العدوان السعودي التركي المحتمل
ناجي الزعبي
تحشد السعودية 150 ألف مقاتل من دول عدة لتخوض معركة البقاء الأخيرة، في الوقت الذي لم تفلح 68 سنة من الاحتلال، وكلّ المجازر والانتهاكات والقتل والتدمير من قبل العدو الفاشي العنصري الإحلالي الصهيوني لفلسطين في اسفتزاز السعودية ولا النظام العربي الرسمي لحشد قوة لقتاله، بل على العكس فقد ساهمت الأنظمة العربية في تكريس الاحتلال وفي بسط سيطرته وتمدّده على مساحات وفضاء جيوسياسي يتخطى العالم العربي، وما يطلق عليه العالم الإسلامي، ليمتدّ إلى أفريقيا، وأوروبا، وأميركا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا، وما زال الكيان الصهيوني لاعباً رئيسياً محورياً وداعماً للإرهاب وللمؤامرات في مسرح الأحداث في العالم العربي والعالم.
كما لم يفلح احتلال العدو الصهيوني للجزر السعودية تيران وصنافير منذ عام 1967، وتكريس البحر الأحمر بحيرة صهيونية في المطلق في دفع السعودية للعب دور مناهض لهذا الوجود أو لتحرير الجزر المحتلة.
رسف أبناء العالم العربي في ذلّ العبودية والاضطهاد والقهر والفقر والجوع، فقد التهم أطفال الصومال التراب، وأقام أبناء مصر في العشوائيات والمقابر والمباني التي تنهار فوق ساكنيها، وتفرّقوا في أنحاء العالم كله سعياً إلى طلب الرزق، ولم تتحرك السعودية لفعل أيّ شيء باستثناء شراء ذمم الفاسدين من رجال الأعمال والمتنفذين لكسب ولاءاتهم ورهن الاقتصاد المصري بالمعونات المشروطة بالمواقف السياسية، وشراء المرتزقة لشنّ الحروب على من تراه السعودية هدفاً مقبلاً.
قدّمت السعودية الدعم المطلق لتدمير العراق وفكّكته وأدخلته أتون حرب أهلية طائفية مذهبية، وأخرجته من العمق العربي الاستراتيجي، ودعمت العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 وكرّسته دولة طائفية يصعب إخراجها من هذا المعتقل المذهبي تحت أيّ عنوان.
تحالفت السعودية مع تركيا ومع كلّ الأنظمة المرتهنة لواشنطن في مقدّمتها العدو الصهيوني تاريخياً ولعبت دوراً في إجهاض الثورات وحركات التحرّر العربية وكان في مقدّمها الزعيم القومي عبد الناصر، كما دعمت الاقتصاد الأميركي المأزوم عام 1973 عندما أوقف الملك فيصل بإيعاز من واشنطن ضخ النفط بذريعة دعم المجهود الحربي وأنقذ بذلك الاقتصاد الأميركي الذي استفاد من رفع سعر النفط مليارات صبّت في خزائنه، كما قدّمت السعودية دعماً للاقتصاد الاوروبي الأميركي بعقد صفقات أسلحة بالمليارات لم تستخدم سوى لشنّ الحروب على وطننا العربي، ثم خفضت بإيعاز من واشنطن أسعار النفط للإطاحة بالاقتصادات الإيرانية والروسية والفنزويلية.
وما زالت تؤدّي الأدوار والوظائف نفسها، فهي من وقف ويقف خلف الإرهاب الوهابي في أفغانستان، وسورية، واليمن، والعراق، وتحتلّ البحرين وتقمع ثورة شعبه السلمية، ولم تحرك ساكناً عند استباحة الجيش التركي للعراق كما فعلت عند الاحتلال الأميركي للعراق حيث دعمته وموّلته وقدّمت التسهيلات اللوجستية والقواعد العسكرية، وما زالت تقيم القواعد الأميركية على أراضيها.
ورغم أنها دولة أقامها الاستعمار البريطاني ونصّب العائلة الحاكمة التي وظفت الوهابية للقضاء على خصومها بالسيف وبالحديد والنار وقطع الرؤوس وتُسمّى الجزيرة العربية باسمها ويتوارث، أبناؤها الحكم، إذ يعيّن ولي لولي العهد ويمكث وزير الخارجية لمدة 40 سنة وتقطع بها الرؤوس ويجلد أبناؤها في الشوارع، وتفوح رائحة فضائح أمرائها وشيوخها في العالم حيث يهدرون المليارات على ملذاتهم وعلى تمويل الإرهاب.
هذه الدولة تلعب ورقتها الأخيرة كأداة أميركية لحشد الجيوش للأنظمة المرتزقة، ولتكون رأس الحربة في طعن الجسد السوري مباشرة بعد هزيمة أدواتها وإرهابييها وهي بذلك تطيح بجيشها وبالجيوش العربية وتهدّد الوطن العربي كله بالانهيار، وتضع العالم برمّته أمام خيار حرائق قد تعيده قروناً وتعيد إنتاج جنون النازية حامية الاحتكارات الرأسمالية.
سيضع فانتازيا الحلم السعودي التركي العالم على حافة الجنون والهاوية وهو مشروع محكوم بالحقائق التالية:
ـ إنّ العدوان على سورية سيدفع محور المقاومة وحلفاءه إلى مزيد من التكاتف ويؤدّي دور الطائرة الروسية نفسه التي أسقطتها تركيا.
ـ ستخوض هذه القوات التي تفتقر للتجانس والخبرات والعقيدة القتالية والمشروع والهدف معركة بعيدة عن قواعدها وتجابه جغرافيا وأهدافاً مجهولة في ظلّ تفوّق جوي مطلق لأعدائها.
ـ سيترتب على طول خطوط الإمداد والابتعاد عن قواعدها صعوبة إخلاء الخسائر وتعويضها وصعوبة التزوّد بالمعدات والتجهيزات والذخائر.
ـ كما ستواجه القوات الغازية صعوبة في القيادة والسيطرة وفي الحشد وتحديد الأهداف والقيام بالعمليات التعرضية.
ـ تحتاج هذه القوات إلى أموال طائلة ستستنزف المزيد من الأموال وتفاقم وتعمّق الأزمة السعودية الاقتصادية، في الوقت الذي ستواصل أسعار النفط انخفاضها بحيث يصبح التمويل رهاناً يهدّد مستقبل الكيان السعودي بالإطاحة.
ـ في حالة إرسال هذه القوات ستخلي الساحة السعودية الداخلية الملتهبة وستفسح المجال للجيش واللجان الشعبية اليمنية للقيام بالعمليات في العمق السعودي، وتتيح للأسرة الحاكمة للانقضاض على بعضها البعض مدفوعة بالأطماع والخلافات على الحكم، كما ستدفع المناطق الشرقية الملتهبة لإشعال الحرائق في العمق السعودي.
ـ سيضع التطرف السعودي التركي الروس والإيرانيين والصينيين من خلفهم أمام خيار هزيمة مشروع محاربتهم الإرهاب أو انتصار التحالف الأميركي الصهيوني التركي الإرهابي، الأمر الذي سيهدّد أمنهم واستقلالهم ويعيدهم الى حظيرة التبعية وهيمنة القطب الأوحد، وقد سرّبت روسيا معلومات عن نيتها القيام بخطوات حاسمة في حالة قيام تركيا بهجوم عسكري على سورية وبنيتها مواجهة الناتو العدو الحقيقي الذي يقف خلف القوة المعتدية إذا اقتضى الأمر ذلك… إذا ستعمل على الجبهة التركية المحتملة للعدوان:
ـ ضرب أهداف عسكرية تركية بقنابل نووية تكتيكية.
ـ تعطيل شبكة الاتصال التركية في خلال بضع دقائق.
وعلى الجبهة الأردنية المحتملة:
ـ سيجد الأردن الرسمي نفسه في مواجهة مع القوات الإيرانية التي ستتمركز على الحدود السورية الجنوبية.
ـ سيكون بنك الأهداف الأردنية تحت مرمى الصواريخ والطائرات المدافعة.
لو كانت موازين القوى تسمح منذ بداية العدوان على سورية بالقيام العدوان الأميركي المباشر لما تردّدت واشنطن للحظة واحدة بالقيام به، أيّ إنّ موازين القوى تميل للكفة المناهضة وتشي بهزيمة العدوان وتبشر بعالم جديد برغم المكاسب الآنية التي ستحققها واشنطن موقتاً.
ثم وفي نهاية المطاف ستتورّط السعودية وتركيا والأردن ومصر وباقي الدول المشاركة في حرب تستنزف بها قدراتها والقدرات السورية وستجد نفسها في خندق العدو الصهيوني منخرطة في عدوان عربي على شعب عربي، مموّل بالمال العربي المنهوب، وهي من دون شك مصلحة أميركية صهيونية.
كل هذا الصخب السعودي التركي لن يعيد عقارب الساعة إلى الخلف، ولن يوقف عجلة الزمن السورية الروسية ومحور المقاومة، سيتطهّر التراب السوري قريباً وقريباً جداً، لكننا لا ننكر أنّ المساعي السعودية التركية الصهيونية تفلح في إيقاع المزيد من الضحايا والدمار في عالمنا العربي، وتضخ المليارات في خزائن شركات الأسلحة والاحتكارات الكبرى، وتبعث الدفئ في صقيع العدو الصهيوني ولو الى حين أن تسطع شمس النصر.