الجيش السوري يقلب الموازين فهل هو ربع الساعة الأخير؟

جمال الكندي

التقدّم الكبير الذي يحرزه الجيش السوري وحلفاؤه في جنوب البلاد وشمالها على حساب التنظيمات المسلحة المتنوعة التصنيف، بين المعتدلة والإرهابية، بحسب التوصيف الأميركي، ومن يرعى هذه التنظيمات سياسياً ولوجستياً، فكلهم أصابتهم خيبة أمل كبيرة وذلك بسبب سقوط أوراقهم الميدانية، والتي كانت تُستثمر للضغط على الحكومة السورية في أيّ مفاوضات جديدة.

إنّ التقدم الواسع للجيش السوري في الشمال والجنوب، بهدف إغلاق الحدود المفتوحة مع تركيا والأردن، وسقوط المدن والقرى المحسوبة على هذه التنظيمات المسلحة والمدعومة من تركيا وحلفائها، قلبا جميع الموازين وغيّرا من استراتيجية التعامل مع الوضع الميداني السوري، وأثرا سلباً على ما يسمّى بحلف الرياض. فميزان القوى العسكرية الذي تغيّر في الشمال السوري كان بمثابة رصاصة الرحمة للمشروع الأردوغاني في إقامة المنطقة العازلة في شمال سورية وهو حلم لم ولن يتحقق بفضل سواعد الجيش العربي السوري، والتغطية الجوية الروسية التي لها أهداف ميدانية واضحة المعالم، وهي القضاء على فوضى الجماعات المسلحة في سورية الغير مؤيدة للحلّ السلمي، والتي تتحالف مع «داعش» و«النصرة» في بعض المناطق السورية، وتؤخر الأرضية المناسبة التي من خلالها يتمّ الاتفاق مع الحكومة السورية على بنود محاربة الإرهاب، وإيجاد الحلّ السلمي التوافقي مع الحكومة السورية. وما تأخر حلفاء أميركا عن تسمية هذه الجماعات والتي يعلمون بأنها إرهابية وخارج المشروع السياسي الجديد في سورية، إلا تعبير عن الخوف من تقوية الذراع السياسية والعسكرية للحكومة السورية، وهذه الهيستيريا التي أصابت حلفاء أميركا بعد التقدّم الكبير للجيش السوري هي بسبب تساقط أدواتهم في الداخل السوري، ما أدى إلى تناثر أوراقهم السياسية في جنيف 3 فكان الانسحاب من المفاوضات هو العنوان البارز.

مدخلات الميدان مخرجات السياسية، والمدخل الميداني الجديد في الشمال والجنوب السوري غيّر من اللهجة السياسية لمحركي هذه الجماعات المسلحة في سورية فأصبح التدخل المباشر في سورية عنواناً يُطرح في الأروقة السياسية، وتتم مناقشته بجديدة من قبل حلفاء أميركا تحت مسمّى محاربة «داعش» في المنطقة، وهي تغطية سياسية ورافعة للجماعات المسلحة بعد إخفاقاتها الكبيرة أمام الجيش السوري وحلفائه.

«داعش» في سورية منذ زمن، ولا يقتصر وجوده على سورية فقط، فأين اليمن والعراق وليبيا من أولويات حلفاء أميركا؟ ألا تستحق هذه الدول فزعتهم؟ إنّ التلويح بدخول قوات برية من تركية وسعودية يجعلنا نتساءل عمّن ستحاربهم هذه القوات ومع من ستنسق على الأرض وهل ستعتبر قواتاً غازية ومحتلة إذا لم تنسق مع الحكومة السورية؟ كيف ستنسِّق مع الدولة السورية وهي في الأساس لا تعترف بها وتدعوا إلى إسقاطها؟ والسؤال المباشر: هل هذه القوات ستأتي فعلاً لمحاربة «داعش» أم أنّ مهمّتها خلط الأوراق الميدانية في سورية وتأخير مسألة إغلاق الحدود المفتوحة مع تركيا والأردن؟

إنّ محاربة «داعش» و«النصرة» على الأرض لا تكون إلا بالتنسيق المباشر مع الحكومة السورية، إذا كان غرض إرسال هذه الجيوش من أجل القضاء عليهما فعلاً لا قولاً، أما غير ذلك فهو في عرف القوانين الدولية عدواناً على دولة مستقلة وعضو في هيئة الأمم المتحدة، ويحقّ لها ولمن يتحالف معها الدفاع عن أي بقعة من جغرافيتها تصل إليها هذه القوات باعتبارها قوات محتلة، وما إلقاء الكرة في الملعب الأميركي لقيادة هذا الحلف الجديد إلا لإعطائه صبغة دولية، والسؤال هنا: هل تدخل أميركا في حرب وهي على مشارف انتخابات رئاسية، في وسط هذا الجو الاقتصادي المتردي؟ واضح أنّ هدف الإعلان عن هذا الحلف الذي يريد دخول الأراضي السورية هو رفع معنويات الجماعات المسلحة التي تتهاوى أمام الجيش السوري، وهو بالون اختبار لأميركا لقياس مدى جديتها في الدخول في مواجهة مع الروس من أجل عيون المعارضة السورية.

التوافق الأميركي ـ الروسي في سورية لإيجاد الأرضية المناسبة لحلّ الأزمة والذي يحدث في بعض الأحيان في غياب حلفاء أميركا، هو جزء من اللعبة السياسية بين الكبار، ويدرك ذلك حلفاء أميركا من العرب وغيرهم، والتسريبات التي نشرت عن جون كيري التي قال فيها لأحد المعارضين السوريين: «أتريدوننا أن نُحارب الروس من أجلكم»؟ تلخص المسالة وتضع النقاط على الحروف، وتثبت أن لا وجود لحرب بين الروس والأميركيين من أجل المعارضة السورية، وأنّ هناك تنسيقاً، ولو كان بحدوده الدنيا، بين أميركا وروسيا حول الحرب على الإرهاب في سورية، وهذا ما لا تريد المعارضة السورية أن تتصوره وتضعه واقعاً على الأرض لذلك تطلب من الأميركيين الموافقة على قيادة تحرك برّي يقلب الموازين لصالح الجماعات المسلحة التي تتبناها المعارضة الخارجية.

«جنيف 3» قادم وبصورة مغايرة هذه المرة بسبب انتصارات الجيش العربي السوري، والمعادلة السياسية لحلّ الأزمة السورية تغيّرت بإشراك طيف واسع من المعارضة السورية في الداخل والخارج وإيجاد حلّ سياسي توافقي مع المعارضة، والقبول بأن يكون الرئيس السوري بشار الأسد على رأس هذه الحكومة التوافقية والتي من خلالها سترسم استراتيجية جديدة في محاربة كلّ الجماعات المسلحة بكافة تنوعاتها ومرجعيتها، والتي لا تؤمن بالحلّ السياسي وبالتعدُّدية السياسية وبوحدة التراب السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى