جميل قاشا يستلهم الطبيعة موضوعاً لأعماله الفنّية الفريدة
اللاذقية ـ لين علي
يندمج الفنان والنحات جميل قاشا والطبيعة حوله، مثلما تندمج الكلمات الجميلة والصوت الرخيم. تغدو أعماله غناء متواصلاً، عناصره البحث والصيد والتشكيل، فالسحالي التي تدب على جدران مشغله، والبوم الذي يستريح على الأغصان القريبة، تصير من أحجار، والصبايا والغزلان والثيران، حتى الزهور ونواطير الحقول الوهمية، تتحول جميعها الى أعمال فريدة تضج بالحياة.
يقول قاشا إن تجربته تتمركز حول الكتلة، إضافة إلى العنصر الجمالي الفني. ويستغل الكتلة ليخرج منها العمل المطلوب وهو المزاوجة بين الكتلة الحجرية ومضمون الفن، مبينا أن ثمة مجموعة من الأعمال تزدان بمجموعة من الأحجار الكريمة والنحاس للخروج بحالة إبداعية تخصه.
يطوّع الفنان الحجر المستخرج من منطقته، جسر الشغور وجبالها، ويخلق منها حيوانات مثل الثور والطيور والببغاء والأسماك النهرية، إضافة الى بورتريهات لنساء ورجال يتخذ بعضها شكلا يغلب عليه التجريد الفني. وللثور لدى الفنان جميل قاشا مكانة خاصة إذ يرتبط بالأسطورة السورية التي تعتبر الثور أحد نماذج الحضارة السورية القديمة. يتخذ الثور وضعيات مختلفة لكنها تشترك جميعها في الحجم الضخم والقرنين الصغيرين إضافة الى نظرة الوداع، وهو يستغل الكتلة الحجرية بانثناءاتها ليصقل مكاناً ويترك مكاناً آخر كما هو في الطبيعة. ويلفت إلى أنه استخدم في أحد ثيرانه المنحوتة أسطورة ثور الميتادورا الذي نقل الأميرة أوروبا من مدينة القدموس على ظهره إلى القارة الأوروبية، مشيراً إلى أن حيوان الثور هو الأهم في أعماله. أما في منحوتة السمكة فيستغل الكتلة الحجرية النهرية الخالية من الأتربة مع مرور الزمن، مزاوجاً بين شكلها البيضوي وكتلة السمكة البيضوية، ومخرجاً منها حالة متفردة. الأسماك في أعماله تنطق كأنها في نهر حقيقي.
تستقبل صالة «سي آرت كافيه» في اللاذقية مجموعة من الأعمال النحتية للفنان قاشا تضم 35 عملاً يستقرئ فيها الماضي والراهن، وأبرزها مستوحاة من الطبيعة ومن أحجار مميزة استغرقت خمس سنوات من العمل المتواصل لتشكيلها.
يقول الفنان التشكيلي شادي نصير، مدير صالة «سي آرت كافيه» عن أعمال قاشا: «تكرست أعمال الفنان على نحو كامل للنحت الذي يعالجه بصيغة واقعية مبسطة قادته إليها الخامة التي يتعامل معها، وهي صلدة وصعبة الانقياد بسهولة لأنامل النحات وأدواته، ما جعلها تفرض عليه مخارج معينة لأشكاله تتماشى والهيئة التي جاءت بها من رحم أمها الطبيعة. الأجساد والوجوه الأنثوية والحيوانات، وبخاصة الثيران والحشرات والأسماك والمزهريات وحاملات الشموع وعلب الحلي والدوارق الخاصة بالعطور ورموز الأبراج التي نفذها على شكل عقود أو بروشات نسائية للتزيين وغير ذلك من الحاجات الاستعمالية المستخدمة في الحياة اليومية، تشكل الجزء الأكبر من محتويات معرضه. هذه الموضوعات هي محور تجربة الفنان قاشا النحتية وواكبها توسع مماثل في استخدامه التقنيات والمواد، إذ يطعم أحجاره الرخامية الملوّنة بالمعادن والخرز والزجاج، ما يرفع قيمتها الزخرفية التزيينية، متماهية الى حد بعيد بقيمتها التعبيرية الجمالية، فهذا التماهي تحديداً شد انتباه الناس إليها وجعلها مطلوبة ومرغوبة. النحت بالنسبة غلى قاشا انتماء إلى المكان والجمال، ورغم ألم النحت ومخاضاته اليومية إلا أنه فرح يشبه الولادة ويشكل حالة فهم واستقراء لرهبة الشكل في الطبيعة واستقراء لنوع آخر لغموض الأسرار في الحجر، وكلما غرقت العين واليد في هذه الأسرار أمسى متاحا التقاط إشارات الحجر، فمن الخارج لحن ومن الداخل وهج، ما يبعث الحياة من جديد في الحجر الميت».
الفنان جميل قاشا خريج كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1983، أقام العديد من المعارض في دمشق وهولندا والإمارات، وأعماله مقتناة في الكثير من الدول الأوروبية.