قلعة المرقب… حارسة المتوسط وأبرز معالمه التاريخية
لورا محمود
تتميّز قلعة المرقب بكونها تجاور البحر الأبيض المتوسط وهي لا تبعد عن شاطئه أكثر من خمسة كيلومترات، إضافة إلى أنها تسمح للزائر بمشاهدة جزيرة قبرص في عمق المتوسط. بُنيت القلعة بحجارة زرقاء اللون بازلتية، في حين أنّ جميع قلاع الساحل مبنية بحجارة كلسية بيضاء أو صفراء اللون وهذا ما أعطاها سحراً وجمالية من نوع خاص فهي شامخة كالجبال الخضراء المحيطة بها وهادئة كالبحر في أروع حالاته.
قلعة المرقب أشبه بمدينة فريدة من نوعها تقع على صخرة كبيرة مشرفة على كلّ ما حولها. يمكن الوصول إليها في حالة النجدة ولا يمكن الوصول إليها في حالة القتال، «وحدهما النسر والصقر يمكنهما التحليق فوق أسوارها» هذا ما قاله عنها راي، أحد الرحالة الأجانب الذي زارها في القرن التاسع عشر.
تاريخها وموقعها الجغرافي
تقع قلعة المرقب قرب مدينة بانياس الساحلية في محافظة طرطوس وتتربع على هضبة صخرية ترتفع 360 متراً عن سطح البحر.
تتميز بموقعها المنيع وتحكُّمها بالطريق الساحلي القديم أنطاكية ـ طرابلس والطرق الداخلية القديمة المؤدية إلى القدموس ـ مصياف .
يحدُّ القلعة من الشرق سلسلة من الجبال الداخلية والوديان العميقة، أما في الجهة الجنوبية الغربية فتتوالى الارتفاعات والمنخفضات إلى أن تزول تماماً قرب سطح البحر.
عُرفت «قلعة المرقب» بأسماء عديدة خلال العصور التاريخية منها: باللغة اليونانية «مار كابوس» و»ماركابان»، ودُعيت من قبل اللاتين باسم «مارغت» و»مارغاتوم» و»مارغانت»، وأطلق عليها العرب اسم قلعة «المرقب»، وفي اللغة العربية تعني كلمة مرقب الحارس أو المُراقب، وقد سميت بهذا الاسم لأنها كانت تشرف على البحر والتلال المجاورة وتقوم بدور الحارس أو المراقب.
أول من بناها هم العرب المسلمون عام 1062م أثناء استيطانهم في المنطقة الذي دام حتى عام 1104م حيث استولى عليها البيزنطيون بعد ذلك بقيادة جون كانتازيسنوس خلال صراعه للحصول على مدينة اللاذقية، ثم استولى عليها العرب مرة أخرى وقاموا بترميمها ما بين عامي 1116ـ 1118 م، وبعد مفاوضات تمّ التنازل عن القلعة من قبل حاكم المرقب «ابن محرز» إلى أمير أنطاكية «روجر» مقابل مقاطعة أخرى، ثم تنازل عنها الأخير مقابل فدية إلى عائلة منصور.
في الأعوام 1157 م و1170م و1186 م تعرضت القلعة للزلازل واستهلك ترميمها مبالغ كبيرة أنفقت من قبل عائلة منصور. ثم تنازلت عائلة منصور عن القلعة إلى الاسبتارية مقابل مبلغ من المال وبذلك انتقلت ملكيتها إلى برنارد مارغت.
عام 1188م مرّ صلاح الدين الأيوبي من المرقب آتياً من شمال سورية لكنه لم يهاجمها، ثم سيّر الملك الظاهر غازي سلطان مدينة حلب عام 1204ـ 1205م حملة إلى المرقب خرّبت أبراج السور لكنها انسحبت لمقتل قائد الحملة بعد أن قاربت من الاستيلاء على القلعة.
ومع سقوط قلعة الحصن المجاورة عام 1275 أجبر فرسان المرقب على التنازل عن جزء من أراضيهم مقابل عدم التعرض للقلعة إلى أن حاصرها السلطان قلاوون عام 1285م وحفر نفقاً تحت الواجهة الجنوبية ثم قصفها بالمنجنيق حتى انهار البرج الخارجي الجنوبي المعروف ببرج الأمل.
احتفظت القلعة بنفوذها في القرنين الرابع عشر والخامس عشر حيث استخدمت كسجن وفي الفترة العثمانية تمّ إجراء تغييرات عليها لتلائم وجود الحامية العسكرية التركية والتي سكنت القلعة فترة من الزمن.
الوصف المعماري
إنّ مسقط القلعة الضخم عبارة عن مثلث ضيق مساحته حوالي 60000 م2 تتجه زاويته الحادّة نحو الجنوب، ويندمج حرفه مع الصخور المشكلة لجبل الأنصارية، تبدو نقطة ضعف الموقع في الجهة الجنوبية التي كانت السبب في زيادة التحصين عند هذه الزاوية الدائرية لصدّ الهجمات المتوقعة من ذلك الاتجاه.
تتألف القلعة من سور مزدوج أحدهما خارجي والآخر داخلي لزيادة تحصين القلعة ومناعتها، كما تقسم القلعة إلى قسمين، القلعة الخارجية، التي تشمل الأبنية السكنية، والقلعة الداخلية التي تتضمن مجموعة الأبنية الدفاعية المُحصّنة بأبراج دائرية ومستطيلة يعلوها البرج الرئيسي، والتي تسيطر على مساحة واسعة تمتد إلى كلّ الجهات وقد زُوِّدت بمرامي السهام والحجارة بشكل تنعدم فيه النقاط الميتة تماماً، ويحيط بالسور الخارجي من الجهة الشرقية خندق عميق محفور في الطبقة الصخرية.
أما الحصن الداخلي فهو عبارة عن قلعة صغيرة مستطيلة الشكل تقريباً لها حلقتان من الأسوار تقع على الذروة الجنوبية للقلعة ويفصلها عن القلعة الخارجية قناة مائية عريضة في الجهة الشمالية من الحصن الداخلي ويشكل السور الخارجي خطوطاً دفاعية للحصن الداخلي.
يتم الدخول إلى القلعة عبر برج البوابة الرئيسي والذي يمكن الوصول من خلاله إلى الحصن الداخلي وإلى القلعة الخارجية مُشكِّلاً صلة وصل بين السورين الداخلي والخارجي.
أما قاعات القلعة فموزّعة في أبراجها ومزوّدة بكوات ومرامي السهام كما تتناوب الأبراج الدائرية والمستطيلة على الواجهات الخارجية، ومن منشآت القلعة برج الفرسان الذي استخدم كبرج مدخل ثانوي إضافة لبرج المدخل الرئيسي ويمكن منه الوصول مباشرة إلى التحصينات الواقعة في الجهة الجنوبية أما المجمع العثماني الداخلي فهو عبارة عن مجموعة من الغرف المبنية على عدة مستويات.
ومن منشآت القلعة المهمّة الكنيسة وهي أكثر الأبنية ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة بالساحة الرئيسية وهو بناء موجّه باتجاه شرق ـ غرب وبشكل طولاني كما هي معظم الكنائس ومخطّطها شبيه بمخطّط كنائس جنوب فرنسا في القرن الحادي عشر، ويقال إنّ بناء الكنيسة يعود إلى الربع الأخير من القرن الثاني عشر.
يُعتبر البرج الرئيسي وهو أهم بناء في القلعة، نموذجاً مثالياً للأبراج الدائرية التي أقيمت في القرن الثالث عشر وهو مكون من طابقين مع متراس دفاعي يتوج الطابق الأول، زُوِّد بمرامي السهام التي وُزِّعت على محيط البرج بحيث لا تترك حول البرج أي نقطة لا يمكن الدفاع عنها.
أما برج قلاوون الشمالي فهو برج دائري يتكون من نواة أساسية مؤلفة من برج نصف دائري وقد تمّ تصفيح هذا البرج بحجارة بازلتية كبيرة الحجم ومنحوتة بطريقة متقنة.
وأيضاً برج المراقبة أو برج الصبي وهو جزء مهم من دفاعات قلعة المرقب يعود بناؤه إلى الفترة الصليبية مبني بحجارة بازلتية وأقيم البرج لهدفين مراقبة الساحل ومركز للدفاع عن القلعة وقد عُثر في العام 2001 م على لوحة من الفرسك تمثل سمكة بنية اللون ضمن حوض ماء أزرق اللون.
وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتنفيذ العديد من مشاريع الترميم والحماية منذ استملاك القلعة عام 1959 م وتسجيلها أثرياً على لائحة التراث الوطني حيث تمّت معالجة المشاكل الإنشائية وترميم وإغلاق الفتحات الخارجية للقلعة وتكحيل الجدران بالإضافة إلى عزل أسطح المباني للحدّ من تأثير العوامل الجوية عليها.