الوقود الألماني وموقعه في النار السورية

جمال رابعة

بالأمس أتحفتنا المستشارة الألمانية ميركل بتصريحات الجديد منها قديم مفاده: «إنّ هدف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع الممتدّ منذ خمس سنوات في سورية هو التوصل إلى حلّ طويل الأجل لا يشمل الرئيس بشار الأسد».

وأضافت في كلمة قوبلت بتصفيق حادّ من المشرّعين الألمان في مجلس النواب البوندستاغ «يتعلق الأمر بإنهاء الحرب في سورية من دون الأسد… لا يمكن للأسد أبداً أن يكون جزءاً من حل طويل الأجل».

هذه التصريحات ترسم الصورة الحقيقية لجملة السياسات العدائية التي تنتهجها ألمانيا لجهة الشعب والدولة السورية بمساهمتها السياسية، والعسكرية، والأمنية، وتأمين الغطاء السياسي في المحافل الدولية لداعمي ومموّلي الإرهاب الدولي، كأردوغان وآل سعود وآل ثاني، متجاهلة بذلك إرادة وقرار وحرية الشعب العربي السوري وخياراته، في اعتداء صارخ على سيادته الوطنية التي قدّم قرباناً لها قوافل من الشهداء.

استهداف ألمانيا للدولة السورية، لجهة حضورها الإقليمي والدولي، وللرئيس بشار الأسد ولدوره الريادي في المنطقة والعالم، وما يعكسه ذلك من آثار ونتائج على استمرارية وجود الكيان الصهيوني المدعوم مالياً وعسكرياً وسياسياً من قبل القيادات الألمانية المتعاقبة تحت وهم وخرافة المحرقة التي قيل إنّ هتلر نفذها بحق اليهود.

هنا لا بدّ من العودة والإشارة الى الأحداث التي تمّ فيها اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، بإشراف سفير واشنطن آنذاك في بيروت جيفري فيلتمان، وفق المعلومات الاستخبارية التي نشرها الكاتب الفرنسي تييري ميسان في شبكة «فولتير»، والدور الذي قامت به ألمانيا والكيان الصهيوني بدلاً من بريطانيا وفرنسا، وبتفويض من واشنطن، لجهة تقديم السلاح النوعي الذي نفذت به العملية، وقيام المحقق الألماني ديتليف ميليس كرئيس للجنة التحقيق وإبعاد الشبهة عن «الموساد الإسرائيلي» الذي نفذ المهمة، ومحاولة توجيه الاتهام إلى الرئيس بشار الأسد والرئيس اللبناني السابق العماد إميل لحود وقادة الأجهزة الأمنية اللبنانية لشنّ العدوان والتدخل العسكري في لبنان، لكن انسحاب القوات السورية من لبنان أبطل ولم يعط المسوّغات والمبرّرات للتدخل.

بعد تولي المستشار الألمانى الأول كونراد أديناور السلطة في عام 1949، ارتكزت السياسة الألمانية إلى أهمية الالتزام المادي والمعنوي بدعم قيام الدولة اليهودية. وفي هذا الإطار، جاءت اتفاقية لوكسمبورغ التي وقعتها ألمانيا مع الكيان الصهيوني فى عام 1952، وتعهّدت بموجبها بتقديم تعويضات مالية لم يسبق لها مثيل لهذا الكيان، بما في ذلك تقديم تعويضات لأفراد من ضحايا «الاضطهاد النازي».

وفي السياق ذاته، شمل التعاون بين الجانبين جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والاجتماعية، والثقافية، والعلمية. ويكفى أن نذكر فى هذا الصدد أنّ التقرير السنوي لوزارة الخارجية الألمانية حول حقوق الإنسان لا يتطرّق مطلقاً إلى الممارسات الصهيونية ضدّ الفلسطينيين،

في عام 2012 وفي شهر تموز قدّمت ألمانيا كلّ التسهيلات والمساعدات للتنسيق بين المجموعات الإرهابية كافة لسفك المزيد من الدماء السورية وإغراق البلاد في بحر من الدماء، وذلك من خلال وضع الهيكلية التنظيمية لـ«الإخوان المسلمين» الذين يقيمون ويحظون برعاية ألمانية منذ القرن الماضي ويقطنون في مدينة آخن ، تحت تصرف هذه المجاميع الإرهابية.

فقد أصبح معلوماً أنّ قرارالهجرة واللاجئين السوريين في ألمانيا جاء بناء على طلب من وزير الصناعات الثقيلة أولريتش غيلو، وأحيل إلى التطبيق من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمفوّض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيرس، إضافة إلى مُضارب البورصة جورج سوروس، وتأسيساً على ذلك، تمّ فتح طرق البلقان فعبرتها مئات الألوف من المهاجرين للعمل في ألمانيا بأجور زهيدة.

حمّلت وزارة الدفاع الروسية الجماعات الإرهابية مسؤولية تدفق اللاجئين إلى تركيا، وكشفت عن معلومات استخبارية مفادها، أنّ أردوغان عقد اجتماعات سرية مع «داعش» لحثها على تهجير المدنيين من الشمال السوري نحو تركيا، وأنّ معظم المُهجّرين هم من عوائل التكفيريين، وبالتالي، لا علاقة للحملة العسكرية الروسية والسورية بموضوع اللاجئين، بدليل أنّ المناطق التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري تعرف أمناً واستقراراً وعودة للمُهجّرين إليها.

هذا القرار المتفق عليه يوضح عمق وحجم التآمر على الدولة السورية بتفريغها من الكوادر العلمية والمهنية والطاقات البشرية الشابة كافة لسدّ النقص الحاصل من القوى العاملة الخبيرة في شريان الاقتصاد الألماني، وبأقل الأجور، من هنا كان لزاماً تصعيد الأعمال الإرهابية وبأوامر من قبل الدول الداعمة والراعية لهذا الإرهاب الدولي من قبل هذه العصابات التكفيرية وعلى كامل الجغرافية السورية للهجرة إلى خارج الوطن.

دور مرسوم لألمانيا تنفذ سيناريواته بدقة وحرفية في المجالات العسكرية والسياسية والمالية والأمنية كافة لجهة الكيان الصهيوني بذريعة التكفير عن جريمة المحرقة بحق اليهود.

إنّ ما تضطلع به المانيا من دور مشبوه باستهداف وجود الدولة السورية تترجمه وتنفذه المستشارة الألمانية ميركل وما زيارتها الأخيرة لأردوغان واتصالاتها الإقليمية والدولية، والتي كان آخرها مؤتمر ميونيخ، إلا تأكيد على بواقع ملموس ومعطيات ومؤشرات أصبحت حقيقة لا لبس فيها إزاء هذا الدور المرسوم والمكشوف.

عضو مجلس الشعب السوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى