الحريري يواجه منطق «الزعامات» من ريفي إلى جعجع…

روزانا رمّال

لا يبدو أنّ الرئيس سعد الحريري القادم حديثاً إلى بيروت مستعداً لإعادة كلّ شيء إلى نصابه، ولا يبدو أنه مستعدّ لتصحيح الخلل أو التفكك الذي يشوب حلفه.

تبدو مواقف الحريري من حلفائه أقسى من تلك التي قد يتلقونها من الخصوم السياسيين، فالحريري لم يبالِ كثيراً باستقالة ريفي، والتي لا يبدو أنها شكلت بالنسبة إليه ثغرة سياسية في تياره، تبدو أيضاً خصومته مع جعجع التي يحاول إخفاءها قولاً وإظهارها فعلاً وفي كل مناسبة تتعمّق أكثر من أيّ وقت مضى.

الحريري الذي لم يظهر الحفاوة اللافتة بجعجع بعد انتهاء خطاب «بيال» والتي قدّمها لرئيس حزب الكتائب عوضاً عنه، لا يزال يتقدّم نحو تحجيم الحليف المسيحي خطوة بخطوة حتى ولو ازدادت مناسبات اللقاءات. لا تجمع الحريري وجعجع اليوم الفكرة نفسها التي جمعت جعجع بعون… لن يجتمع الحريري مع جعجع الذي لا يقدّم الرؤية السياسية نفسها في الملف الرئاسي، الأمر ليس سهلاً والمسألة هنا ليست خياراً شخصياً مثل ذلك الخيار الذي انتهجه ريفي بالاستقالة.

ريفي وجعجع حالتان نافرتان وخطيرتان بالنسبة للحريري، الذي يبدو أنه أراد مواجهتهما بالتحجيم، لكنه أيضاً عاجز عن حصر حرية حركتهما، فاستقالة ريفي على ما يبدو كانت مقرّرة سلفاً ضمن برنامج تصعيدي تابع للخطوات السعودية المفترضة الآتية والمنسجمة مع التصعيد في سورية اثر سقوط ريف حلب بأبرز مدنه وقراه بيد الجيش السوري، وهنا فإنّ تغريدة الحريري بعدم مزايدة ريفي عليه ليست وليدة موقف مستجدّ بل فكرة مسبقة يعرفها جعجع عن ريفي وعن مشروعه الشمالي المرتبط بالصراعات الإقليمية الذي يجعل من فكرة الاستقالة ضرورة.

أشهرَ الحريري خلافه مع ريفي بتغريدته الشهيرة بعدما أيقن التباعد الحاصل وتغريد الأخير في سرب لم يعد ممكناً سحبه منه. يبدو الحريري اليوم عاجزاً عن إعادة حليفيه إلى الحضن الذي كان يغلّف حضورهما السياسي، غياب الحريري أثّر من دون شك بدون أن يحسب حساباً لنتائجه، وها هي الانتخابات البلدية إذا حصلت تبشّره بالأسوأ، والمشاكل المالية المتراكمة، وها هو جعجع يخرج هو الآخر عن المنطق الحريري في الرئاسة.

يدرك الحريري اليوم أنّ هناك زعامتين جديدتين تطفوان على السطح، الأولى زعامة مستجدّة في الشارع السني، والثانية زعامة باتت أكبر من فريق الرابع عشر من آذار، بعد مصالحة المسيحيين الكبرى. يستعيض الحريري عن الانفراط الحاصل والعجز عن السيطرة السياسية بمواقف حادّة ونبرة تحدّ ملموسة في مجمل تصريحاته وخطاباته، حتى بات اقلّ صبراً وهدوءاً من ذلك الذي كان مع الصحافة والمواقف، لا يرسل الحريري هنا رسالة نضج بل رسالة غضب جادّ.

يتعامل الحريري اليوم مع مواقف كلّ من يخرج عن الطاعة وفق منطق «لا حول ولا قوة»، إلا انه من جهة اخرى لا يبدو مستعداً ليسامح أو حتى لتقبّل أو تلقي ما يحاول الخارجون فعله، فسمير جعجع الذي كان من المفترض أن يحضر اجتماع «بيت الوسط» الأخير، أرسل بدلاً منه النائب جورج عدوان. وهنا تقول المصادر إنّ الحريري الذي اجلس إلى جانبه النائب سامي الجميّل معيداً التذكير بحفاوة «بيال» وزيارة الصيفي فور عودته قبل معراب، أجلس السنيورة على الجانب الآخر والى جانبه عدوان ممثل جعجع، وتستمرّ هنا حكاية الرسائل المعنوية والقرار واضح «الحريري يحجّم جعجع مسيحياً ويحاول ضخّ زخم أكبر لعلاقته مع الجميّل فهل ينجح؟ هل ينجح الحريري في الحالتين؟ حالة ريفي وحالة جعجع؟ بتحجيم دوريهما وسحب اليد من مشروعيهما المفترضين؟

في حالة ريفي يبدو أنّ الحريري استسلم لفكرة انّ ريفي يودّ ان يستغلّ فكرة الزعامة الشمالية حتى آخر لحظة، خصوصاً إذا حصل على دعم إقليمي، وتحديداً سعودي، ويبدو أنّ ذلك جرى حسب المصادر المعنية في أجواء الاستقالة.

يعرف الحريري أنّ فكرة التحجيم تعتمد على قدرته بتقديم ما يبهر فريقه ويشدّ عصب الشارع السني معه، وبالتالي قد يحتاج الحريري إلى بعض أساليب التصعيد المفترض، هذا يعني أنّ ذلك لن يكون موجهاً الا نحو حزب الله وإيران. وفي هذا الإطار يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق إنه وخلال اجتماع الرياض «طرحت الاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار في حضور الصديق اللواء أشرف ريفي والنائب أحمد فتفت والرئيسين الحريري والسنيورة، وكانت توجيهات الرئيس الحريري ألا نقوم بأيّ خطوة تُحرج الرئيس بري ووليد بك جنبلاط. التزامي هو بعدم الانفصال عن قيادة التيار السياسي الذي أمثله في الحكومة»، وإذا كانت فكرة الانسحاب من جلسات الحوار واردة، فهذا يعني انّ فكرة الانسحاب من جلسات الحوار مع حزب الله اكثر حضوراً مع تطوّر المشهد.

أما في حالة جعجع فيصعب على الحريري مواجهة الهالة التي أرخاها قرار رئيس حزب القوات بإتمامه المصالحة، والشارع الذي أضاف إليه تأييداً قد لا يحتاج بعد الآن دعماً سنياً في الحساب الانتخابي، فقد أسّس جعجع لأولى خطوات تثبيت زعامته عند الطرف الآخر، وبمواجهة الوحدة المسيحية يصعب على الحريري التحرّك يضاف إلى ذلك يقين الحريري بانّ جعجع حصّن موقفه إقليمياً بمباركة قطرية تلت إعلانه دعم ترشيح عون.

الحريري يواجه «الزعامات» ويرمّم الثغرات بصعوبة بالغة وعقارب الساعة قد لا تعود إلى الوراء…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى