طوق حلب… «أسوارة العروس»

عامر نعيم الياس

التقت وحدات الجيش السوري والقوات الرديفة مع اللجان الشعبية في نبّل والزهراء في ريف حلب الشمالي الغربي، بعد حصار دام ثلاث سنوات ونصف السنة من جانب المجموعات السلفية الجهادية المتطرّفة وفي مقدّمها «النصرة» و«داعش».

عشرون جبهة دفعة واحدة فتحها الجيش السوري في حلب، كان آخرها جبهة الريف الشمالي التي انهارت في ظرف 48 ساعة وفكّ الحصار عن نبّل والزهراء. وسط أنباء عن نشر عشرة آلاف مقاتل في تلك الجبهة وحدها من دون تأثّر أيّ جبهة أخرى في البلاد، خصوصاً الجبهات المفتوحة في ريف حلب. عشرة آلاف مقاتل مدرّبون نوعياً ومجهزون، ربما يمثلون باكورة التنسيق السوري ـ الروسي ـ الإيراني ـ العسكري في ما يتعلق بمجال تدريب القوات الخاصة القادرة على تنفيذ مهام الاقتحام. وإن صحّ ذلك بالفعل، ولعله صحيح، نحن أمام مشهدٍ دراماتيكي سيستمر خلال الأيام العشرة المقبلة ليُحدث انقلاباً في الوضع في شمال سورية. ربما يخصّ فتح معركة إدلب من جسر الشغور، أو تطويق حلب بالكامل، وهو أمر بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

تغيّرت المعطيات. فمنذ سنة كان هناك محاولة لفكّ الحصار عن نبّل والزهراء وحصل تقدّم نوعيّ للجيش السوري والمقاومة اللبنانية توقّف فجأة مع الاصطدام بحقيقة تلافي الاصطدام مع التركي الذي جعل من حدوده مظلة ردع في مواجهة الدولة السورية والحلفاء، وامتداداً حيوياً للمسلحين الإسلاميين. فنحن أمام حدود الأطلسي. لكن اليوم ليس كالأمس، وانتهت معركة نبّل والزهراء وهو ما يفسح في المجال أمام تعزيز الاندفاعة باللجان الشعبية العقائدية المرابطة في المدينتين منذ حوالى أربع سنوات، والتي استطاعت وحدها صدّ آلاف المقاتلين المعادين في بيئة معادية وعلى مقربة من حدود تعزّز كلّ مقومات الحصار ومقوّمات المعركة لكسر شوكة المدينتين المحاصرتين في ريف حلب الشمالي، لكن من دون جدوى.

التدخل الروسي صاحب الكلمة الفصل في المعادلة الجديدة. مشاهد لدبابات «تي 90» وقصف جوّي على خط الحدود السورية التركية، وصواريخ «توشكا» يتولى الروس وحدهم إطلاقها، وراجمات صواريخ «بي ام 30 سميرتش»، كل ذلك نسف معادلة الردع السابقة وأخرج الحدود التركية عن دائرة الفعل والردع، وحصلت الاندفاعة على الأرض.

يفصل الريف الغربي عن الشمالي في مدينة حلب، ويخرج طريق أعزاز بوابة الإمداد التركية لمسلحي أحياء حلب الشرقية عن الخدمة، ويبدأ الحصار عملياً. فيما لا يعرف أحد أين المفاجأة التالية. وهل ستندفع القوات السورية نحو الباب وتفتح معركتها لإغلاق الحدود التركية بشكل شبه نهائيّ، أم يتم دحر «داعش» في قلب المحطة الحرارية في حلب وتأخذ الدولة السورية تحقيق إنجاز عسكري بلبوس مدنيّ إنسانيّ لمدينة حلب التي تعيش ظروفاً مأسوية من دون ماء ولا كهرباء ولا أدنى حدٍّ من الخدمات، وتترك سلباً ونهباً لتجار الأزمات.

معركة حلب في سورية هي معركة الأطلسي، ولا تراجع حتى سحق «داعش» و«النصرة» في سورية. هذا ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم أمس. ويبدو أنّ السحق من دون انتظار مفاعيل أيّ قرار أو تقارب دولي سيكون ميدانه في حلب. حيث عزل تركيا وحصارها بدأ من ريف اللاذقية الشمالي ويصل اليوم إلى ريف حلب الشمالي بانتظار ريف حلب الشرقي عند مدينة الباب، والريف الغربي عند مدينة أعزاز. والمعطيات الميدانية تشير إلى أن القرار بالتقدّم في حلب اتّخذ من دون رجعة. واستئناف العمليات بالتحوّل الذي جرى في نبّل والزهراء من شأنه أن يعزّز القوة البشرية التي باتت حاسمة في تثبيت التقدّم للسيطرة على مساحات واسعة بعد الدخول الروسي النوعي من الجوّ، وفي المجال التقني على الأرض.

حصار تركيا، وطوق حلب كـ«أسوارة العروس» تمنع الغرباء من الاقتراب ولا تؤذي صاحبها. بانتظار النصر الكبير وخروج المسلحين الوهابيين من الأحياء الشرقية، الذي سيكون تحصيل حاصل في معركةٍ الغلبة فيها لمن يجيد اللعب على عامل الوقت.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى