الحريري يعود خاليَ اليدين
روزانا رمّال
لا شيء يوحي بأنّ العلاقة بين قوى الرابع عشر من آذار لا تزال على ما كانت عليه قبل إعلان قطبين منها دعمهما لترشيح شخصيتين من قوى الثامن من آذار لرئاسة الجمهورية، مما جعل فريق 14 آذار كمن ينافس نفسه على النجاح في «إنقاذ الجمهورية» من دون نقاط التقاء، ولا حتى تلك الصورة الجامعة التي أرادها الحريري إعلاناً عن أنّ الفريق لا يزال موحداً ويجتمع ضمن روحية الذكرى.
نجح الحريري في شدّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى الحضور، طالما انّ المناسبة هي للشهيد رفيق الحريري، ونجح ايضاً في «إحضار» وزير العدل أشرف ريفي الى القاعة فاكتمل المشهد، لكنه لم يكن مقنعاً، فلا شيء يبرّر انقسام فريق سياسي يعيش على مشروع واحد وينادي بروحية نظام جديد منذ 2005 على مسألة حساسة مثل ترشيحين متناقضين بهذا الحجم.
هذه المرة يزور الحريري لبنان فارغ اليدين، لكنها المرة الأكثر دقة في تاريخ تياره، فقاعدة الزعيم السني الاكبر في البلاد اهتزت بشكل دقيق هذه المرة، خصوصاً بعد ترشيحه لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية. وهي القاعدة التي لم تفهم شيئاً ولم تتلطّ في معرض بحثها عن الجواب الا خلف ستارة «ضرورة الحوار» في البلاد هكذا قدّم الحريري أعذاره التي تناقض سياسته المتشدّدة تجاه هوية الرئيس في بداية الأزمة في سورية.
أراد الحريري إعادة تجديد ولائه لحركة 14 آذار وثوابتها ايضاً امام فريقه السياسي المنقسم وقاعدته الشعبية المندهشة مما يجري. واذا كانت المصالحة بين المسيحيين قد غلفت التقارب بين العماد عون وسمير جعجع وباركته بعد عداء دام أكثر من 25 سنة، فإن لا شيء يشرح تفضيل الحريري لسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وهو صديق الرئيس السوري ووزير داخلية لبنان السابق يوم الاغتيال الكبير.
سأل الحريري جمهوره «بماذا أخطأت؟» في معرض استفهامه عما بدا لوماً وعتاباً وجّه إليه عن سبب ترشيحه لفرنجية فقال: «ماذا كان دور رفيق الحريري في ذلك الوقت سوى الحوار والتقارب؟». وهنا فإذا كان الحريري الأب ملهماً للحريري الابن، فكان حرياً بالأخير أن يدعو إلى التقارب منذ بداية الفراغ في لبنان، خصوصاً أنّ شيئاً لم ولن يتغيّر في طبيعة التركيبة الداعية إلى التوافق دائماً، خصوصاً على رؤساء الجمهورية، فلماذا اذاً رشح وفريق 14 آذار منذ ذلك اليوم قطباً لو لم يكن حينها عنواناً لمرحلة، وهو جعجع؟
يعلن تناقض الحريري في تبنّيه خصمه سياسياً بداية مرحلة وعنواناً جديداً في المنطقة على فريق 14 آذار تبنّيه، وان يتحمّل تبعات اي انقسام داخله يتحمّل شدّ أواصراها الحريري بنفسه. وهو في هذا الإطار فضّل التمسك بترشيح فرنجية رغم كلّ ما شاب وما يمكن أن يؤثر على شعبيته على أن يتراجع وقد أتته فرصة التعطيل التي يتهم فيها حزب الله.
صوّب الحريري على الحزب مؤكداً أنه لم يتغيّر تجاه موقفه منه ومن سلوكه السياسي في لبنان وخارجه، فحزب الله مادّة دسمة ومفيدة للحشد وضخّ المعنويات، وإيران معه، في التراشق المفترض بين حلفائها في لبنان وحلفاء السعودية. كذلك هو أمر تأكيد فضل السعودية على لبنان وعلى دورها الإيجابي فيه دائماً، لكن كلّ ذلك لا يمنع الزيارة اليتيمة للحريري والتي توضع في إطار الحساب الداخلي المحض لتياره اولاً ولفريق 14 آذار ثانياً الذي ناشدت قياداته السياسية وكوادره الإعلامية أكثر من مرة عودته من أجل إنقاذ ما تبقى من معنويات.
أحرج الرئيس سعد الحريري بترشيحه للوزير سليمان فرنجية الذي رأى فيه طريقاً مؤكداً أو «خطاً عسكرياً» نحو السراي الحكومية وحلّ الأزمة الرئاسية في لبنان، باعتبار أنّ خطوته هذه سيتلقاها حزب الله وفريق 8 آذار انقلاباً بموقف الحريري فيسارعون إلى اقتناص فرصة تحويله واقعاً يصرفونه انتصاراً، فتُحسب أولى النقاط السعودية في البلاد، وهي التي باركت هذا الترشيح، وعلى هذا الأساس حضّر الحريري بزخم ما تقتضيه المهمة من دعم دولي وإقليمي، فكان اتصال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالوزير سليمان فرنجية.
يعود الحريري إلى فرنسا خالي اليدين من دون أن يعزل إمكانية وصول العماد عون إلى الرئاسة، لأنه يدرك أنه لا يستطيع ذلك، مؤكداً أنّ المرشحين لا يزالون ثلاثة عون وفرنجية وهنري الحلو، وبالتالي فإنّ إمكانية التفاهم حول وصول عون للرئاسة مفتوحة بالنسبة للحريري حتى ولو كشف عن أنه لم يكن في نيته ترشيحه مسبقاً. يترقب الحريري اليوم أيّ متغيّر إقليمي مقبل بعد الستاتيكو بالملفين اللبناني واليمني الذي فرضته السعودية بانتظار نتيجة التحرك التركي الذي على ما يبدو منقسماً بشكل كامل بين الطرفين، فالرياض تتبنّى أيّ ردّ تركي داخل سورية وترفع عالياً أحقية تركيا في الردّ على كلّ ما يتهدّد أمنها.
ينتظر الحريري، كما تنتظر المعارضة السورية نتائج التحوّلات الميدانية التي ستفرض على السعودية الخضوع او التمسك او التفاوض على اسم مرشح رئاسي في لبنان مع بدء الحلول في المنطقة، هكذا يناشد أيضاً رياض حجاب المنسحب من المفاوضات على وقع تحرير نبّل والزهراء في شمال سورية من أجل الجلوس في جنيف وعودة التوازن المفقود.
وفي الانتظار يزور الحريري لبنان ضيفاً ويمضي من دون جديد.