ما مدى جدّية الطرف الأميركي لحلّ الأزمة السوريّة؟
محمّد علي القايدي
بعد الضربات الموجعة والدقيقة التي تلقتها المجموعات الإرهابيّة في سورية من قبل سلاح الجوّ الروسي، بالتنسيق مع الجيش العربي السوري الذي حقّق مكاسب وانتصارات ميدانيّة، باستعادته العديد من المناطق والقرى والمدن وتحريرها من قبضة «داعش» و»جبهة النصرة» و»جيش الإسلام»، وبسط سيطرة الدولة عليها.
وإزاء التطوّرات الميدانيّة غير السارّة ازداد قلق وانزعاج الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفائها من احتمال فشل مخطّطاتهم التي تستهدف النظام السوري. فبدأت الاتهامات تنهال على روسيا متهمين طيرانها الحربي باستهداف المدنيين وطالب كيري جهاراً نهاراً بوقف الغارات الجويّة الروسيّة، وخاصة ضدّ جيوب «المعارضة المعتدلة» التي ترفع السلاح ضدّ الدولة، وتحاصر المدنيين وتحوّلهم إلى دروع بشريّة. وأمام تنامي النفوذ الروسي في المنطقة والهزيمة المحتملة لفصائل المعارضة و»داعش»، ها هي أميركا تلجأ كالعادة إلى أساليبها المعهودة والمتمثلة في إرهاب خصومها، قامت باستنفار حلف الناتو، وقرّرت تعزيز دفاعاتها في أوروبا لمواجهة المدّ الروسي المتنامي، وذلك بإرسالها طائرات «الأواكس» لمراقبة تحركات الجيش الروسي، وكذلك مضاعفتها لموازنة دفاعها ثلاث مرّات من دون تخصيص مبالغ إضافيّة لمحاربة «داعش» كما تزعم، وتشجيعها العلني والمبطن للسعوديّة وتركيا والدفع بهما لإرسال قوّات جوّية وبرّية إلى سورية بدعوى محاربة «داعش»، هذا في الظاهر، لكن الأهداف الحقيقيّة غير المعلنة هي قضم جزء كبير من الأراضي السوريّة واحتلالها، أيّ إنشاء منطقة عازلة لإقامة مخيمات للفارّين من ساحات القتال داخل الأراضي السوريّة، أيّ فرض واقع جديد على الأرض، وكذلك تعزيز الوجود الميداني لبعض فصائل المعارضة الموالية لها.
كلّ هذه الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركيّة على الجانب الروسي والسوري القصد منها انتزاع «وقف فوري لإطلاق النار» من دون شروط مسبّقة، وهي في سباق مع الزمن، لأنّ المتغيّرات على الأرض غير مطمئنة، وخشية أن يحصل المحظور بإلحاق الهزيمة بالتنظيمات الإرهابية التي تتلقّى الدعم من أميركا وحلف الناتو وتركيا ودول الخليج وعلى رأسها السعوديّة، سارعت أميركا وحلفاؤها إلى عقد محادثات في ميونيخ بألمانيا لبحث الأوضاع الأمنيّة في كلّ من سورية وليبيا، ولفرض قرارات ظاهرها رحمة وباطنها نقمة، فكلا البلدان مهدّدان بالاجتياح بعد أن أعطت أميركا الضوء الأخضر للجيشين… التركي الذي بدأ يقصف المناطق الحدوديّة التي يسكنها الأكراد داخل الأراضي السوريّة، والسعودي الذي أرسل طائراته إلى قاعدة «انجرليك» التركية تحضيراً لبدء عمليّة برّية ضد سورية عبر الحدود التركيّة.
فأميركا غير جادّة في إيجاد حلّ عاجل للحرب في سورية أو لمحاربة الإرهاب، فهي وحلفاؤها من عرب وترك وخدمة للكيان الصهيوني الغاصب يريدون رأس النظام بعد عمليّة التدمير الممنهج للبنيّة التحتيّة والصناعيّة والخدماتيّة ووقف الإنتاج الزراعي لتجويع شعب كامل، بغية إسقاط النظام، أيّ باختصار هي حرب عالميّة بالوكالة تحت شعار «ثورة الشعب السوري ضدّ دكتاتوريّة النظام القائم»، لأنّه لم يرضخ ولم يخضع لإملاءات أميركا، ولم يفكّر قطّ في توقيع «اتّفاق سلام» مع الكيان الصهيوني المزروع في قلب الوطن العربي، على غرار ما فعلت مصر والأردن.
فإذا ما نفذت السعوديّة مخططاتها وتخطت قواتها الحدود السوريّة فلا أظنّ أنّ الجيش العرب السوري وحلفاءه سيبقون مكتوفي الأيدي أمام التهديدات والانتهاكات التركيّة السعوديّة، فقد تتطوّر الأمور وتتسع رقعة الحرب وتتحوّل إلى حرب عالميّة ثالثة مدمّرة لا يعلم بنتائجها إلاّ الله. فأميركا لا تعي خطورة لعبها بالنّار وتأجيجها للنزاعات لكونها مصابة بـ»جنون العظمة»، فهي لم تتعظ من حروبها السابقة وأخصّ بالذكر أفغانستان والعراق… وفيتنام حيث مُنيت بهزيمة نكراء مدوّية.
أميركا وإرضاء لابنتها بالتبنّي في المنطقة تعمل على خلق بؤر توتر بتأجيجها للصراعات المذهبيّة بين أبناء الوطن الواحد، كما هو الشأن في اليمن الذي حوّلته السعوديّة إلى «يمن تعيس»، للتعتيم والتغطية على ما يحدث من جرائم قتل يوميّاً ضدّ المدنيين الفلسطينيين في الضفّة والقطاع، مع العلم أنّ إشعال نيران الفتن والحروب بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد لا يخدم السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.