسة بلبوس الدين… هل انه الدين؟ وهل انها مصلحة الدين أم هي مصلحة الآخرين؟
لنكرّر هنا السؤال البديهي الشهير: هل انتمى أحد إلى إحدى الطوائف أو المذاهب الدينية نتيجة دراسة وقناعة تامة أم عن طريق الإرث والولادة من والدين يدينان بما أصبح عليه؟
يمكن الجزم بالقول بأنّ ما من أحد يستطيع أو يمكنه الادّعاء بأنه رأى الله – بغضّ النظر عن تسميته لدى الشعوب – لكن وببساطة تامة، يمكن لمن يشاء إدراك وجوده ومعرفته من خلال المحاكمة العقلية، أي بالعقل فقط دون العودة إلى إثباتات غيبية مستندة على مفاهيم غيبية.
… الدين منها براء
لقد شهد تاريخ الاسلام المسيحي والمحمدي، دولاً نشأت باسم الدين، تتوسع ثم تسقط وتزول بينما الدين لم يسقط ولم يزل.. وشهد قيام دول حاربت دولا تدين بذات الدين، تحاربت واستولت احداها على أرض الأخرى، وقتلت رعاياها وسلبت خيراتها…؟ فهل يجيز أيّ دين القتل والتدمير؟
ثم إنّ الدولة تتعرّض للفساد وتمارس احياناً الظلم، فهل يكون الدين مسؤولاً عن الفساد والظلم؟ وهل يتحمّل الدين مسؤولية فساد الدولة وظلمها؟
كفانا ما شهده التاريخ العربي من صراعات وحروب وثورات، وسقوط دول وتمزيق بعضها وقيام أخرى، وكلها تدّعي أفعالها باسم الدين وباسم الله.
«إقرأ»، هي الكلمة الأولى التي كانت ولا تزال… وردت بصيغة الأمر للوصول إلى العلم والمعرفة… وهي لا تعني – وبالمطلق – التعلم في الدين أو في شؤون الدين فقط، فالعقل لدى الإنسان هو الأساس، واستخدام العقل يعني العلم والتعلّم ويؤكد بأن الخلط بين الدين والدولة يسيء إلى الدين نفسه، والفصل بينهما ينزّه الدين عن مفاسد الدولة وشوائبها، وهذا يقتضي إبعاد رجال الدين من التدخل في شؤون الادارة والقضاء والسياسة وإلا لكان الأمر بمثابة «تسييس الدين» تحت مسميات أخرى…
الأحرى بنا أن نكون جميعاً مع الله لا أن نحاول ونطالب ونقتل ونقاتل في سبيل أن يكون الله معنا وحدنا فقط… ولنا وحدنا فقط… فالله أسمى وأجلّ من استغلال اسمه في الطائفية والمذهبية، وأسمى وأجلّ من التذرّع باسمه في القتل وإشعال الحروب وإسالة الدماء، لا يحتاج لمن يدافع عنه ولمن يُحْكِمْ له سيطرته على الأرض، يكفيه أن يقول كن فيكون ، وهو الذي يحاسب الجميع دون استثناء على أعمالهم الأرضية الناجمة عن الإرادة العقلية الحرة التي أعطاها لهم، هبة ومنحة إلهية للإنسان…
هذا هو جوهر التراث الديني – الروحي للأمة السورية إذا تم فهمه واعتناقه على أساس توحيدي متجاوزاً الانقسامات الطائفية – المذهبية في الأمة.
كلنا مسلمون لله، منّا من أسلم بالانجيل ومنّا من أسلم بالقرآن ومنّا من أسلم بالحكمة… سعاده.
إنها العلمانية التي هي اللبنة الأساس للوصول إلى الدولة المدنية، دولة المؤسسات والمواطنة التامة، إنها اسلوب حياة يعتمد احترام الدين كعلاقة روحية بين الإنسان والخالق، تنزّه الدين وتبعده عن الملوثات…
إنها أسلوب حياة يعتمد العقل والأخلاق منهجاً أساسياً في الحياة، ويحترم المرأة كإنسان ليس كنصف إنسان ويعمل على تمكينها وتحسين وتطوير مساهمتها في بناء المجتمع ليقينه أنها تحمل العبء الأكبر في بناء المجتمع السليم.
