مصالح أميركية على حساب «الحلفاء»
نور الدين الجمال
رغم أن الملفّين الأوكراني والسوري ما زالا يحتلان الأهمية الكبرى على المستويين الدولي والإقليمي، وتحاول بعض الأوساط السياسية والإعلامية الغربية ربطهما على قاعدة ما حصل في ريف اللاذقية الشمالي ودخول مجموعات إرهابية وتكفيرية إلى بلدة كسب وبعض المناطق الأخرى بدعم تركي مباشر لوجستي واستخباراتي لتلك المجموعات، إلاّ أن ملفاً مهماً تحاول الإدارة الأميركية جاهدة إنجازه بمختلف الوسائل وهو الملف الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» الذي نجح المخطط الأميركي ـ الصهيوني في تحويله من راع عربي ـ صهيوني إلى تقزيم القضية الفلسطينية، وصولاً إلى صراع فلسطيني ـ صهيوني، وهذا ليس بالطبع في مصلحة القضية الجوهرية للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وحق العودة انطلاقاً من القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة في هذا الشأن.
ترى مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية تمّت بعد اهتزاز العلاقة الأميركية ـ السعودية في أكثر من محطة، خاصة على الصعيد الإقليمي، وتحديداً في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني والملف السوري، إذ كانت توجهات الإدارة الأميركية تقضي كالعادة بالمحافظة على مصالحها الاستراتيجية أمنياً واقتصادياً، ولو على حساب أقرب الحلفاء لها في العالم، والمملكة العربية السعودية هي من الحلفاء، ما أفقد العلاقة بين البلدين شيئاً فشيئاً عنصر الثقة، إلى حدّ أن بعض المواقف السعودية كانت تصب في خانة مخالفة للمصالح الأميركية في المنطقة، خاصة بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني الذي اكن العصب الأساسي في الخلاف بينهما.
تشير المصادر الدبلوماسية إلى أن الرئيس الأميركي حاول من خلال زيارته امتصاص الاستياء السعودي، علماً أن الهدف الحقيقي والجوهري للزيارة، فضلاً عن ترطيب أجواء العلاقات بين البلدين، هو الطلب إلى المسؤولين في المملكة ممارسة أقصى الضغوط على القيادة الفلسطينية بشخص الرئيس محمود عباس لتقدم المزيد من التنازلات إلى الجانب الصهيوني، وأن قدرة الإدارة الأميركية على ممارسة الضغط على الحكومة الصهيونية محدودة إلى حد لا يسمح لها بأن تكون التنازلات بين الطرفين متوازنة ومتكافئة.
تضيف المصادر الدبلوماسية أن الرئيس الأميركي يحاول جاهداً إنجاز هذا الملف، خدمة للمصالح الصهيونية في المنطقة وليس لأجل القضية الفلسطينية، اعتقاداً منه أن الظروف التي تشهدها دول المنطقة وحالة الفوضى والتخبّط التي تعيشها تسمح بتحقيق اتفاق فلسطيني ـ «إسرائيلي» يكون في مصلحة الكيان الصهيوني، وأن المملكة العربية السعودية قادرة على لعب دور أساسي في ممارسة الضغط على الرئيس محمود عباس وإقناعه بتقديم المطلوب من تنازلات، لكي يوافق رئيس وزراء العدو على استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني أولاً، ثم إعطاء المزيد من الوقت لاستمرار تلك المفاوضات بعدما شارفت المدة التي حددها الجانب الأميركي لتحقيق اتفاق إطار على نهايتها.
على صعيد الملفات الأخرى التي شملت محادثات الرئيس أوباما مع الملك عبدالله بن عبد العزيز، تلفت المصادر الدبلوماسية إلى أن الجانب السعودي طلب في الشأن السوري تأجيل البحث في مفاوضات جنيف إلى أجل غير محدد، لحشد قوى عسكرية جديدة وإحداث تغييرات ميدانية على الأرض تصب في مصلحة المجموعات الإرهابية والجهات التي تدعمها، وفي المقابل تتولى الإدارة الأميركية عملية الإمداد بالسلاح النوعي للمجموعات الإرهابية في مواجهة الجيش العربي السوري، وكان الرئيس الأميركي أكد على ذلك من غير أن تحصل تلك الجماعات على أسلحة مضادة للطائرات، بحسب تأكيد وزير خارجيته لوزير الخارجية الروسي خلال لقائهما الأخير في باريس.
تضيف المصادر الدبلوماسية أن الرئيس أوباما أشار في كلامه إلى إصرار بلاده على عدم توقيع اتفاق سيئ مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن من باب استرضاء القيادة السعودية وطمأنتها فحسب، علماً أن الإدارة الأميركية مستعجلة لإبرام أكثر من اتفاق مع إيران ليس على صعيد الملف النووي وحده، إنما أيضاً في مواضيع أخرى ذات طابع اقتصادي ومالي وحتى استراتيجي على صعيد منطقة الخليج، خاصة أن الولايات المتحدة بصدد سحب قواتها الموجودة في أفغانستان نهاية هذا العام، والعملية هذه تحتاج إلى مساعدة إيران وروسيا ودعمهما في آن واحد، ولذلك تضع الإدارة الأميركية في استراتيجيتها حول العالم مصالحها فوق كل اعتبار، وحتى فوق مصالح حلفائها، وهذا ليس بالأمر الغريب أو الجديد للإدارة الحالية، وللإدارات الأميركية السابقة واللاحقة.