السباق إلى البيت الأبيض: ساندرز وروبيو أم كلينتون وترامب؟

ناصر قنديل

– تدخل أميركا منذ اليوم السباق الطويل إلى البيت الأبيض في ظلّ ظروف ومتغيّرات داخلية وخارجية تفرض استحقاقات وأثقالاً على الحزبين المتنافسين في تحديد ماذا يريد كلّ منهما ما بعد الانتخابات، وليس مجرد الإجابة عن سؤال كيف يوصل مرشحه إلى البيت الأبيض، وفي المقابل يترتب على نتائج الانتخابات وهويات المرشحين المؤهّلين لمواصلة السباق نتائج يفرضها كون أميركا هي ساحة التنافس الرئاسي، وكون الرئيس الأميركي لا يزال أقرب ليكون رئيس النظام العالمي، إنْ وجد للعالم نظام، ورئيس العالم إنْ غاب النظام.

– يطغى على المتابعة العربية عقل نمطي في التعامل مع السباق الرئاسي الأميركي عنوانه، تسطيح يقوم على اعتبار فوز الحزب الجمهوري مدخلاً للتطرف في السياسة الخارجية، وفوز المنافس الديمقراطي تعبيراً عن هيمنة سياسة خارجية معتدلة تتسع للمشاركات العالمية والإقليمية في رسم وبناء السياسات من جهة، وتتجه نحو المنطقة العربية وفقاً لسياسة تراعي ضوابط لا تأخذها السياسات الجمهورية في اعتبارها، وصولاً إلى ربط الحروب بالجمهوريين، ومساعي السلام بالديمقراطيين.

– يطغى على المتابع العربي عقل نمطي بوجهة ثانية، قوامها السير وراء الأسماء التي يعرفها، أو ينقلها له الإعلام العربي كعناوين للسباق الرئاسي، انطلاقاً من مواقف المعنيين بالسباق في السياسة الخارجية، ولذلك تصير المتابعة العربية المحكومة بهاتين المقاربتين النمطيتين، سهلة الوقوع في المطبات والمفاجآت، وغالباً الابتعاد عن الفهم القريب من حقيقة المشهد الأميركي الذي يعني كلّ بلد في العالم، ويعني البلاد العربية أكثر من سواها طالما هي ساحة الصراع حول مثلث النفط و«إسرائيل» والإرهاب، وهو المثلث الذي تتشكل منه أضلاع الأمن القومي الأميركي بإجماع الحزبين ومرشحيهما المتنافسين.

– تخوض أميركا انتخاباتها المقبلة وهي تشهد تغييرات داخلية وخارجية تفرض استحقاقات لا تشبه كثيراً استحقاقات انتخابات سابقة، فأميركا لم تعد القوة الصاعدة اقتصادياً، ولا المبهرة برفاه مواطنيها وحجم الضمانات التي يحوزونها على الصعيد الاجتماعي، ولا تلك الأمة المتماسكة على مستوى نسيجها الوطني، أو المتقدّمة في نمط تعامل مؤسساتها مع قضايا الحريات وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى لم تعد أميركا القوة العظمى المهيمنة عالمياً، بعد زلزال حربَي العراق وأفغانستان وتراجع قوة «إسرائيل» العسكرية، وبعد عواصف الربيع العربي وخسارة أميركا تلك المكانة المقرّرة في الشرق الأوسط، في ظلّ شراكتين كبيرتين مع كلّ من روسيا وإيران، وفي ظلّ شراكات اقتصادية لا فرصة لكسرها مع قوة صاعدة كالصين.

– في السباق داخل كلّ من الحزبين يتبارى مشروع براغماتي شعبوي مهتمّ حصراً بتقديم مرشح يوحي ظاهرياً وفق المعايير التقليدية الاعتيادية بأنه يوفر الفرص الأفضل للفوز، مقابل مشروع يحاول توفير مرشح يحمل رؤية الحزب ويشكل النسخة القيادية الأقرب إلى منهجه الفكري وقادر على تقديم أجوبة على التحديات التي يطرحها وضع أميركا الداخلي والخارجي ويملك قدراً من الجاذبية التجديدية، ولذلك يتبارى في الحزب الديمقراطي، دون أن ينتبه العرب، كلّ من هيلاري كلينتون مع برني ساندرز، وفي الحزب الجمهوري كلّ من دونالد ترامب مع منافسين عدة، يتقدّمهم جيف بوش وتيد كروز وماركو روبيو، والواضح من مقاربة أوضاع المتنافسين أنّ نجومية برني ساندرز وماركو روبيو تستحق المتابعة، بعيداً عن وهم حصر التنافس بكلينتون وترامب.

– يمثل ساندرز ضمير الحزب الديمقراطي، ونموذجه القيادي المخلص لمبادئ الشفافية والنزاهة، والداعية الشرس للحريات والحقوق المدنية، ويتبنّى رؤية اقتصادية جعلته يقدّم نفسه كمرشح ديمقراطي اشتراكي لجهة مطالبته باعتماد سياسة رعاية حكومية للفئات المهمّشة وتقديم ضمانات ترقى إلى مستوى تدخل الدولة في الكثير من مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بينما يمثل روبيو مشروعاً لافتاً، لجهة تحدّيه لزعيمه جيف بوش بخوض الترشيح وانتمائه لجيل الشباب، وتحدّره من أصل كوبي.

– سمات ومميّزات ساندرز وروبيو كانت برأي الكثيرين عناصر تشتغل ضدّهما، وصولاً إلى توقعات فشلهما بحصد أصوات يمكن احتسابها، وقول الكثير من شركات استطلاعات الرأي، والمواقع المتابعة، أن يكونا خارج السباق كلياً، وقد جاءت نتائج الانتخابات الداخلية للحزبين، في ولاية أيوا، تقول عكس ذلك، فقد قطف ساندرز 21 مقعداً من 43 تمثل أيوا في مؤتمر الحزب الديمقراطي مقابل 22 لمنافسته الفائزة هيلاري كلينتون، بينما حلّ روبيو ثالثاً، بعد فوز تيد كروز بتمثيل الحزب الجمهوري في أيوا بـ 28 مقابل 24 للمرشح المليونير دونالد ترامب، لينال ماركو روبيو 23 من أصوات الناخبين داخل الحزب الجمهوري.

– هذه دعوة لفتح العين على المسار الانتخابي لكلّ من ساندرز وروبيو، في مجتمع أميركي يتفكّك وتطغى عليه الانشغالات بالهموم السياسية الداخلية، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتتراجع فيه الاهتمامات بالسياسة الخارجية بالتوازي مع تراجع مكانة أميركا في صناعة السياسة في العالم، وتضاؤل قدرتها على توفير عائد اقتصادي لمواطنيها من جراء هذا التعاظم في النفوذ والمكانة العالميين، فربما نكون أمام مفاجآت، يكفي أن لا نفاجَأ بالأسماء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى