جنونٌ سعوديٌّ جديدٌ يُخيّرنا بين السِّلّة والذّلَّة

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

رفع راية التحدّي بدلاً من العمل على صيانة التفاهمات القائمة وتطويرها لإعادة الحياة إلى المؤسسات الحكومية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يطبع المرحلة الجديدة من عمر لبنان.

التصعيد الذي بدأه تيار المستقبل وحلفاؤه منذ أيام لا يمكن فصله عن طبيعة التطورات الإقليمية، خصوصاً في سوريا واليمن، حيث تتكبد السعودية وتركيا خسائر فادحة في السياسة والميدان مع تقدم الجيش السوري وتحريره المزيد من الأراضي التي كان يسيطر عليها إرهابيون تدعمهم السعودية وتركيا، والأمر نفسه يجري في اليمن، حيث الخسائر التي يتكبّدها الجيش السعودي، ومعها تبدأ سلسلة من الهواجس الأمنية التي تطال عمق المملكة ودوام بقائها في ظلّ هذه التراجعات والنكبات المستمرة.

في كل الأحوال الأوامر بالتوتير صدرت من أمراء المملكة اليائسين والمحبَطين من النتائج التي تحلّ بهم، والقلقين من الأخطار المقبلة.

فعلى الرغم من أنّ موقف وزير الخارجية اللبناني في الجامعة العربية وفي قمة المؤتمر الإسلامي في الرياض كان منسجماً مع سياسة حياد لبنان وبالتوافق مع رئيس الحكومة نفسه، لكن تم استدعاؤه ليولد طاقة لازمة للتوتير، ثم سحب الهبة السعودية للجيش اللبناني رغم الالتباسات الكثيرة التي ثارت حولها، وبث قناة العربية فيلماً يتعمد الإساءة للسيد حسن نصر الله لتسخين الأجواء إيذاناً بالمواجهة ثم استقالة وزير العدل واجتماع حلفاء السعودية، وبيانات صدرت من جهات دينية، وما تنبأ به وزير الداخلية بأن الآتي أعظم، كل ذلك يندرج في إطار الجنون السعودي الذي يخيّرنا بين السِّلّة والذِّلّة وهيهات منا الذِّلّة!

نحن وكل القوى الإسلامية والوطنية وعلى مدى سنوات الصراع مع العدو الإسرائيلي لم نخضع ونركع لشروطه وإملاءاته حين أراد منّا أن نسلّم ونوقّع له صك الاعتراف والهزيمة.

وأرادت السعودية ومعها دول غربية وعربية متعددة، وبأساليب التهديد والوعيد، أن نضعف أمام المال ومغريات السلطة لقاء التخلي عن ثوابتنا الوطنية ودعمنا للقضية الفلسطينية والتزامنا الأخلاقي مع سورية، وأن نكون مجرد أتباع نسلّم لهم ما يريدون، ولكنهم خسئوا. فلا نحن مَن نحيد عن المبادئ، ولا نحن مَن نتراجع أمام التهديدات، ولا نحن مَن نسلّم السلاح لنُذبَح بعد ذلك.

ويظن آل سعود أنهم بالضغط على المقاومة وتشويه صورتها وسحب الودائع والهبات وطرد العمال من بلدان الخليج، أو من خلال التفجيرات الإرهابية التي تقتل أطفالنا ونساءنا وتفجير مساجدنا، أننا سنسكت عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، أو سنهاب التكفيريين المصنَّعين في المصانع الوهابية، أو سننزل عند رغبتهم بانتخاب رئيس للجمهورية يسبِّح بحمدهم.

على الإطلاق. نحن من مدرسة تأبى الذل والضيم، نحن من مدرسة لا تتوسَّل المال ولا تتقرب من الملوك لأجل جاه أو منصب أو حظوة.

فليعلم آل سعود أنهم والصهاينة كلما حاولوا إشعال النار في هذا البلد أو ذاك سنطفئه، وشواهد التاريخ تؤكد أن الملوك كلما أفسدوا قرية خرج المؤمنون وقالوا لهم: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى