أطفالنا… أحلام بحجم وطن

شفيقة منصور

أطفال بعمر الزهور يعيشون واقعاً، أصبح عاملاً أساسياً في تحديد اهتماماتهم التي هي في الأصل تقتصر على اللهو واللعب، فتحوّلوا بشكل مبكّر الى أطفال يملكون وعياً وقادرين على اتخاذ القرار والموقف الواضح، في ما يخص قضيتهم من خلال متابعتهم الذاتية لمجريات الأمور والتطورات السياسية التي تدور حولهم.

أودّ الحديث بشكل خاص عن طفليّ أمير وأحمد اللذين لم يتجاوزا التسع سنوات، وما يدور في تفكيرهما، فمنذ اندلاع انتفاضه القدس لمست تغيّراً واضحاً على تفكيرهمن، وانعكس ذلك من خلال التعبير عن نفسيهما، فتطورت اهتماماتهما واصبحا يتمتعان بجرأه عالية.

أريد ان أحارب إسرائيل بالعلم كلمات ردّدها ابني الكبير أمير، ودار نقاش بيننا أكد فيه أنه يودّ ان يتخذ سلاح العلم لبناء الوطن، أما الكوفية فقد أصبحت ملازمه لابني الصغير احمد بشكل لافت، في كلّ صباح يقوم بارتدائها ذاهباً الى مدرسته، وفوجئت انه يقوم بتنظيم مسيرة في استراحة الصباح مع أصدقائه يردّدون الهتافات الوطنية.

مشاهد تكرّرت كان فيها الضحية أطفال فلسطين الذين تعرّضوا لأبشع الاعتداءات التي هزت ضمير العالم بأسره، فهي كفيلة بأن تكون العامل الأساسي في خلق حالة الوعي لدى الطفل الفلسطيني وتطوّرها.

كنت اعتقد أنّ مشاهدة الأطفال للجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني، والانتهاكات اليومية التي يتعرّضون لها سوف تشكل حملاً ثقيلاً علينا وعلى أطفالنا، فهم كأطفال العالم لا تتقبّل براءتهم هذه المشاهد، فعقولهم وأفئدتهم تتجه بحكم التكوين النفسي والفيزيولوجي لهم نحو الهدوء والأمن بحثاً عن السعادة، والابتعاد عن كلّ ما يعكّر صفو حياتهم الغضة. لكن عندما يكون الاحتلال واقعاً ملموساً ومعاشاً بشكل دائم في البيت والمدرسة… في الشارع والحيّ، على الحواجز، في القصص والحكايات ونشرات الأخبار، فيتحوّل هذا الخوف الى شعور معاكس تماماً، مفجّراً طاقة استثنائية سرعان ما تأخذ شكل الموقف السلوكي على سبيل الخلاص من مصدر هذا الخوف وهذا الإحساس بعدم الأمان على وجوده، وكذلك على مستقبله الآتي، فنراه يختار التحدّي وتحمّل المسؤولية على أن يكون مجرد ضحية تنتظر مصيرها.

فالواقع المرّ الذي فرضه الاحتلال ولا يزال قد كسر حاجز الخوف لديهم رغم تعرّضهم لمختلف أشكال المعاناة وأصعبها، ورغم ممارسة أشكال الحرب النفسية والاعتداءات المتكرّرة عليهم، وصولاً الى الحرمان من كلّ أسباب العيش الكريم، الأمر الذي عزز وبشكل ملحوظ وبارز قيم الشجاعة الحقيقية والثقة بالنفس، كما أضاف وعياً يمكّنهم أن يكونوا رجال المستقبل بجدارة.

عندما احدّق في عيون أطفالي، أشاهد فيها جيلاً مقهوراً، وألمح فيها أيضاً شعباً مصمّماً على انتزاع حقه في الحياة. رغم شفافية الضوء في ضحكاتهم وبراءة الأّمل في عيونهم. ولكني مثل أيّ امّ، تحاول ان تُبعد الريح في المساء عن أبنائها وتحجب أشعة الشمس الحارقة عن وجوههم كلّ صباح، وتبتهل ليلاً ونهاراً أن ينعموا في أحضان وطنهم بكلّ أمان، وأن تكون أحلامهم مليئة بالفرح والنجاح وأمل بمستقبل أفضل يليق بشعب ضحّى بالغالي والنفيس من أجل وطنه وأرضه ليعيش الحياة التي يستحقها.

أطفالنا مستقبلنا ومصباح يضيء طريقنا نحو الحرية والاستقلال، بالرغم من الحصار والقهر والانتفاضات المتتالية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فلم تعد الطفولة في فلسطين تعني اللهو واللعب ومتعة الحياة، هم أطفال ولكنهم أدركوا مبكرا معنى أن يكون للإنسان هدف.

على العالم أن يدرك أنّ في فلسطين طفولة تعيش ظروفاً قاسية سببها الاحتلال وسياساته العدوانية. فمتى سيتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته؟ ومتى ستتوقف سياسة الكيل بمكيالين؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى