خطاب هجومي ناري على سورية وإيران وحزب الله
بعد طول غياب وابتعاد عن هموم لبنان ومعاناته، مُخلياً الساحة لقادة «تيار المستقبل» في بثّ الخطابات التحريضية ضدّ «قوى 8 آذار» عموماً، وحزب الله خصوصاً، عاد رئيس التيار سعد الحريري فجأة من الرياض إلى بيروت مصحوباً بخطاب ناري مركّز ضدّ سورية وإيران وحزب الله، متغافلاً عن دعوات الحوار والتوافق وتمتين الوحدة الوطنية التي يطلقها هؤلاء، ولا سيّما الحزب لمواجهة الأعاصير والعواصف التي تحيط بلبنان، وخصوصاً في مواجهة الخطرين «الإسرائيلي» و التكفيري.
فبالرغم من أنّ الحريري ادّعى اتّباع نهج الاعتدال، وأن ليس له أي دور أو وظيفة إقليمية، بدا من خلال مواقفه محامياً، وإن من دون مرافعة مقنعة، عن السعودية، متبنّياً مواقفها السياسية الحادّة من سورية وإيران وحزب الله، متّهماً هؤلاء في شعارات مكرّرة، بمحاولة السيطرة على لبنان!
أمّا على مستوى الاستحقاقات والشؤون الداخلية، فلم يقارب الحريري الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتدهورة إلا تلميحاً، رابطاً معالجة هذه الأوضاع بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، من دون شرح، لكن تكفي مقاربة الحريري هذا الموضوع أثناء الحديث عن انتخابات رئاسة الجمهورية لاتّضاح المقصود.
وفي حين كان البعض ينتظر من الحريري خطاباً وحدوياً جامعاً، جاء العكس، ولا جديد في كلام الحريري خلاف التحريض المعهود والهجوم بلكنة سعودية بارزة، من دون أن ينسى الغمز من قناة حليفه سمير جعجع على خلفية ترشيح الأخير رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
الاحتفال
مواقف الحريري جاءت خلال كلمته مباشرةً في الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي أُقيم في مجمّع «بيال» في حضور: الرئيس أمين الجميّل، ممثل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي النائب عبد اللطيف الزين، الرئيس فؤاد السنيورة، ممثّل رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الوزير الياس بو صعب، ممثل رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية الوزير ريمون عريجي، ممثّل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، مُفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ووزراء ونوّاب حاليين وسابقين، ممثّل النائب وليد جنبلاط نجله تيمور على رأس وفد، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وعدد من السفراء العرب والأجانب.
وقال الحريري في كلمته: «لا أحد سيتمكّن من السّطو على الجمهورية اللبنانية، لا بترهيب السلاح، ولا بإرهاب التطرّف، ولا بمخالفة الدستور، ولا بالأحكام العسكرية الزائفة، ولا بأيّ وسيلةٍ من وسائل التعطيل والفوضى».
وتابع: «من غير المسموح في هذا الزمن، ممارسة التّرف السياسي، فيما البلاد تعيش فراغاً في موقع الرئاسة، وفيما الحرائق تشتعل حولنا، وليس هناك في العالم من يُطفئ النار، بل متسابقون على صبّ الزيت فوقها».
ودافع عن المملكة السعودية ودول الخليج، معتبراً أنها «لم تبادرنا يوماً بأيّ أذى». وقال: «نحن عرب على رأس السطح، ولن نسمح لأحد بجرِّ لبنان إلى خانة العداء للسعودية ولأشقائه العرب».
وتطرّق إلى الاستحقاق الرئاسي قائلاً: «نحن في هذا المجال، كانت لدينا جرأة المبادرة، وتحريك المياه السياسية الراكدة، من منطلقٍ يتجاوز المصالح الخاصة لتيار المستقبل … الرئاسة تُصنع في لبنان وعلى أيدي اللبنانيين، ونحن من جانبنا، نملك الشجاعة لاتّخاذ الموقف، والإعلان أنّنا لن نخشى وصول أي شريكٍ في الوطن إلى رأس السلطة، طالما يلتزم اتفاق الطائف حدود الدستور والقانون، وحماية العيش المشترك، وتقديم المصلحة الوطنية وسلامة لبنان على سلامة المشاريع الإقليمية».
