لماذا التلويح بالعدوان البرّي على غزة؟

حميدي العبدالله

بعد تردّد استمرّ بضعة أيام، وبعد معارضة شديدة من المؤسستين العسكرية والأمنية، لأيّ تورّط في شنّ هجوم برّي على قطاع غزة، مهما بلغ حجم هذا الهجوم، صوّت المجلس الوزاري المصغّر في الكيان الصهيوني بأغلبية على قرار يقضي بتطوير العملية العسكرية إلى عملية برية مع اعتراض وزير الدفاع الذي كان يحرّض في السابق على العدوان ووزير آخر. ومرّ حتى الآن أكثر من 72 ساعة على قرار المجلس المصغّر ولم ينفذ القرار. وبمعزل عمّا إذا كانت «إسرائيل» ستنفذ عدواناً برياً أم لا، وبمعزل عن حجم هذه العملية البرية وتوقيتها، لماذا اتخذت حكومة العدو مثل هذا القرار، وما هي الاستهدافات التي تكمن خلفه؟

أولاً، الهدف من التلويح بالعدوان البرّي بدءاً هو زيادة الضغط على قوى المقاومة في محاولة لإرغامها على تقديم تنازلات وقبول العودة إلى التهدئة بأيّ ثمن، أو على الأقلّ عدم وضع شروط لهذه التهدئة، لا سيما أنّ فصائل مقاومة ومنها كتائب القسام أعلنت أنها تشترط للعودة إلى تهدئة 2012 الإفراج عن المعتقلين من الأسرى الذين حُرّروا في عملية التبادل مع الأسير «الإسرائيلي» شاليط، ووقف الاعتداءات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية، ورفع الحصار المفروض على القطاع من العدو الصهيوني. مثل هذه الشروط يصعب القبول بها من جانب «إسرائيل» حتى وإنْ يكن هذا القبول ضمنياً وعن طريق طرف ثالث، لأنّ من شأن ذلك أن يؤثر سلباً في مكانة حكومة العدو، فهي غير قادرة في ظلّ المعطيات الراهنة على قبول أيّ صيغة لوقف إطلاق النار ما لم تكن عودة من دون شروط إلى تهدئة عام 2012.

ثانياً، بعد مرور أربعة أيام على العدوان الجوّي، وهو يوم التصويت في المجلس الوزاري المصغّر على العملية البرية، تبيّن على نحو قاطع أنّ الغارات الصهيونية المكثفة التي شنّت على القطاع لم تؤدّ إلى وقف تساقط الصواريخ بكثافة وقوة على أماكن مختلفة من الكيان الصهيوني، بل إنّ كثافة هذه الصواريخ ومداها اتسعا وتجاوزا ما حدث عام 2012، ومن الصعب سياسياً على حكومة العدو قبول العودة إلى التهدئة وتقديم تنازلات لمصلحة المقاومة وتلبية بعض شروطها ومطالبها في ظلّ هذا الواقع. فالقصف الجوّي فشل في الحدّ من إطلاق الصواريخ، كما فشل في تقليص عدد المدن والبلدات اليهودية على امتداد أرض فلسطين واتساع الرقعة التي تطولها صواريخ المقاومة.

ثالثاً، لم يصل المستوطنون بعد، رغم نزولهم إلى الملاجئ في «تل أبيب» والقدس والخضيرة، إلى مرحلة الضغط للمطالبة بوقف العملية العسكرية ووقف تهديد الصواريخ وحالة الشلل الكامل الذي تواجهه في مساحة يقطنها نحو 4 ملايين نسمة، وتضمّ مناطق الثقل السكاني اليهودي، مثل منطقة غوش دان. والعدو لا يتراجع عادة عن اعتداءاته إلاّ حين يكون عرضة لضغوط ما يعرف بالجبهة الداخلية.

في معنى آخر، طالما أنّ غالبيّة اليهود لم تصل بعد إلى اقتناع بفشل العدوان، ولم تمارس الضغط، أو تتقبّل على الأقلّ قراراً بوقف العملية من دون تدفيع حكومة نتنياهو الثمن، فإن من الصعب وقف العدوان، وبالتالي يبحث عادة عن حلقات تصعيدية جديدة لعلّها تقود إلى نتائج ترضي حكومة العدو، وفي هذا السياق تمّ التصويت على العملية البرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى