تقرير

الحرب على العراق منذ مطلع الثمانينات، ولبنان، وليبيا في 2011، والحرب الجارية الآن في العراق، وسورية، واليمن، وعملية تغيير النظام في مصر، يجب أن تُفهم في علاقتها بالخطة الصهيونية للشرق الأوسط.

هذا ما قاله الموقع الإلكتروني لمركز دراسات العولمة الأميركي «غلوبال ريسيرش» الذي نشر وثيقة للصحافي الاستراتيجي «الإسرائيلي» أوديد ينون، التي تحمل عنوان «الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينات»، والتي تستند إلى رؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل مطلع القرن الماضي ومؤسسي دولة الكيان الصهيوني نهاية الأربعينات، ومنهم الحبر اليهودي فيشمان.

ونشر الموقع تعليقاً على وثيقة ينون من محرّر الموقع ميشيل شوسودوفسكي كتبه في تشرين الثاني الماضي، وتعليقاً من رابطة خرّيجي الجامعة العربية ـ الأميركية بيلمونت ماساشوستس آذار 2013، ومن الكاتب «الإسرائيلي» إسحق شاحاك الذي ترجم الوثيقة من العبرية إلى الإنكليزية وحرّرها.

أهمية الوثيقة

قال شوسودوفسكي إن هذه الوثيقة التي نُشرت للمرة الأولى في شباط 1982 والمتعلقة بإقامة «إسرائيل الكبرى» تشكل حجر الزاوية في سياسات القوى السياسية الصهيونية الممثلة في الحكومة الحالية لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، وكذلك في سياسات مؤسستي الجيش والاستخبارات «الإسرائيليتين».

وأشار إلى أن هذه الخطة تركّز على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقاً كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وعلى الاستيطان بالضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من فلسطين وضمّ الضفة وقطاع غزة إلى «إسرائيل».

وأضاف أن «إسرائيل الكبرى» ستضمّ أجزاء من لبنان وسورية والأردن والعراق ومصر والسعودية، وستنشئ عدداً من الدول الوكيلة لضمان تفوقها في المنطقة، وأن وثيقة ينون هي استمرار لمخطط الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط.

بلقنة العرب

وأورد أن الاستراتيجي «الإسرائيلي» يرى العراق التحدّي الاستراتيجي العربي الأكبر لـ«إسرائيل»، وهذا ما جعل كاتب الوثيقة يحدد العراق بوصفه أكبر فصول بلقنة الشرق الأوسط والعالم العربي.

ودعا ينون إلى تقسيم العراق إلى دولة كردية ودولتين عربيتين واحدة للشيعة وأخرى للسنّة، وقال مطلع الثمانينات إن الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي حرب بين العراق وإيران، وأشار إلى أن خطة جو بايدن نائب الرئيس الأميركي الحالي تدعو الآن إلى ما دعا إليه ينون نفسه.

وأضاف أن ينون دعا أيضاً إلى تقسيم لبنان وسورية ومصر وإيران وتركيا والصومال وباكستان، وتقسيم دول شمال أفريقيا، وتوقّع أن يبدأ ذلك من مصر، وينتشر إلى السودان وليبيا وباقي المنطقة، وسيتم تقسيم الدول العربية وغيرها على أسس عرقية أو طائفية وفقاً لحالة كل دولة.

«إسرائيل» المهيمنة

تتطلّب إقامة «إسرائيل» الكبرى تفتيت الدول العربية القائمة حاليا إلى دويلات صغيرة تصبح كل منها معتمدة على «إسرائيل» في بقائها وشرعيتها، لأن الأخيرة لا تستطيع الاستمرار في البقاء إلا إذا أصبحت قوة إقليمية مهيمنة «إمبريالية».

وقالت رابطة خريجي الجامعة العربية ـ الأميركية في بيان عام 1982 إن وثيقة ينون هي أكثر الوثائق وضوحا وتفصيلا حتى اليوم بشأن الاستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط، وإن أهميتها لا تتعلق بقيمتها التاريخية، بل بالكابوس الذي تعرضه.

وأضافت الرابطة أن «إسرائيل» لا تخطط لعالم عربي، بل لعالم من عرب مقسمين ومشتتين وجاهزين للخضوع لهيمنتها، وأشارت إلى أن عملية تحقيق هدف إبعاد الفلسطينيين من فلسطين لم تتوقف أبدا، لكنها تنشط كثيراَ وقت الحروب.

