قل كلمتك وامشِ… في عيد الحبّ

في عيد الحبّ عيشوا فرح عيد الحبّ، عيشوا فرح إسعاد من تحبّون، وتساءلوا إن فعلتم ذلك لتعرفوا إن كنتم تحبّون. ولو بكلمة أو موقف أو فعل. وكم مضى من الوقت وأنتم تنشغلون بأمور أخرى عنهم… أزواجكم وآباؤكم وأولادكم وأصدقاؤكم ومن تصفونه بالحبيب. وكم مضى من الوقت تتلقّون إشارات السعي لزرع الفرح في قلوبكم ولا تفعلون المثل. فالحبّ حال انشغال يبدأ وينتهي بالانشغال. وهو شعور لا يسيطر عليه لا بالتقصّد ولا بالتجاهل. فالحبيب هو المنشغل بما يهمّ الحبيب ويدخل فرحاً إلى قلبه ويريد الاطمئنان إلى أنه فعل. أما المنشغل بما يرضيه ولو بالشكوى والطلب والسعي لبلوغ الفرح، ويعبّر عن شعور بالحبّ فهو راغب بأن يحبّ. ومعجب بما يبذل له وفرح بكونه محور اهتمام، لكنه لم يجد الحبّ بعد. فالحبّ هو تنازل عن «الأنا» ولو لحين، وشعور بالتخلّي بفرح ليتحقّق التجلّي في موضع نفس أخرى وبفرح أيضاً. ومن يحبّ لا يعرف أن يقيم المقارنات ولا أن يتساءل عن مقبّلات ومغريات ولا يرى نواقص ولا عيوباً يراها الآخرون في حبّه وحبيبه. ولا يشعر بفراغ من ضيق الحال ونقص الأموال ولا بغياب المباهج والهدايا والاحتفالات والتسوّق والرفاه. ويسير كثيراً عكس تقاليد المجتمع ومظاهره ومعاييره. وفي عيد الحبّ تساءلوا إن كنتم تحبّون بأن تعلموا أن الحبّ هو شعور يشبه الليل بالغموض، لا شبيهاً للنهار بالوضوح، ولذلك يأتلف الحبّ والليل. ويشبّه الشعر بالخيال لا النثر بالواقعية. ولذلك يأتلف الحبّ والشعر، ويشبّه الموسيقى بالنغم الذي ينتجه احتكاك مصقول وموزون ومنسجم لا صدور الأصوات من احتكاك الأشياء بلا نظام. والشعور بالحبّ ممزوج ببعض من حزن أو خشية أو قلق أو تردّد وإلا ما كان حبّاً بل صار إعجاباً بمقام أو مكان أو موقف أو أداء أو شكل أو مال. وهذا النقص الذي يمنح الحبّ جماليته هو مصدر الغموض فيه. وهو حزن على ما لن يتحقق أو لم تيحقق أو صعب التحقق أو خشية من قول أو فعل أو انكشاف أمر أو تردّد لنقص في الحبيب يظهر ويغيب. وهي عيوب تمنح الحبّ إنسانيته وتنزله من عرش الألوهة، فتختلط الابتسامة بدمعة أو بغصّة أو بانقباض في رأس المعدة أو لهاث من قلق أو خوف. وغالباً ما لا يكون الشعور بالحبّ ممزوجاً بالمخاوف والأحزان ذاتها من طرفيه فتكون نكهته مختلفه عندهما. و يكون لكلّ منهما مخاوفه وأحزانه وخشيته ومصادر قلقه وتردّده. وأحياناً يكون التباين كما في روافد الأنهار مشاعر تصبّ في مجرى نهر والمجرى رافد لمجرى نهر آخر. فتنتظم سلسلة من الغموض في البحث عن ذات إنسانية تائهة بين من يريد إرضاء من ومن يريد إرضاء آخر. ولكلّ عذر وسبب وتفسير فتلك هي الحياة، أن نريد أشياء كثيرة وأن يريد الآخرون أشياء كثيرة وأن نتمسك بما نريد وندافع عنه والغير يدافعون. ونرسم صوراً افتراضية بهية نزينها ونطلق عليها أجمل الأسماء لما نريد وهم يزيّنون ويرسمون.

ليكون الحبّ حجّة الفوضى التي ندخلها على انتظام الحياة كما نتخيّلها، لأننا لا نعلم أن الحياة قائمة أصلاً على شبهة انتظام عدم التصادم بين فوضى مكوّناتها من حركة الكواكب إلى حركة المشاعر والقلوب.

طوبى للّذين يملكون قلوباً تعرف كيف تزرع الفرح بلا مقابل ولمدى أوسع من التخصيص. إنهم أهل الحبّ الحقيقيون، لذلك كان الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر، لأنّ ألف باء الحبّ النبل وروحه الكرم. ولو أعدتم قراءة النصّ بعين العلاقة بين شهيد والوطن لوجدتم الأمر أشدّ وضوحاً والإضافة ليست إلا أنسنة للشهادة كتعبير عن حبّ لا يرقى إليه حبّ آخر. حبّ لا يعنيه ماذا يقول فيه الناس ولا همّ فيه لما يحدث بعده ولا هدف مرتجى فيه للوصول ولا يعنيه أصلاً كيف يتلقاه الحبيب، ولا ينتظر جزاءً ولا شكوراً. الحبّ أن تكونوا شهداء، فهل تحبّون؟ أوطانكم أولاً ثمّ من تفترضون أنكم تحبّون؟ أم هي فوضى الحياة وأنتم في قلبها تعيشون؟ تتلاطم أمواجها وبين اللجّ يعيش الناس كما تعيشون؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى