هدنة وقف إطلاق النار فماذا عن وقف نزيف الدماء السورية؟
سعد الله الخليل
بعيداً عن أسباب ودوافع الأطراف الدولية والإقليمية والسورية للسير في التوافق حول الهدنة العسكرية على الأرض السورية، ثمة قضايا خلافية وشائكة وحساسة لا تستطيع المفاوضات الشاقة والطويلة ولا النوايا بطبيعة الحال حلها.
في البعد الإنساني والعسكري والسياسي، لا يمكن لعاقل إلا أن يشعر بالارتياح حيال مبادرات وقف إطلاق النار التي تعطي بأضعف الإيمان جرعات تفاؤل على الساحة السورية بإمكانية الانطلاق الجدي للمسار السياسي بما يُضاف إلى الجرعات المعنوية العالية التي ولّدتها الإنجازات العسكرية للجيش السوري وحلفائه على الجبهات السورية بمؤازرة الطيران الروسي، ما أضاف إلى العمليات الدقة والفاعلية والسرعة في الإنجاز.
أمام وقف إطلاق النار تحدّيات لا تقلّ أهمية عن الدوافع الكامنة وراء موافقة الأطراف على هدنة قد تتطور لتواكب مساراً سياسياً أشمل وأكبر فائدة، ولعلّ أولى تلك التحديات تحديد الأطراف المشمولة في العملية. فالإصرار الأميركي على اقتصار قائمة المبعدين على تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة» تقابله الرؤية الروسية بضمّ تنظيمات « جيش الإسلام» و»أحرار الشام»، ما يعيد الأزمة السورية إلى نقطة البداية في ظلّ العجز الأردني عن تصنيف الجماعات الإرهابية.
فيما يمثل موقف معارضة الرياض تحدياً جديداً في ظلّ طلبها ضمانات بوقف الغارات ووقف استهداف «جبهة النصرة» ما يعني موقفاً أكثر تشدّداً من الموقف الأميركي نصرة للموقف التركي الذي لا يزال داعماً للجبهة من دون أن يدلي منسق الهيئة المنشق رياض حجاب بأي ضمانات يملكها من الفصائل المنضوية تحت الجناح السعودي والتي هي قاب قوسين أو أدنى من اعتبارها منظمات إرهابية. فهل سيرضى بوقف إطلاق نار يستهدف تلك الفصائل؟ أكد حجاب أنّ الفصائل تسعى إلى هدنة موقتة هدفها تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المُحاصرة، وليس وقف إطلاق النار، فكيف يطلب حجاب من الحكومة السورية وقفاً كاملاً لإطلاق النار ومن فصائله هدنة إنسانية؟ أليس في الأمر مواربة سياسية، إن لم نقل وقاحة غير مسبوقة.
في الحديث عن المناطق المُستثناة من وقف إطلاق النار، يظهر التباين الروسي ـ الأميركي، فإذا كانت جبهة إدلب محطّ إجماع روسي ـ أميركي على استهدافها وفي ظلّ القناعة الأميركية بأنّ ريف حلب خرج من المعادلة الميدانية وبات في قبضة الجيش السوري وحلفائه فإنّ درعا ستكون نقطة الخلاف الرئيسية التي تسعى واشنطن إلى تحييدها بعيداً لضمان جبهة أردنية فاعلة في الصراع على الأرض بعد خسارة الجبهة التركية من جهة، بما يسمح بالإمداد اللوجستي لتلك الجماعات من البوابة الأردنية و»الإسرائيلية»، ولكون القيادة الأردنية أداة طيّعة في اليد الأميركية ولا مشاريع خاصة لها في المنطقة خارج العباءة الأميركية من جهة أخرى.
في الوقت الذي يسعى الجانبان الروسي والأميركي إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يواصل حلفاء واشنطن الإقليميون السعودية وتركيا إطلاق نيرانهم على الجبهات عبر المضيّ التركي في قصف المواقع الكردية في الداخل السوري والسعي السعودي إلى تزويد جماعاتها الإرهابية في سورية بصواريخ مضادّة للطائرات، ما يعني رفض الدعوة السورية إلى وقف الإمداد الإقليمي بالسلاح قبل وقف إطلاق النار.
وتحمل التفجيرات الانتحارية التي استهدفت حيّ الزهراء في مدينة حمص ومنطقة السيدة زينب في ريف دمشق رسائل دموية جديدة على الساحة السورية تفوح من مرسلها رائحة الوهابية السعودية.
ربما تتوصل الأطراف الدولية والإقليمية إلى وقف لإطلاق النار على الأرض السورية، إلا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه: متى يتوقف نزيف الدم السوري؟