جوهر «إسرائيل»

وذكرت أن الفلسطينيين، وفقاً لوثيقة ينون، ليسوا الهدف الوحيد للمخطط الصهيوني، لكن الهدف ذا الأولوية بحكم أن وجودهم مستقلين وقدرتهم على البقاء كشعب يتناقض وجوهر الدولة الصهيونية، كما أن أي دولة عربية، خصوصاً تلك التي تتمتع برؤى قومية واضحة ومتسقة، هي الأخرى هدف أكيد عاجلاً أم آجلاً.

وقالت الرابطة عام 1982 إنه، وعلى عكس هذه الاستراتيجية الصهيونية غير الغامضة والمفصّلة تماما، فإن الاستراتيجية الفلسطينية والعربية غامضة ومفككة ومشوشة، ولا دليل على أن الاستراتيجيين العرب قد أخذوا الخطة الصهيونية بكل أبعادها ونتائجها مأخذ الجد، الأمر الذي يتضح من ردود الفعل العربية على الأعمال العدوانية «الإسرائيلية».

أما الكاتب «الإسرائيلي» إسحق شاحاك، الذي ترجم وثيقة ينون وحررها، فقد كانت تعليقاته مماثلة لتعليقات شوسودوفسكي، لكنه أضاف تعليقاً على الجانب العسكري، قائلاً إن هذه الخطة لم تذكر أي شيء عن هذا الجانب.

كيفية الحكم

وقال إن «الإسرائيليين» يفهمون أنهم لا يملكون الجيش الكافي، بشرياً، لاحتلال كل هذه المنطقة الواسعة لـ«إسرائيل الكبرى»، وليس هذا فحسب، بل إن جيشهم غير كاف حتى خلال انتفاضات الفلسطينيين في الضفة الغربية، وإن الحل لهذه المشكلة يكمن في أسلوب الحكم عن طريق ما سمّاه قوات حداد أو روابط القرى المحلية تحت قيادات منفصلة تماماً عن مواطنيها، وبالرّد على أي محاولة للتمرّد بالقمع الشديد، أو إبادة مدن بأكملها.

كما علق شاحاك على ترجمته ونشره الوثيقة، قائلا إن السبب هو الطبيعة المزدوجة للمجتمع الإسرائيلي-اليهودي المتمثلة في الحرية والديمقراطية الواسعتين لليهود والروح التوسعية والتمييز العنصري التي لا يستطيع جزء من النخبة بإسرائيل استيعابه إلا مكتوبا.

كذلك أوضح عدم الأخذ في الاعتبار المخاطر المتوقعة من خارج إسرائيل من هذا النشر، قائلا إن العالم العربي بما فيه الفلسطينيون لا يطيق التحليل المفصّل والعقلاني للمجتمع الإسرائيلي-اليهودي، وحتى الذين يحذرون بأعلى أصواتهم من التوسع الإسرائيلي لا يفعلون ذلك استنادا إلى معرفة واقعية ومفصّلة، بل استنادا إلى العقيدة.

العجز العربي

ومن ضمن ما قالته وثيقة ينون إن الدول العربية، وبسبب أقلياتها العرقية والطائفية لا تستطيع التعامل مع مشاكلها الأساسية، وبالتالي لا تشكل تهديداً حقيقياً لـ«إسرائيل» على المدى البعيد، وفصّلت الوثيقة كثيراً حول هذه النقطة وحول كل دولة عربية تقريباً.

وقالت إن العراق لولا قوة نظام حكمه وجيشه وموارده النفطية لكانت حاله ليست أفضل من لبنان، والدول الإسلامية إيران، وباكستان، وتركيا، وأفغانستان لا تختلف كثيراً عن الدول العربية. ووصفت المنطقة من المغرب إلى الهند ومن الصومال إلى تركيا بالاضطراب والهشاشة.

ودعت بقوة إلى إعادة سيناء لـ«إسرائيل» نظراً لثرائها في النفط والغاز والمعادن الأخرى، وقالت إن مصر لا تمثل مشكلة عسكرية استراتيجية بسبب صراعاتها الداخلية، ومن الممكن لـ«سرائيل» أن تعيدها إلى مرحلة ما بعد حرب حزيران خلال يوم واحد، وأعربت عن الأسف لعدم استغلال حرب حزيران 1967 لطرد الفلسطينيين غرب النهر وتسليمهم الأردن.

وقالت إنه إذا تفتّتت مصر، فإن دولاً مثل ليبيا والسودان وحتى الدول العربية الأبعد ستتفتت هي الأخرى، وإن قيام دولة الأقباط المسيحيين في صعيد مصر مع دويلات ضعيفة حولها هو المفتاح لعملية تاريخية في المستقبل تأجلت بسبب اتفاقية السلام، لكنها حتمية على المدى البعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى