هل تكشف السعودية خلافاً استراتيجياً مع فرنساً؟
روزانا رمّال
في كلّ مرة يتحدث فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمام اللبنانيين والعالم يصبح من المتوقع استغلال المناسبة لتوجيه المزيد من الضغوط المعنوية والسياسية على لبنان، باعتبار أنّ موقف الحزب بات يشكل عبئاً على الدول المجاورة التي تعتبر نفسها راعية للملف اللبناني، وأبرزها المملكة العربية السعودية.
تتحدّث المملكة اليوم عن سلسلة قرارات اتخذتها بحق لبنان جراء آخر كلام للسيّد نصرالله عن عزمه تصعيد المشهد الميداني، إذا ما تمّ التقدّم نحو خيار تدخّل عسكري تركي سعودي في سورية، رابطاً الملف بحلّ أزمة المنطقة برمّتها، لكنها تضيف أنّ السبب ليس الحزب وحده بل ما وراءه من تحالفات تصبّ في خانة دعم مواقفه، فكان أن اعتبرت أحد أسباب هذه القرارات موقف وزير خارجية لبنان جبران باسيل، حليف حزب الله، في الجامعة العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، في معرض ردّه على دخول لبنان في «التحالف الإسلامي» ورفضه سلوك السعودية وارتجالها ضمّ لبنان إلى لائحة الموافقين على المشاركة، معتبراً أن هذا الأمر هو أمر سيادي.
تتخذ المملكة العربية السعودية تحديداً اليوم قرار إيقاف المساعدات المقرّرة من تسليح الجيش اللبناني عن طريق فرنسا وقدرها ثلاثة مليارات دولار أميركي، وإيقاف ما تبقّى من مساعدة المملكة المقرّرة بمليار دولار أميركي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.
ربما تدرك المملكة أكثر من أيّ وقت مضى ضعف نفوذها تدريجياً في لبنان، وأنها غير قادرة على التحكم بمفاصل قراراته، لكنها من دون شك تعزو ذلك إلى أسباب أكبر من اعتبار فرض مواقف حزب الله في البلاد فقط، بل إلى تغيّرات إقليمية كبرى سحبت من تحتها البساط وإيران الحاضر الأخطر في كلّ ذلك بالنسبة للمملكة.
استهداف التيار الوطني الحر من ضمن العقوبات السعودية، أيّ اعتبار أنّ مواقف التيار واحدة من أسباب الضرر الذي يلحق بلبنان، ليس إلا رسالة غير مباشرة إلى الشارع المسيحي بعدم اعتماده على العماد ميشال عون الذي يلحق بمواقفه رغبات حزب الله، متناسية أنّ في الأمر حيثية خاصة ومعنوية غير مقبولة عند وزير مسيحي يمثل بلداً لا يصنّف إسلامياً بدستوره مثل لبنان، لكن المملكة جعلت من خطاب السيد نصرالله الاستراتيجي فرصة لبعث رسائلها المباشرة إلى اللبنانيين، وهذا كفيل باعتبار العماد ميشال عون مرشحاً غير مقبول سعودياً.
تبدو التموضعات الجديدة في أوجها في الأسابيع الأخيرة إقليمياً ودولياً، فالأزمة السورية التي قاربت السنوات الخمس بأقل بضعة أيام، وبدأت ترخي ظلالها على متغيّرات سياسية هامة استكملت طريقها اليوم لتكشف أكبر أزمة بين السعودية وفرنسا منذ عهد نيقولا ساركوزي وبعده فرنسوا هولاند. ضمن هذا الإطار فصفقة السلاح ليست سعودية بحتة وليست انسحاباً من وعود قطعت بين لبنان والمملكة فقط، بل هو انسحاب من اتفاقية رعتها وزارة الدفاع الفرنسية ورحبت بها، فقد سبق وأعلنت السعودية عزمها تقديم هبة عسكرية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار في آب عام 2014، عبر عقود مباشرة أبرمتها المملكة مع فرنسا لتسليح الجيش اللبناني في 4 تشرين الثاني 2014، ليعلن بعدها الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان موافقة الحكومة اللبنانية على الهبة السعودية رسمياً، وتسلّم الجيش اللبناني حينها في نيسان 2015 الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية، وكانت عبارة عن 16 منصة صواريخ ميلان مضادّة للدروع، مع أسلحة أخرى شحنتها طائرة عسكرية فرنسية مع تأكيد من وزير الدفاع الفرنسي بتسليم الدفعة الثانية من الصفقة في أيار 2015 لكنها لم تُسلّم.
الموقف السعودي المرتجَل والسريع هو قرار بأبعاد عدة، ويعود لأكثر من سبب لا تستطيع الرياض تجاهله، وإذا كانت تريد إيهام الشعب اللبناني بضرورة التنصل من مواقف حزب الله، فهي غير قادرة على المضيّ بما من شأنه إيهام اللبنانيين أنّ التأخر التقني واللوجستي يأتي في سياق الخلاف مع حزب الله أيضاً، وهو الموجود أصلاً منذ أوائل الأزمة السورية، إلا أنّ الصفقة تعقّدت منذ ايار 2015 وحينها لم يكن قد صدر عن لبنان الرسمي أيّ التباس في الموقف تجاه السعودية، على غرار ذلك الذي حصل مع وزير الخارجية جبران باسيل مؤخراً.
أرسل لبنان عبر معنيين ومتابعين للملف أكثر من مرة تساؤلات إلى السفارة السعودية في معرض الاستفسار عن الهبة، إضافة إلى مساعٍ للرئيس السابق ميشال سليمان في زياراته للرياض، عنونت ضمن إطار متابعة قضية الهبة ولم تفلح في حصاد المطلوب، ما يعني أنّ قرار المملكة أبعد من قضية عقوبات وليس إلا تجسيداً لعجز في مكان ما.
يعبّر القرار السعودي عن نكث في تمرير الالتزامات الموضوعة بين السعودية وفرنسا في هذه القضية. وهنا قد تبدو هذه الخطوة إعلاناً عن شيء غير صحي يشوب هذه العلاقة أيضاً. ومن غير المستبعَد أن يكون الانفتاح التجاري والاقتصادي الوازن بين إيران وفرنسا سبباً مباشراً لذلك، وبهذا الإطار تكشف السعودية عن خلل جدي خصوصاً بعدما تراجعت فرنسا عن مبدأ الدخول في وساطة بين إيران والسعودية، أو ربما أرجأت الفكرة حالياً.
العجز المالي جراء تراجع أسعار النفط أيضاً ساهم بتراجع القدرات السعودية، وتكاليف تورّط الرياض في حربَيْ سورية واليمن، وخلاف المملكة مع فرنسا حول إيران، كلها أسباب تجعل من اعتبار القرار مقدّمة للهجوم على مواقف حزب الله «المسلّم بها» وغير المستجدة، وبالتالي قرار يعبّر عن مستوى المأزق السعودي.