لماذا وافقت واشنطن على اتفاق وقف العمليات في سورية؟
حميدي العبدالله
على الرغم من أنّ بعض نصوص الاتفاق الذي توصّلت إليه موسكو وواشنطن والذي يقضي بوقف العمليات العدائية في سورية، فيه بعض ما تطالب به المعارضة والإدارة الأميركية، وحاولت تركيا تفسيره على أنه وقف لهجمات الطيران الروسي، وتحويله إلى انتصار لوجهة نظرها، إلا أنّ بنود الاتفاق، ولا سيما لجهة استثناء «داعش» و»جبهة النصرة» من وقف العمليات العدائية، لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة ولا دول المنطقة التي قدّمت الدعم العلني والسري لـ«داعش» و»النصرة» وبقية التشكيلات المسلحة الأخرى. ومما لا شك فيه أنّ موافقة التشكيلات المسلحة، وهو شرط لوقف العمليات ضدّها، لم يكن الهدف الذي تسعى إليه وهي تجاهر ليلاً نهاراً بأنها تسعى لإسقاط النظام في سورية، علماً أنّ هذه المسألة قد نحّيت تماماً في ضوء المسلمات التي تمّ التوصل إليها في فيينا 1 وفيينا 2 وتمّ تضمينها في القرار 2254.
إذن الاتفاق ينطوي على تنازلات كبيرة من قبل الولايات المتحدة والدول التي خططت وموّلت وأشرفت على الحرب التي شنّت ضدّ سورية طيلة السنوات الخمس الماضية، فما الذي دفع الولايات المتحدة إلى قبول مثل هذا الاتفاق؟
لا شك أنّ هناك عوامل موضوعية كان لها الدور الأكبر في الوصول إلى الاتفاق وحمل الولايات المتحدة على تقديم تنازلات للوصول إلى هكذا اتفاق، من أبرز هذه العوامل:
أولاً، سير المعارك الميدانية منذ مشاركة روسيا إلى جانب الطيران السوري في توجيه ضربات للجماعات المسلحة جعل عامل الزمن لا يعمل في مصلحة الولايات المتحدة، على أنّ حرب الاستنزاف ضد الدولة السورية وحلفائها ستقود في نهاية الأمر إلى قبول شروطها، فإنّ إطالة أمد هذه الحرب في ظلّ التقدّم الذي حققه الجيش وحلفاؤه بمساندة الطيران الروسي أسقطت هذا الرهان، وسواء صدق ما نُسب إلى كيري من أنّ المعارضة سيتمّ اقتلاعها في غضون ثلاثة أشهر أم لم يكن هذا التسريب صحيحاً، فإنه يلخص الواقع الميداني، ولا سيما بعد تحرير ريف اللاذقية والمكاسب التي حققها الجيش وحلفاؤه في أرياف حلب ودرعا.
ثانياً، الخيار الوحيد نظرياً لوقف تقدّم الجيش السوري وحلفائه هو انخراط الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب السورية بشكل مباشر، ولكن هذا الانخراط يحوّل الحرب في سورية إلى حرب إقليمية – عالمية، وقد تمتدّ إلى المنطقة كلها وتسبّب بدمار وخراب هائل وتؤثر على مصالح كلّ دول العالم، وليس هناك ما يدفع إلى الانزلاق إلى مثل هذا المسار الكارثي على الجميع.
ثالثاً، أظهرت الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية أنّ غالبية الأميركيين، الديمقراطيين والجمهوريين، لا يؤيدون خيار الحرب، لهذا كان من أبرز المرشحين في هذه الانتخابات في الحزبين الجمهوري والديمقراطي ساندرز وترامب من أشدّ المعارضين لانخراط الولايات المتحدة في حروب جديدة.
وبديهي أنّ أيّ مسؤول أميركي، بما في ذلك أوباما، وبمعزل عن قناعاته السياسية لا يستطيع تجاهل إرادة غالبية النخبة الأميركية الحاكمة.