لقد وهب الله للإنسان «القوة المميّزة المدركة لينظر في شؤونه ويكيّفها في ما يفيد مصالحه ومقاصده الكبرى في الحياة، فليس معقولاً إذن أن يعطّل اللّه القوة المميّزة بشرع أزلي جامد، لذلك كان العقل الإنساني وكان الإنسان، كان المجتمع الإنساني حراً بإرادة اللّه، بإرادة المصدر الذي نشأ فيه لكي يسير نحو الأفضل، وليقرّر بذاته ما هو الأفضل في حياته… والدين نفسه إذ يجعل قاعدة الحساب يوم الحشر أو يوم الدينونة فهو بنفسه يقرّ هذا المبدأ، مبدأ أن يختار الإنسان بكلّ حرية اتجاهه والمصير الذي يريده لنفسه».. سعاده
من هنا، لا يجوز إطلاقاً استخدام مفهوم «التعايش والعيش المشترك» الذي بدأت فيه وسوّقته وسائل إعلام مختلفة، والذي يتردد بشكل كبير على أفواه المسؤولين الإداريين والسياسيين عند تكلمهم عن «الوحدة الوطنية»، هذا المفهوم الذي يعني ضمناً الاضطرار بشكل شبه قسري لتقاسم الموارد الطبيعية والعمل على اقتناص الفرص الاقتصادية والرياء والنفاق في الحياة الاجتماعية والتعامل المعيشي اليومي ضمن بيئة جغرافية زمنية معينة، بشكل تترسخ فيه فئات مختلفة ضمن ما هو مفروض أن يكون مجتمعاً واحداً وبحيث تبقى كلّ فئة متحفزة بانتظار تغيير الظرف الزماني والمكاني والإلزامي الذي فرض هذا التعايش والوجود المشترك، بحيث تنعدم بذلك مصلحة المجموع / المجتمع / الوطن / الأمة. الأمر الذي شكل ـ ولا يزال يشكل ـ حالة من التمايز الاجتماعي – الاقتصادي وحتى الثقافي، فينتفي مفهوم الوطن الجامع ذي النسيج الاجتماعي المتجانس ذي الغنى الثقافي التنوّعي.
العيش الواحد التام
لذلك يجب تصحيح المفهوم واستخدام تعبير «العيش الواحد التام»، ضمن وسائل الإعلام كافة، والتركيز على إعادة النظر بشكل جذري في المفاهيم المستخدمة كافة، وفي المفاهيم والأسس المعتمدة في المناهج التعليمية المدرسية وبخاصة الدينية منها التي رسخت ولا تزال ترسخ تناقضاً لاشعورياً في شخصية المواطن وتمايزاً إنسانياً واجتماعياً عند أبنائنا الطلبة بدءاً من الصفوف الأولى من حياتهم الدراسية، وفي المدارس الحكومية الرسمية…!
إنّ الدولة القومية الاجتماعية هي الدولة الديمقراطية العلمانية بامتياز وبالمعنى الحقيقي للديمقراطية، لأنها ترتكز على أساس وحدة المجتمع والمساواة بين أبنائه ضمن رابطة القومية المجتمعية وتبطل تصنيف المواطنين على أساس دينهم أو لغتهم أو أعراقهم أو مناطقهم، فالكلّ متساوون في الحقوق والواجبات أمام الدستور القومي والقوانين المدنية.
هذا المبدأ وضرورة تحقيقه يتطلب التدقيق في بعض المفاهيم والعبارات التي يتمّ تردادها بكثرة، والتي يمكن استغلال طرقها للوصول إلى نتائج سلبية تؤدّي إلى تمزيق المجتمع، مثلما هو تعبير «تعايش»…
ومن تلك التعبيرات كذلك تعبير «الدولة المدنية»، إنه يتردّد كثيراً وبقوة ما يؤدّي إلى تبنّيه من قبل الكثيرين باعتباره – كما يُقال – دولة يكون فيها القانون فوق الجميع، أي أنّ جميع المواطنين متساوون أمام القانون الذي يحمي بنصوصه وآليات تطبيقه عموم المواطنين، إنما وبالتدقيق يُلاحَظ أنه قد لا يشدّد بالتساوي بين المواطنين كافة في الحقوق والواجبات إنْ لم تكن الدولة تعمل وتؤكد على المساواة التامة بينهم حسب مفهوم العلمانية.
الدولة المدنية هي دولة قانون، والقانون هو «شرائع» وضعية يتمّ صياغتها وفق منطق «الأكثرية الانتخابية الغالبة»، والتي قد تستطيع التأثير في الجموع الناخبة باعتمادها العاطفة، حتى إنْ كانت ذات منحى ديني أو إثني، يعتمد السياسة كحالة شكلية تعمل في تحقيق مصلحة منفردة محدّدة بذاتها، وهي بذلك تخرج عن مفهوم الأكثرية والأقلية «السياسية» التي تعمل ضمن برامج واضحة تهدف إلى مصلحة الدولة والأمة ونهضتها إلى الأكثرية والأقلية العددية التي تعمل وفقاً لمصالحها الخاصة ، الذي يمكن ألا يستند إلى حالة ديمقراطية سياسية حقيقية، والذي قد يؤدّي إلى عدم تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق بين عموم المواطنين بمعتقداتهم وأصولهم، وبحيث يمكن أن تقوم بحالة من الفصل بينهم تحت مسمّيات قد تكون «إثنية / عرقية» او «مذهبية / طائفية» بمسمّى اقاليم أو حتى محافظات ذات حالة من استقلال إداري ومالي، لكنها تحقق وضعا قانونيا يجمعهم ضمن إطار دولة… أيّ انها بذلك تعمل وفقاً لقاعدة «مصلحة الأكثرية العددية» وحتى إنْ كانت متطلباتها وآرائها غير صحيحة وفق مفهوم الدولة والوطنية والمواطنة، ما يسبّب بتمزيق وحدة المجتمع.
الديمقراطية الحقيقية تعني مواطنة تامة، وهي لا يمكن أن تحصل دون علمانية، أي دون أن يتمّ تنزيه الدين عن كلّ مشاكل ثم نتائج الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد، وإبعاد المتقوّلين باسم الدين والألوهة عن كلّ مناحي التأثير العام سوى في ما يتعلق بجوهر الدين والمساواة بين خلق الله جميعهم… ودون مساواة تامة وحقيقية في الحقوق والواجبات بين عموم المواطنين، بذلك فقط يمكن تحقيق مبدأ الدولة الديمقراطية المدنية التي تعتمد الناحية السياسية فقط التي تعمل لمصلحة الدولة والمواطنين جميعاً دون اي تفرقة بينهم في الطائفة أو المذهب أو الأصول الثقافية أو العرقية – الإثنية…
تلغي الدولة القومية الصراعات الداخلية والحروب الأهلية وتمنع الاضطهاد أو التمييز أو التكفير وأية مجتمعات متناقضة أو متضاربة المصالح والثقافات والأهداف، وتمنح الحريات الإنسانية الراقية واللائقة بالإنسان، وأهمها حرية المعتقد والرأي والكتابة والتأليف، وإنشاء المؤسسات والأحزاب والجمعيات على قاعدة الدستور الأساسي والحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ولأنّ التطور الاجتماعي مرتبط بالاقتصاد فلا بدّ أن يكون محمياً من أيّ استغلال للمواطن وتحريره من عبودية الإقطاع عامة… لأنه عبارة عن «إقطاعات» طائفية ومذهبية، وإقطاعات صناعية وزراعية وفكرية وثقافية وسياسية وغيرها، وأخطر ما فيها الإبقاء على جزء هام من ثروة الأمة، الإنتاجي المادي – سواء أكان صناعياً أو زراعياً – او الإنتاج الفكري، مهدوراً أو معطلاً، أو مسلوباً، يتحكم به المحتلّ أو الإقطاع كيفما يشاء لمصلحته هو…
وتتولى الدولة توزيع الثروة والناتج القومي توزيعاً عادلاً لكلّ المنتجين حسب إنتاج كلّ منهم، كما تؤمّن للمواطنين الضمانات كافة وكامل الحقوق والكرامة الإنسانيين.
فالأخلاق هي في صميم كلّ نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى… سعاده
المجتمع الديمقراطي السليم
إننا معنيون تماماً بأن نعمل في سبيل مجتمع ديمقراطي سليم، تعلو فيه سلطة القانون فوق الجميع ويكون الكلّ فيه مواطناً محترماً ومحمياً بقوة القانون وتتعادل فيه الفرص وفقاً للكفاءات، بغضّ النظر عن دينه وانتمائه الطائفي أو المذهبي أو حتى القبلي والمناطقي والعشائري وكذلك السياسي، لا أقليات أو أكثريات بل انتماء مواطني للأرض والوطن، لأنّ المواطنة تعني الانتماء الكامل للوطن والعمل لمصلحته وسموّه ورفعته.
لا تعايش أو عيشاً مشتركاً بل عيش تامّ واحد على أرض واحدة ضمن مجتمع واحد ضمن مفهوم ومصلحة وطنية – قومية واحدة.
فـ»الحياة لا تكون إلا في العزّ، أما العيش فلا يفرّق بين العزّ والذلّ»… قالها أنطون سعاده… لكي تحيا سورية…
مفوض مفوضية حماة
في الحزب السوري القومي الاجتماعي