رواق القسنطيني في تونس يستضيف أعمالاً متعدّدة الرؤى والأشكال والتجارب
كتب شمس الدين العوني: منحوتات وخزفيات ولوحات زيتية يجمع بينها حلم الفنانين ودهشة الألوان وشجن الذات وهي تجترح ألقها وأملها وألمها. المكان مكانة. تدخل المكان فتأخذك العطور. عطور الفن من حيث هو التنويع الباذخ والمفتوح والمأخوذ والموصول بالعلامة تجاه الحياة. والعلامة هي الإبداع. ثمة خيط رابط بين الأعمال. هو الحلم، فالفن هو السؤال الدال على الكينونة، والكينونة هي العنوان والنبع لحظة الفعل المبتكر.
المكان هو رواق القسنطيني في الأكاديمية التي أنشاها للفنون والحرف في جهة الشرقية، والأعمال المعروضة كانت ضمن المعرض الدولي للفن التشكيلي آذار نيسان 2014 أعمال فنية لعدد كبير من الفنانين التشكيليين التونسيين والعرب والأجانب، بينهم الهادي التركي وعبد الحميد الصقلي وحسن مشيشي ونزيهة السبعي وعمر الغدامسي وسمير الفيتوري وابراهيم العزابي وزهير عباس وسمير شوشان وعائشة دبيش وآمال حجار وعمر حرزالله وماجد قريرة وابراهيم القسنطيني وعلية الكاتب وخليل قويعة ومنى الفرجاني عبد المجيد بن مسعود وطيب بلحاج أحمد وعلي البرقاوي وعبد الحميد بليل وهالة باش طبجي ومروى بن منصور والمرحوم حبيب بوعبانة وحبيب الجمعي وصلوحة حمدي وليلى الركباني… الى جانب يوسف معتوق وماجد قريرة وابراهيم عزاقة من ليبيا وطالب دويك من فلسطين وعبد الصبور شاهين وحسام الدين طويلة من مصر والياس مهراز من المغرب وعبد الجبار النعيمي من العراق ومحمد حداد من الجزائر واميسو حبيب من موريتانيا وحسن بليبل من لبنان والأجانب مانلين شان وارلات ارتواز وايفات بن محمود من تايوان وفرنسا وسلوفاكيا.
منحوتات وخزفيات ولوحات زيتية جمع بينها حلم الفنانين ودهشة الألوان وشجن الذات وهي تجترح ألقها وأملها وألمها في كون من التفاعل الفني والجمالي تجاه الكون، العناصر والأشكال والتفاصيل.
أناقة الفضاء بما يتلاءم مع العرض وجمالياته هيأت للأعمال حيزاً من أريحية التلقي والنظر والتأمل تجاه الجمهور الذي كان كبيراً وجاء للاحتفاء بالأعمال في المعرض الذي عملت على تنسيقه وإعداده بعناية ونجاح الفنانة عائشة دبيش، وهو كما يقول الفنان ابراهيم القسنطيني صاحب الفضاء والفكرة «يمثل مناسبة للجميع تيارات ورؤى وتجارب ومنظمات وأكاديميين وعصاميين، ليكون المرآة العاكسة لهذا الاعتمال الفني التشكيلي الجمالي في تونس ضمن جدلية الاطلاع والإفادة والتواصل بين الفنانين…».
الفنان المصري حسام الطويلة قدم لوحة في المعرض ضمن فن الحروفية الكاليغرافيا حيث عبر بشكل ما عن أصالة الخط العربي في تناسق لوني مع ظلال الحروف في فضاء القماشة موظفا الآية القرآنية وإنك لعلى خلق عظيم .
الفنان حسن المشيشي عرض لوحة عن الفنان الهادي التركي كما رآه حاملاً مشموماً من الريشات ليبرز في ركن من العمل جانب من جهة سيدي بوسعيد.
الفنان التشكيلي الليبي يوسف معتوق عرض لوحة بلا عنوان، لكنها دالة في سياق اشتغاله على العلامة الأمازيغية ضمن فضاء تجريدي يهيمن على القسم الأوفر من العمل حيث الزرقة والبياض وما يحف بهما من ترجمان الحالة. وفي عمل آخر للفنان ابراهيم القسنطيني تحت عنوان «رؤيتي» تبرز الساعة بمفترق شارعي الحبيب بورقيبة ومحمد الخامس، لكن من خلال جمالية مغايرة تصورها الفنان القسنطيني للساعة وفق نظرته الفنية والجمالية. وعمر حرزالله الفنان الفوتوغرافي اشتغل على تناسق وتداخل الألوان في عمل ضمن فنون الفوتوغرافيا. آمال حجار قدمت عملها ضمن التجريديات التي عرفت بها. والفنان عمر الغدامسي عرض لوحة ضمن التقنية المزدوجة تحت عنوان «حالة 1» وهي تجربة يشتغل عليها عمر منذ فترة وتذهب في الأعماق حيث تحتشد أسئلة الجسد والهوية والإنسان والجذور والذاكرة. هو عمل فني وثقافي وما اللوحة إلا تعلة جمالية للقول بالفن كحالة وجدانية حارقة.
الفنان الفلسطيني طالب دويك عرض لوحة بلا عنوان وهي من أعماله التي يشتغل فيها على التراث الفلسطيني الثري خدمة لابراز الخصوصية وتعبيرا عن الهموم والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، بخبرته ضمن وعي جمالي متطور.. الفنان زهير عباس وبعد تجربة مع الفن الفوتوغرافيا يأخذنا الى عمل مميز بهذا المعرض عنوانه «الأثر» فاللوحة حيز من التجريد يتأثث بشيء من العناصر الرمل والخيط ضمن توظيف للشواهد والرموز على نحو من القول بالفن كهاجس جمالي وثقافي واجتماعي ففي اللوحة الثنائية يمكننا رصد التراث الثقافي ضمن حكاية باذخة شكلا ومضموناً. الفنانة عائشة دبيش قدمت عملا فنيا فيه لون من ألوان التعاطي مع الخصوصية التونسية حيث تبرز المرأة بحيائها ضمن نظرة تبرزها وهي تفكر أو تنتظر شيئا ما، ضمن تناسق لوني مع الموضوع بين واقعية حالمة وانطباعية فيها الكثير من النوستالجيا.
لوحة الفنان سمير شوشان عنوانها أمومة، وهي ضمن اشتغاله على حالات تعبيرية مختلفة تجاه الجسد وفيها لعبة الأشكال والألوان وفي ضرب من التجريد. والفنان سمير الفيتوري يسافر في عمله مع الجسد كتيمة جمالية وفلسفية اشتغل عليها وبين لونين من الزرقة والحمرة يبرز الوجه مثل كتاب طاعن في الزمن. والفنانة ليليا الشريف تأخذنا الى الينابيع والتراث في لوحة بلا عنوان حيث الجرار المطلية والمزوقة ضمن الفضاء التجريدي تعبيراً عن الأصالة والمعاصرة وسؤال الفن.
لوحة أخرى معروضة للفنان الراحل الحبيب بوعبانة منجزة سنة 1986 وهي بورتريه للفنان عمار فرحات وفيها لمسات الماتر بوعبانة المعروفة. في لوحة الفنان عبد المجيد بن مسعود حنين جارف تجاه الذات والآخرين ضمن تجريدية حالمة ميزت تجربة بن مسعود المميزة. منحوتة الفنان الطيب بالحاج أحمد تمثل ديكا وذلك بطريقته المعهودة التي يوظف فيها بقايا الحديد وأدوات المعامل والميكانيك.
لوحة الفنان علي البرقاوي بلا عنوان ذهبت بنا هذه المرة الى عوالم التجريد وفق ضرب من التناسق اللوني وفق التقنية المزدوجة وهي تنويع جمالي آخر مع تجربته في فنون البورتريه. والفنان ابراهيم العزابي عرض لوحة فيها تعبير جمالي ضمن الحيز الذي يشتغل عليه لتبرز العلامة والخصوصية والأقنعة وفق تشبع ثقافي واع بالأسطورة. عمل فني فيه الكثير من العمق والبحث المتواصل. وفي عملها الفني الثلاثي تبرز الفنانة مروى بن منصور في ضرب تجريدي التحولات قولا بالحركة والحياة عامة وما يحدث على هذه الأرض من ضجيج مثلاً.
لوحة الفنان خليل قويعة فيها ضرب من الحكاية حيث الأرض ذاك الإطار الوجودي والوجداني والفلسفي عامة، ضمن فسحة من تناسق الأشكال والألوان.
لوحة الفنانة الفرنسية أرلات ارتواز ذات جمالية لونية حيث المزهرية الطافحة بالحلم والود والمحبة، فالألوان تتحاور وتتجاور وتشكل بالنهاية كوناً من الآمال الجميلة. وفوتوغرافيا الفنانة هالة بالشيخ تأخذنا الى الطريق وما يحف بها من جمال وأسئلة. وتقترح ايفات بن محمود علينا كوناً من الرومنتيكية حيث النخيل والشلال والجبل ضمن اشتغال على الألوان مميز. وتقدم الفنانة نائلة بن عياد في عملها الرباعي المميز فسحة جمالية من الألفة بين الألوان والمكتوب وفق تقنية مزدوجة فيها الكثير من الإبداع والإمتاع. وتوظف الفنانة سارة بن عيسى حالات ضمن أشكال تراثية في عمل عنوانه «ألف ليلة وليلة» لتبرز تلك البهجة بين الهلال والدائرة، وما يعنيه ذلك من ثراء جمالي وثقافي في المخزون العربي الإسلامي.
أعمال أخرى تختلف في تجارب أصحابها ورؤاهم تحلت بها ومن خلالها مختلف فضاءات المعرض بأكاديمية الفنان ابراهيم القسنطيني الذي أضفى بروحه المرحة ضرباً من الدعابة في هذا الافتتاح الذي اختتمه بتوزيع شهائد تقدير ومشاركة ليختتم بحفل استقبال حضره مبدعون وفنانون بينهم الممثل المميز رؤوف بن عمرو والفنان اسماعيل حابة عن مهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية. الى جانب جمهور الفضاء ورواده وأحباء الفنون التشكيلية ويتواصل المعرض الى 20 نيسان الجاري.