المجاهرون بالمعصية في حق الوطن

بشير العدل

«مجموعة من القواعد التي تضمن تنظيم العلاقة بين الأفراد من ناحية، وبينهم وبين الدولة من ناحية أخرى، بما له من قوة القهر والإجبار»… هكذا قدّم لنا الأكاديميون تعريف القانون، وهكذا يدرسه طلاب الحقوق ويعرفه الباحثون عن أمنهم واستقرار بلادهم.

وفطنت الدول المتقدّمة وفطن معها مواطنوها إلى أهمية تلك القواعد، وحافظوا عليها وطبّقوها، ليس خوفاً من قوة القهر والإجبار، ولكن إيماناً بحقهم في عيش آمن وبلد مستقرّ، فسما القانون، وارتفعت أهداف الدولة فوق المصالح الخاصة فتحققت أهداف الجميع باحترام قواعد بسيطة، فنعِمَ المواطنون بالأمن وواصلت بلادهم التقدّم حتى سادت العالم.

أما عندنا في بلادي مصر، فالقانون يعاني تخمة نصوص مستنسخة، تفرّعت إلى مواد، وبنود، وفقرات، فضلاً عن التعديلات التي لا تنتهي، حتى شغلت نصوص القوانين مساحات تفوق حيّز التطبيق، ورغم تعدّدها وتشابكها وتفريعاتها، لم تفلح في تحقيق لا أهداف المواطن ولا أهداف الدولة.

فبدلاً من أن يرتقي القانون بالبلاد والعباد، هبط المجاهرون بمعصية الوطن بمصالح الدولة إلى أسفل سافلين، وارتقت مصالح الفرد على أهداف الجماعة، وتمّ اغتيال حق البلاد في الاستقرار حتى دخلت إلى منعطف خطير.

والعجب كلّ العجب أنّ معصية القانون أصبحت عرفاً، وتطبيقه صار استثناء، وكاد قانون الغاب أن يحكم العلاقة بين الأفراد وبينهم وبين الدولة، بعد أن نجح المجاهرون بالمعصية في اقتلاع أنياب القانون حتى فقد قوة القهر والإجبار.

ومن أسف أنّ القائمين على تطبيق القانون نسوا ـــ أو تناسوا ـــ حقوق الدولة وحقوق الأفراد أيضاً، واكتفوا بالمتابعة تارة وبالعفو تارة أخرى، وقدّموا مبرّرات تبدو في ظاهرها الرحمة، ولكن في باطنها العذاب بعد أن أضاعوا هيبة الدولة في عدم التطبيق.

صحيح أنّ الحقوق تسبق الواجبات، والتشريع لا بدّ أن يسبق التنفيذ، ولكن في أحيان أخرى لا بدّ أن يكون هناك التزام بالواجبات والتنفيذ حتى يمكن الحصول على الحقوق كاملة دون نقصان، وهو ما ينطبق على حالتنا في بلادي مصر، فنحن في حاجة إلى التزام بواجب حبّ الوطن والحفاظ على مقدراته حتى يحصل المواطن على حقه كاملاً، نحن في حاجة إلى تطبيق رادع للقانون لكلّ من تسوّل له نفسه الخروج على النظام، أو يهدّد الأمن العام، لم نعد في حاجة إلى «طبطبة» والاعتماد على سياسة المجاملات والقوانين التي تخدم المصالح الخاصة دون النظر إلى مصلحة عامة الشعب.

فمنذ تفجرت أحداث كانون الثاني/يناير 2011، وبلادي مصر تمرّ بمنعطف سياسي خطير من المفترض أن تنتقل بعده من نظام سياسي استبدادي عنيد ظلّ جاثماً على صدور المصريين ثلاثة عقود من الزمان، إلى نظام ديمقراطي وليد في حاجة إلى رعاية واهتمام خاصين بما يتطلبه ذلك من وحدة الهدف والإجماع على إبقاء مصلحة مصر عليا.

ورغم مرور خمسة أعوام على تلك الأحداث، إلا أنّ رياح السياسة ما زالت تهبّ علينا بفئات وأفراد وجماعات ما زالت عاجزة عن فهم مفردات تلك الأحداث، وأجمعت على أنها مرادف للفوضى وعدم احترام البلاد والعباد وسيادة القانون والدولة ويجاهرون بمعصية الدولة صباح مساء.

وسعى هؤلاء بفهمهم الخاطئ، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، إلى الصدام وافتعاله مع الدولة وأجهزتها، وهم يظنون ظنّ السوء أنها مفكّكة، وأنها بلا ضابط أو رابط، وأنّ إضراباً هنا أو هناك، أو حملة تنديد من بعيد أو من قريب من شأنها الضغط على نظام الحكم لتلبية رغباتهم.

ومن أسف أنهم لجأوا إلى استخدام من يؤيد فهمهم الخاطئ وأفكارهم البالية ولو كانوا أدباء مأجورين، أو صحافيين منحرفين، كما أنهم لم يتذرّعوا باستخدام كفاءات علمية وطنية في الضرب تحت الحزام لتأليب الشعب ضدّ قيادته السياسية وحكومته، حتى شاعت الفوضى وضاعت وحدة الهدف وانشقّ الصف وتخلّف الجمع عن ركب الديمقراطية.

وأظنّ ظنّ العارفين المتيقنين أنّ الذين يؤمنون بهذه المرادفات هم أبعد ما يكونون عن الصحة السياسية وأصابتهم الأفكار المختلة والآراء المعوجة، فدورهم في الحياة السياسية كدور البكتيريا والجراثيم في إعطاب الثمار وإمراض الأبدان، فهؤلاء وأولئك لا يمكن أن يُرتكن إلى آرائهم التي تحوّلت إلى شذوذ عن الديمقراطية ينبغي أن يُباد.

لم أفهم حتى الآن سرّ التهاون في إعلاء دولة القانون وممارسة حق الدفاع عن هيبة الدولة، كما لم أفهم أيضاً سرّ الإصرار على هدم دعائمها والتعامل مع الدعوات الصريحة لذلك على أنه جزء من تسالي العصارى، ولماذا تجاهل حقيقة أن إغفال تطبيق القانون يضرّ بسمعتَيْ الحاكم والمحكوم على حدّ سواء، فالجرائم واضحة والأركان مكتملة، ولكن يبدو أنّ القاضي في إجازة حتى إشعار آخر… ولك الله يا بلادي مصر.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى