حرب المناورات: ردع الجنون السعودي في سورية
عامر نعيم الياس
قبل أسابيع، اشتكى وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر من دور الحلفاء في الحرب على «داعش». فهم «لا يفعلون ما يكفي، أو لا يفعلون شيئاً على الإطلاق». وفي السياق ذاته نشرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية معلومات حول ما سمّته «الإحباط المتزايد لبعض مسؤولي البنتاغون من أن بعض الدول الشريكة والمجموعات الإقليمية تدعم جهود محاربة داعش بالاسم فقط».
بالتوازي مع ما سبق، أطلقت السعودية وعدد من الدول العربية والإسلامية مناورات «رعد الشمال». وهو ما رأى فيه المراقبون تحضيراً لتدخّل عسكري سعودي في سورية وفق معادلة دأب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على تكرار نغمتها وهي«إسقاط الأسد إما بالحل السياسي أو التدخل العسكري على الأرض». واليوم، تعلن السعودية رسمياً وللمرّة الأولى استعدادها للتدخل العسكري البرّي في سورية، بالتزامن مع معلومات روسية حول استعدادات تركية لتدخل برّي في سورية. فهل يحصل التدخل بعد «انهيار المعارضة السورية في حلب» وفق أحد عناوين صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية؟
لكي تتدخل السعودية في سورية يلزم وجود ما يلي:
ـ تدخل عسكري برّي تركي في سورية يدعّم الموقف السعودي، كون تركيا تملك حدوداً مع سورية، فيما السعودية لا تملك أيّ حدود مشتركة معها. وهذه الحالة هي عكس الحالة اليمنية تماماً حيث الحدود السعودية ـ اليمنية المشتركة سمحت للرياض بالتدخل من دون الحاجة إلى التحالف مع تركيا.
ـ التدخل يجب أن يكون عبر قرار من التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهو أمرٌ ممكن أن يحصل لكن في سياق الحرب على التنظيم الإرهابي، من دون أن يعني ذلك تفويضاً مباشراً لمحاربة الدولة السورية والأكراد. فهل هذا ما تريده كلٌّ من أنقرة والرياض؟
ـ منذ بدء غارات التحالف الدولي فوق الأراضي السورية عام 2014، فإن التسريبات الإعلامية والمعلومات المتوفّرة أشارت إلى وجود تفاهم ضمني سوري ـ أميركي برعاية عراقية لضمان أمن طائرات التحالف الأميركي فوق الأراضي السورية، وهو أمر أدّى إلى عدم وجود أي تعارض أو صدام بين سلاحي الجوّ السوري والأميركي حتى اللحظة. وعلى الرغم من إنكار الولايات المتحدة وجود أيّ تواصل مع الحكومة السورية مباشر أم غير مباشر، إلا أن مجريات الأمور تشي عكس ذلك. فالدولة السورية رحّبت بعمليات التحالف الأميركي «إن كان يستهدف داعش»، فيما أعلنت أن التدخل السعودي أو التركي في سورية سيعتبر عدواناً يتوجب مقاومته.
ـ التدخل العسكري الروسي في سورية وفّر مظلةً جوّية ردعية تحمي الأجواء السورية من تدخل حلف الناتو أولاً وقبل كل شيء. وتقطع الطريق تلقائياً على أيّ تدخل عسكري جوّي من جانب قوات تحالف عربي خليجي على شاكلة ما يحصل في اليمن. وهو ما أبقى احتمالاً وحيداً لتغيير موازين الحرب في سورية عبر التدخل البرّي المباشر. لكن هذا التدخل دونه عقبة كبرى، تتمثل بالتصادم مع القوات الروسية وحلفائها في مناطق العمليات المشتركة. فكيف يمكن لتركيا أو السعودية أن تهاجم الجيش السوري والحلفاء في حلب التي تشكل أساس التدخل العسكري السعودي ـ التركي، إن حصل، والقوات الروسية الجوّية والخبراء الروس يعملون وينسّقون على الأرض؟ ما هو ردّ فعل موسكو حيال مقتل مستشاريها المرافقين للجيش السوري في حال قتلوا بقصف سعودي أو تركي؟ هل يؤمّن الأطلسي الغطاء لقتل الروس في سورية؟ وهل تستطيع واشنطن ضبط ردّ الفعل الروسي؟
ـ بالنسبة إلى الرياض فإن التدخل البرّي، في حال لم ترد تركيا التدخل، يمكن أن يأتي من الحدود الأردنية ـ السورية، أي من المنطقة الجنوبية لسورية، وهذا يستلزم تنسيقاً مع الكيان الصهيوني ينقض مفاعيل تفاهم ضمني بين «تل أبيب» وموسكو عقب تدخل الأخيرة في سورية، كانت مفاعيله واضحة على الأرض. فهل تضحّي «تل أبيب» بالتفاهم مع روسيا لمصلحة دعم مغامرة سعودية في سورية عبر الحدود الأردنية؟ ألا يعني ذلك تغيّر الوضع عند مثلث درعا القنيطرة ريف دمشق؟ وفي الأساس هل يحتمل الأردن فتح حدوده لغزو جنوب سورية؟
ـ التصادم الإيراني ـ السعودي سيخلط الأوراق على الصعيد الدولي قبل الإقليمي، وسيؤدّي إلى ارتدادات على مستوى التوازن الذي يحاول أوباما رسمه في المنطقة، وهو أمر لا يمكن لواشنطن أن تسمح به في الوقت الحالي على الرغم من الافتراق الأميركي ـ الإيراني في ما يخصّ الملف السوري. وفي هذا السياق ترى «إندبندنت» البريطانية أن «القوات التي سترسلها المملكة إلى سورية قد تجد نفسها في مواجهة مع قوات إيرانية». وتضيف أنّ «إرسال هذه القوات لن تقتصر تداعياته على الحرب في سورية بل ستمتد إلى المنطقة بأسرها».
ـ تجربة اليمن، والعامل «الإسرائيلي»، والوجود الروسي، ومنظومة التسليح الحديث للجيش السوري، فضلاً عن وجود الجيش السوري كمؤسسة لا كما اليمن تعرّض الجيش للانقسام، فضلاً عن العامل الكردي وأولوية الحرب على «داعش» المتواجد في سورية. كل ما سبق يجعل من احتمال إقدام أنقرة والرياض على الدخول إلى سورية مجرّد وهم، وهنا علينا أيضاً ألا ننسى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يقدم على عمل عسكري في سورية في آب من عام 2013، نظراً إلى العوامل السابقة التي كان مستثنياً منها الوجود العسكري الروسي المباشر في سورية.
ـ ما هي التحضيرات اللازمة لنشر 150 ألف جندي سعودي وفق تقرير «CNN» في سورية وقبيل ذلك نقلهم إلى تركيا أو الأردن؟ ألا يلزم لنشر هذه القوات وتجهيزها فترة زمنية تتراوح بين 3 و6 أشهر على أقل تقدير؟ هل يصبح التدخل ذي جدوى بعد ستة أشهر من الآن؟
في السياسة، لا يجوز إسقاط احتمال والجزم نهائياً باحتمال أو سيناريو لذلك. وبالتوازي مع زيارة الملك البحريني إلى روسيا أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامره لوزير الدفاع بإطلاق مناورات عسكرية روسية في المنطقة العسكرية الجنوبية من روسيا. وهي منطقة على تماس مع الشرق الأوسط. حرب مناورات حتى اللحظة تهدف إلى الردع عن الجنون الذي سيعمّ المنطقة إن حصل الغزو السعودي لسورية.
كاتب ومترجم سوري