أكثر من حرب باردة
حميدي العبدالله
على هامش مؤتمر ميونيخ، قال وزير خارجية ألمانيا إنّ العلاقات بين روسيا والغرب هي أكثر من حرب باردة. مصطلح الحرب الباردة أطلق على التنافس والصراعات بين الاتحاد السوفياتي ودول حلف «وارسو» من جهة، وبين حلف «ناتو»، بزعامة الولايات المتحدة من جهة ثانية، لتمييزها عن الحروب العسكرية والمدمرة الأخرى، لا سيما الحربين العالميتين، وتحديداً الحرب العالمية الثانية.
معروف أنّ الجيش السوفياتي لم يخرج إلا مرّة واحدة للحرب خارج نطاق مناطق حلف «وارسو»، وهي المرة التي أرسل فيها قواته لمناصرة الثورة التقدمية اليسارية في أفغانستان، ما عدا ذلك اقتصر الصراع بين الاتحاد السوفياتي والغرب على الصراع الإيديولوجي والسياسي، أو الصراع العسكري غير المباشر، من خلال دعم كلّ تحالف للقوى التي تؤيد سياساته.
لكن المؤكد أنّ روسيا التي خسرت الكثير من مناطق نفوذها التقليدية في منطقة أوراسيا بعد تفكُّك الاتحاد السوفياتي، كان متوقعاً لها عندما تنهض من جديد أن تسعى إلى استعادة هذه لمناطق، بالسلم أو بالحرب.
وفعلاً بدأت مسيرة نهوض روسيا بعد رحيل الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، حليف الغرب، عن سدّة الحكم، ومجيء الرئيس فلاديمير بوتين، الذي وصف انهيار الاتحاد السوفياتي بأكبر كارثة جيوسياسية في التاريخ.
بداية وفي عام 2008 استخدمت روسيا لأول مرة بعد نهوضها الجديد القوة العسكرية لحماية ما تبقى لها من نفوذ في مناطق مُختلف عليها بينها وبين جورجيا، وهي أبخازيا وأوسيتيا، واستخدمت القوة العسكرية مرة أخرى لضمّ شبة جزيرة القرم التي كانت منذ قيام الاتحاد السوفياتي جزءاً لا يتجزأ من الدولة الأوكرانية، ومعروف أنّ القرم كانت مقاطعة روسية، ولكن في إعادة التقسيم الإداري للاتحاد السوفياتي تمّ إلحاقها بأوكرانيا.
للمرة الأولى قي تاريخ روسيا وفي تاريخ الاتحاد السوفياتي تشترك قوات روسية في حرب خارج حدودها، وتستخدم فيها أحدث ما في ترسانتها العسكرية، وتحديداً سلاح الجوفضائي، وهو ما يحدث الآن في سورية.
لا يمكن بأيّ حال من الأحوال عزل قرار إرسال القوات الجوفضائية الروسية إلى سورية لمشاركة الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب عن الصراع الأعمّ والأشمل الذي تخوضه روسيا مع الغرب لاستعادة ما خسرته بعد تفكُّك الاتحاد السوفياتي، ولعلّ هذا ما قصده وزير خارجية ألمانيا عندما وصف ما يجري بين روسيا والغرب بأكثر من حرب باردة، أي تجاوز مستوى الصراع السياسي والإيديولوجي.
واضح أنّ روسيا مصمِّمة على تحقيق هدفين أساسين، طالما شرحهما الرئيس فلاديمير بوتين في خطاباته أكثر من مرة، وهما احترام الغرب لحرفية ميثاق الأمم المتحدة والتخلي عن سياسة الاستفراد والأحادية، وعدم مقاومة جهود روسية لاستعادة ما خسرته في مناطق نفوذها التاريخي.
وبديهي أن نتوقع أنّ الصراع حول هاتين المسألتين سيقود إلى ما هو أكثر من حرب باردة.