تفاهم روسي أميركي رادع لتركيا… والسعودية ترهن تدخّلها بقرار واشنطن معارك أعزاز وإدلب: نقل مسلحين وغطاء ناري… آخر حروب أردوغان
كتب المحرّر السياسي
تلاشت العنتريات التركية والسعودية التي حفلت بها الأيام الماضية، فدخلت أنقرة في تجاذب علني مع واشنطن حول الموقف من لجان الحماية الكردية وتصنيفها كتنظيم إرهابي، ووصل الرئيس التركي رجب أردوغان في لحظة انفعال إلى القول إنّ على واشنطن أن تختار بين تركيا واللجان الكردية، مجيباً هل يعقل مساواة دولة بعظمة تركيا مع عصابة مسلحة، ليأتي الردّ الأميركي قاسياً على اتهامات تركيا للجان الحماية الكردية، بنفي أيّ اتهامات للجان بالتبعية لروسيا والدولة السورية وتأكيد علاقة التعاون الاستراتيجية التي تربطها بواشنطن.
تراجعت أنقرة عن خطاب التلويح بالتدخل البري، وصار سقف آخر حروب أردوغان في سورية هو الرهان على حماية الجماعات المسلحة في اعزاز وإدلب عبر دمج مصيرهما، برعاية نقل مئات المسلحين من إدلب عبر الأراضي التركية لحماية أعزاز وتقديم التغطية النارية المدفعية، لعملية الانتقال من جهة والمواجهات العسكرية من جهة أخرى، بينما تحدّثت مصادر الجماعات المسلحة في ظهور علني على قناة «العربية» التابعة للسعودية عن عدم التكافؤ بين القدرة النارية التي يوفرها لهم القصف المدفعي التركي مقارنة بدقة وكثافة وفعالية النيران التي تتاح لخصومهم الأكراد من سلاح الجو الروسي.
السعودية سارعت إلى التموضع تحت سقف جديد مريح، وهو ربط التدخل البري بحدود ما يطلبه ويقرّره التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضدّ «داعش»، وربط وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بين توسيع نطاق الحرب على «داعش» بالنسبة للسعودية لتطال الدولة السورية، بالقول، نحن جزء من تحالف وما يقرّره سنكون جزءاً منه.
السياق يبدو من خلال صورة التموضع الراهن للقوى نحو هزيمة تركية في سورية، وسعي سعودي لتجنّب المصير نفسه، وما قد يفيده ذلك في تحييد جماعاته وفي مقدّمها «جيش الإسلام» من التصنيف على لائحة الإرهاب التي بات محسوماً وفقاً لمصادر أممية أن تضمّ «أحرار الشام» المحسوبين على تركيا.
لبنانياً طغى الحديث عن فضائحية صفقة ترحيل النفايات، بعدما تعثر التنفيذ بسبب غموض متعدّد الوجوه حول هوية ومؤهّلات الشركة المنفذة، شكل سبباً لتأخير إنجاز الوثائق اللازمة للمباشرة بالتنفيذ، ما فتح الباب لتساؤلات كثيرة حول أيدٍ خفية سهّلت وأيدٍ خفية أخرى عطّلت، وحول صراع بين المستفيدين والساعين للاستفادة، ليتمّ ترحيل الملف مجدّداً بدلاً من ترحيل النفايات.
سياسياً تراجع الحديث الرئاسي عن جلسة الثاني من آذار بعدما نفت مصادر في فريق الثامن من آذار أنباء عقد اجتماع لأقطابه في اليومين الماضيين، ونفت في المقابل الحديث عن تفاهمات ضمنية على ترتيب يؤمّن النصاب دون توافق شامل ويؤدّي إلى انتخاب رئيس دون هذا التوافق، بينما بدا أنّ الإيحاء بذلك من فريق الرئيس سعد الدين الحريري، جسّ نبض وزكزكة إعلامية، فهَمُّ الحريري الأول بعدما حصد صوراً تذكارية ولو مشوّشة مع أركان فريق الرابع عشر من آذار بالجملة والمفرّق، هو استحقاق الانتخابات البلدية التي لا يملك مفاتيح جاهزة لتأجيلها في ظلّ الاهتراء الذي يعاني منه تياره السياسي، فقرّر الانصراف حتى موعدها في حزيران المقبل إلى ترتيب البيت الداخلي، وتلزيم المناطق للذين شاكسوا بعد استجلابهم إلى «بيت الطاعة في الوسط»، وهذا ما حدث بالنسبة لمحافظة الشمال حيث التفاهم مع وزير العدل أشرف ريفي للإمساك بملف طرابلس ومع النائب خالد الضاهر للإمساك بملف عكار، رغم ما أثاره هذا التفويض من لغط وخلافات داخل كوادر وقيادات المستقبل، وقالت مصادر متابعة لحركة الحريري يبدو أنّ الحضور الرئاسي في حركة الحريري سيتراجع حتى حزيران وانجلاء الغيم البلدي، تزامناً مع تطورات سورية، فيعود للحديث الرئاسي مكانه.
لا تحالف رباعيّ
أكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» أنّ ما يُحكى عن تحالف رباعي لا أساس له من الصحة»، مشيرة إلى «أنّ رئيس المجلس هو راعي الحوار الوطني ومنفتح على كلّ الكتل النيابية وتربطه علاقات جيدة مع محتلف المكوّنات السياسية وإلا لما كان نجح في عقد طاولة الحوار». ورفضت المصادر الحديث عن تحالفات رباعية أو ثلاثية مشيرة إلى «خلط الأوراق الحاصل على ضفتي 8 و14 آذار». وشدّدت المصادر على أنّ «البلد لا ينقذه إلا التفاهم على غرار الذي حصل في الدوحة»، لافتة إلى أنّ البلد لا يحتمل انقسامات جديدة. وأشارت إلى أنّ مرحلة التحالف الرباعي في انتخابات عام 2005 تختلف ظروفها عن اليوم، فالتحالفات بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تكن مكتملة إلى حدّ ما، أما اليوم فالوضع تغيَّر وهناك حرص داخل فريق 8 آذار والجنرال ميشال عون على أن لا تفرط الأمور داخل هذا الصفّ».
ولفتت المصادر إلى «أنّ الموقف الرسمي من الاستحقاق الرئاسي ودعم مرشح من المرشحين المحسوبين على فريق 8 آذار لم يحصل»، مشيرة إلى «أنّ هذا الموقف يصدر عن كتلة التحرير والتنمية التي لم تجتمع حتى الساعة»، والرئيس بري ليس محشوراً في إبداء موقفه فهو على علاقة جيّدة بالعماد عون وبالنائب سليمان فرنجية.
فرنجية لا يخرج عن إرادة السيّد والعماد
وأكد مصدر مطلع مقرّب من الرابية لـ«البناء» «أنّ رئيس تيار المردة لن يخرج عن إرادة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون». وأشارت إلى «أنّ التحالف الرباعي الذي أشير إليه لا يُربكنا ولا يقلقنا بل يؤكد مقولة إنّ ثمة من يسعى إلى إحياء شبكة المصالح الرباعية، لكن الأمر دونه موقف واضح من الرئيس بري والنائب فرنجية، على الأقلّ لاعتبارات معروفة شيعياً ومسيحياً وإقليمياً، وتحديداً لاعتبارات سورية وإيرانية». ولفت المصدر إلى أنه «لم يعد لشبكة المصالح أن تتحكم بالقرار في لبنان في ظلّ تحديات الإقليم والأخطار على الكيان في لبنان».
ولفت المصدر إلى أنّ عودة الحريري تقف عند سعيه إلى لمّ شمل 14 آذار، ففي تيار المستقبل ما يكفيه من هموم لكي ينصرف إلى الاستحقاق الرئاسي، فالاستحقاق البلدي يرهقه في المدن الرئيسية التي يتمثل فيها هذا التيار، فليحافظ عليها قبل أن يسمّي رئيس جمهورية لبنان، هذا انْ حصلت الانتخابات البلدية ويجب ان تحصل إذا لم يحدث ما ليس في الحسبان». وتمنّى المصدر أن لا تكون المملكة العربية السعودية في وارد تصفية حساباتها في لبنان. وهذا التمني هو أكثر من تمنٍّ إذا صدقت التأكيدات والتطمينات التي تأتينا بالواسطة او بالمباشر من الجانب السعودي، وهذا لا يعني على الإطلاق أننا ننام على وسادة من حرير، بل نحن نرصد كلّ حركة وكلّ كلمة وكلّ لقاء في كلّ حين».
وأعلن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «أنّ كلّ مشكلتنا مع الطرف الآخر أنه يريد لبنان ولاية سعودية ونحن نريد لبنان للبنانيين، وهذه المشكلة. الكلّ يعلم أنّ الانتخابات الرئاسية كانت عقدة في مرحلة من المراحل، لأنّ وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل وقتها قال لا لرئيس الجمهورية، وكلّ الناس تعرف أنه كانت لدى السيد سعد الحريري نيّة بنسبة ما أن يعالج المسألة، لكن الأوامر الملكية منعته من ذلك، هل هذه وطنية؟! هل من الوطنية أن تكون الأوامر من الخارج وأن تكون مرتبطة بالمصالح السعودية؟»
عون إلى روسيا
وفيما احتفل بعيد ميلاده الـ 81، يستعدّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون للانتقال إلى روسيا منتصف الأسبوع المقبل في رحلة تستمرّ ثلاثة أيام تلبية لدعوة للمشاركة في مؤتمر دولي يشارك فيه رؤساء دول ووزراء خارجية، أبرزهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
النفايات… إلى المطامر درّ
إلى ذلك أخذ ملف النفايات الحيّز الأكبر من اجتماع مجلس الوزراء، واستمرّت النقاشات والسجالات لنحو 4 ساعات حول الترحيل وجدية شركة «شينوك» والعودة إلى إقامة مطامر صحية وتنفيذ الخطة المستدامة. وأشار وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» إلى «أنّ رئيس الحكومة تمام سلام عرض لكلّ المراحل التي واكبت أزمة النفايات، وصولاً إلى خيار الترحيل الذي اتخذ تحت ضغط الضرورة». ولفت إلى أنّ مجلس الوزراء بحث أمس، في الحلول البديلة إذا سقط خيار الترحيل، لا سيما أنّ الشركة أُمهِلت حتى الساعة العاشرة من صباح غد اليوم لتقديم المستندات المطلوبة، وإذا لم تقدّم بالشكل المطلوب فسيلغى العقد معها». ولفت إلى «أنّ رئيس الحكومة دعا اللجنة المكلفة دراسة ملف النفايات لتضع خيار المطامر موضع التنفيذ». وتحدّث جريج عن المطامر في سرار والسلسلة الشرقية وعن إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة 7 أيام وإيجاد مطمر آخر لاستيعاب نفايات بيروت والمتن وكسروان، ولفت إلى أنّ عرقلة إقامة مطامر في المناطق اللبنانية لم تعد مسموحة، فهناك إجماع من الوزراء الذين يمثلون القوى السياسية وتصميم على فرض حلّ «المطامر فرضاً وتأمين الغطاء السياسي لذلك».
أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي خرج من مجلس الوزراء، مكتفياً بعبارة «ما فهمت شي»، أكد لـ«البناء» «أن لا أحد بريء، فهناك قلة جدارة وقلة شرف وقلة وطنية»، متحدّثاً عن منظومة سياسية مالية وجدت في النفايات سبيلاً لإعادة إحياء مصالحها ومشاريعها على حساب صحة المواطن».
أما وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب فأشار لـ«البناء» إلى «أنّ مجلس الوزراء تأكد أنّ هذه الشركة ليست جدية، وهذا ما حذرنا منه منذ البداية، واتهمنا في مجلس الوزراء بالمزايدة، بطرحنا تساؤلات عن الشركة وجدّيتها ومن تفاهم معها والوجهة التي سترحّل إليها النفايات، واليوم وصلنا إلى أنّ هذه الشركة شينوك لم تحصل على موافقة روسية لترحيل النفايات، وكلّ ما قامت به هو أنها حصلت على عقد من الحكومة». وذكر أنه والوزير جبران باسيل رفضا التوقيع على مرسوم 50 مليون دولار. وأكد بوصعب «أنّ الحكومة ستعود إلى خيار المطامر لكلّ المناطق فترة مرحلية، وصولاً إلى اعتماد اللامركزية من خلال إعطاء البلديات مخصصاتها».
اللجنة الوزارية تجتمع السبت
وفي سياق متصل، سجل النائب محمد الصفدي استغرابه لعدم تحرك النيابة العامة التمييزية للتحقيق في ما حُكي عن تزوير في هذا الملف، كما استغربت مصادر وزارية لـ«البناء» كيف قدّم المحامي زياد رامز خازن وكيل شركة «شينوك» اعتزاله وكالته عن الشركة قبل أن تنتهي المهلة التي منحتها الحكومة لها لتأمين المستندات المطلوبة»، جازمة أن «لا اتصالات حصلت بين الشركة الغامضة والتي تحوم عليها علامات استفهام كبيرة والجهات المعنية في روسيا»، ولفتت المصادر إلى «أنّ اللجنة الوزارية ستعقد غداً السبت اجتماعاً لاتخاذ التدابير القانونية بحق «شينوك» وستلجأ إلى موضوع المطامر».