أضاف: «في هذا الوقت، أربعة من الزعماء المسيحيين، اجتمعوا في بكركي، في البطريركية المارونية، التي نكنّ لها كل احترام وتقدير، واتفقوا، في ما بينهم، وبرعاية بكركي، أنّه ما من مرشّح مقبول لرئاسة الجمهورية إلّا أحد هؤلاء الأربعة».
وذكّر بـ»أننا بدأنا بمحاولة إنهاء الفراغ بالدكتور سمير جعجع، مرشّحنا ومرشّح 14 آذار. نزلنا إلى الجلسة وكل جلسة، 35 مرة، من دون نتيجة، وبقي الفراغ. في هذه الأثناء، طرحت داخل 14 آذار، فكرة أنّه إذا لاقى الرئيس أمين الجميّل قبولاً من قوى 8 آذار أو من أي طرف في 8 آذار، يسحب الدكتور جعجع ترشيحه لمصلحته. هذا الأمر لم يحصل وبقي الفراغ».
واشار إلى «أنّنا لم نرشِّح العماد عون، بعكس ما يقول البعض اليوم، ولا حتّى وعدناه بتأييد ترشيحه، وبقي الفراغ»، معتبراً أنّه «من الأربعة، لم يبقَ إلّا الوزير سليمان فرنجية … فتحنا حواراً مع الوزير فرنجية وتوصّلنا معه إلى تفاهم. هذا التفاهم سمعتموه منه كما هو في مقابلته التلفزيونية، كل ما قيل عندي في البيت كما هو، قاله الوزير فرنجيّة على التلفزيون».
واعتبر أنّ هذه الخطوة خلطت الأوراق وأرغمت الجميع على إعادة وضع إنهاء الفراغ الرئاسي، الذي كان الجميع قد نسيه، في واجهة المشهد السياسي وعلى رأس الأولويات السياسية بالبلد. نحن فخورون بهذه النتيجة. خطوة أدّت بحلفائنا في القوات اللبنانية لأن يتوصّلوا بعد 28 سنة، لمصالحة تاريخية مع التيار الوطني الحر».
وشدّد على «أنّنا كنّا أوّل الداعين وأكثر المرحّبين بهذه المصالحة، وليتها حصلت قبل زمن بعيد. كم كانت وفّرت على المسيحيين وعلى لبنان! خطوة أدّت بالدكتور جعجع إلى أن يقرّر الانسحاب من السباق ويعلن الجنرال عون مرشح القوات اللبنانية لرئاسة الجمهورية. هذا من حقه وحق الجنرال عون في نظامنا الديمقراطي ودستورنا».
وقال: «بات لدينا ثلاثة مرشحين: الوزير فرنجية، الجنرال عون والنائب هنري حلو. ويمكن أن يكون هناك مرشّحون آخرون. تفضّلوا إلى مجلس النوّاب وانتخبوا رئيساً، إلّا إذا كان مرشّحكم الحقيقي هو الفراغ؟»
وأقرّ بوجود تباينات بين قوى 14 آذار، داعياً الأمانة العامة إلى إجراء مراجعة نقدية داخلية بين القوى المذكورة.
وفي الختام، دعا الحريري جميع قادة «قوى 14 آذار» للصعود إلى المنصة لالتقاط صورة جماعية بالمناسبة «تعبيراً عن وحدة 14 آذار».
اتصال من فرنجية
وكان الحريري التقى فور عودته إلى بيروت، في منزله بوادي أبو جميل، وزراء ونوّاب من كتلة «المستقبل». كما تلقّى اتصالاً هاتفياً من النائب فرنجية، معزّياً بذكرى اغتيال والده ولتهنئته بسلامة العودة الى لبنان.