هكذا كشف الحريري دور تياره في الأزمة السورية… وهكذا يعلن سحبَهُ منها

روزانا رمّال

يتحدّث الرئيس سعد الحريري عن إقامة طويلة في لبنان من دون أن يؤشر حضوره إلى أيّ مبادرة أو متغيّر طرأ على صعيد موقفه من رئاسة الجمهورية، أو حتى مساعيه لإقناع الأفرقاء اللبنانيين جميعاً بتبنّي مرشحه النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. يتحدّث الحريري عنوة عن هذه العودة اليوم من دون ان يوضح أسبابها، واذا كان قد عاد سابقاً إلى لبنان تحت عنوان الهبة السعودية أو الفرنسية وما إلى ذلك من وعود لدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية في لبنان، فإنّ عودته اليوم في إطار إحياء ذكرى اغتيال والده لم تكن مقنعة أو كافية لإيضاح ما يدور في فلك رئيس المستقبل.

يعود الحريري إلى لبنان متجاهلاً المخاطر الأمنية التي تحدّث عنها طويلاً لدى سؤاله عن أسباب الغياب، وفي محاولة لتجنّب مأساة جديدة في البلاد، تفهّم اللبنانيون جزءاً من الأسباب على اعتبار أنّ أحداً لا يريد تكرار ذلك السيناريو المشؤوم بوالده الذي حلّ منذ 11 عاماً، لكن مغادرة الحريري تزامناً مع اشتعال الأزمة السورية، بعد مكوثه في لبنان بعد الاغتيال وترؤسه الحكومة، رسمت أسئلة كثيرة عن علاقة الحريري بذلك المتغيّر في سورية، فبعد أن فرط عقد الاستقرار فيها غادر لبنان بدلاً من أن يغادره قبل أن يهتزّ الحكم السوري، أيّ وهو في ذروة قوته، وهنا فإذا كان الحريري قد غادر لبنان مع بداية الأزمة فإنّ محاولة إقناع قاعدته والمعنيين بأنّ سورية ستعمد إلى تنفيذ عمليات اغتيال كبرى، وهي في هذا الظرف الحساس والقلق، وبعد كلّ ما سبق أن اتهمتها لجنة التحقيق الدولية به من تخطيط وتنفيذ لأكثر من اغتيال في لبنان قبل تبرئتها، لم يكن موفقاً، فلو كانت سورية تودّ القيام بهذا أو لو تمّ التسليم جدلاً بأنّ ما يفكر فيه الحريري صحيح، فإنّ القيام بأيّ عملية من هذا النوع سيزيد من الضرر وتضييق الخناق أكثر فأكثر على النظام، في وقت تواجه فيه سورية حملة عربية وإقليمية ودولية هدفها إسقاط نظامها وسحب كرسيها من الجامعة العربية وتخصيص آخر للمعارضة…

من هنا يتأكد اليوم أنّ لغياب الحريري علاقة بالأزمة السورية في مكان وزمان محدّدين، خصوصاً أنه لم يغب وحده بل مع فريق مستقبلي من ضمنه النائب عقاب صقر.

لا يخفي المقرّبون من الحريري دور تيار المستقبل في مساعدة اللاجئين السوريين وإرسال معونات إلى داخل سورية، لكنهم لا يخفون أيضاً بناء علاقات جيدة جداً بين كوادر من التيار ووجوه وشخصيات من المعارضة السورية، والخضوع لتدريبات إعلامية وفتح قنوات ومنابر تخضع لسلطة المستقبل وحلفه الإقليمي لخدمة كلّ ما يشكل أرضية تعمل على استهداف النظام السوري، ومن جهة أخرى يصعب على تيار المستقبل اليوم إخفاء أدوار لعبها وزير العدل الحالي أشرف ريفي في الشمال لجهة دعم بعض المجموعات المسلحة التي تكشفت اليوم دعماً على الأرض في طرابلس والشمال شعبية فاقت شعبية الحريري حسب التقديرات، بعدما أنجز ريفي الوعود والمهام في تلك الحقبة، وأصبح لبنانياً رأس حربة بين العاملين على إسقاط النظام بشتى الطرق من دون اعتباره خارجاً عن سرب المستقبل، بل تأكيداً على دور المستقبل في الحرب السورية.

اعترافات الشيخ أحمد الأسير بعد إيقافه تمحورت في الجزء الأول حول دعم الحريري لمشروعه في صيدا، وعن اعتبار الأسير أنّ آل الحريري قد تنصّلوا منه أخيراً، بعد فشله اثر دخول الجيش اللبناني، حتى أنّ بعض الشبهات التي أثارت الجدل كانت تتعلق بأحد العاملين في منزل النائبة بهية الحريري، وقد طلبته مديرية الأمن العام للتحقيق معه، وهو مدير المشتريات، أكثر من ذلك لا يمكن تجاهل زيارات ولقاءات الأسير مع حلفاء الحريري بين جنبلاط وقوى 14 آذار والجماعة الإسلامية وكلّ من سانده من شخصيات تياره وصولاً إلى القاعدة الشعبية التي كاد يبنيها في صيدا لولا تدارك الأمر، واليوم يتكرّر الموضوع نفسه مع ريفي في الشمال لولا تدارك الحريري وانعطافته في بعض المواقف تجاه الواقع الجديد، وما ترشيح فرنجية للرئاسة إلا أحد أكبر مؤشرات المرحلة المقبلة وقراءة الحريري وحلفائه صورتَها.

عودة الحريري اليوم توجه أكثر من رسالة بأبعادها، لكن السؤال الأهمّ يبقى هل إقامة الحريري الأطول نسبياً هذه المرة يعني انّ المخاوف الأمنية قد زالت؟ وانّ النظام السوري صار أكثر مقبولية؟ أم أنّ دور الحريري وتياره في الأزمة السورية قد تضاءل وتم سحبه تماماً؟

يبدو أنّ الحريري الذي لن يبقى في لبنان من دون الاطمئنان إلى سير الأمور، كما يراها مناسبة لجهة وصوله إلى رئاسة الحكومة، يجتهد لإصلاح بعض مما أفسدته الأزمة بين الأفرقاء، حتى بات نافراً بعض الشيء أنّ الحريري الذي استعدى كلّ من له علاقة بسورية ونظامها بدأ بتحسين علاقاته مع رموزها بادئ ذي بدء، حتى أصبح المشهد العام استعداء الحريري لإيران وحلفائها في لبنان هو بيت القصيد، واضمحل الضغط الذي كان يشكله المرتبطون بسورية بالنسبة له.

الحريري يعلن استنفاد دور تياره في الأزمة السورية…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى