«اتفاق الهدنة»… أسئلة مشروعة في ملامح العملية السياسية المقبلة؟
سومر صالح
حدث استثنائي من جانبين زمني ومعياري إنه اتفاق الهدنة ، فللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية، يجري العمل جدّياً على وقف لإطلاق النار باتفاق روسي أميركي محدّد وواضح، أشير إلى تسميته «هدنة» تارة، وفي مطارح أخرى من النص سُمّيَ «وقف الأعمال العدائية» تارة أخرى، وفي الأمر فارق سياسيّ وعسكريّ، وهو أنّ وقف الأعمال العدائية مصطلح سياسي جديد ملغوم أتى مع بيان المجموعة الدولية في ميونخ 11 شباط الحالي ليشير ضمناً إلى قصف الطيران الحربي الروسي «لما يسمّى معارضات» تعتبرها الولايات المتحدة معتدلة ، وأنّ قصفها هو «اعتداء» وليس في إطار مكافحة الإرهاب…
وللمرة الأولى أيضاً هي «هدنة» مشروطة بأجندات سياسية وليس استراحة محارب لأدوات العدوان كما كانت تسعى الولايات المتحدة في مراحل سابقة من الأزمة السورية، بحيث اقترنت هذه «الهدنة» مع تعهّد بتنفيذ كامل للقرار 2254 بحيثياته وكليته…
أما من الناحية المعيارية فللمرة الأولى أيضاً تحدّد معايير، ولو في إطار التكوين حول الامتثال والخرق المتعمّد للهدنة، حيث أشار نص الاتفاق إلى إمكانية استخدام القوة ضدّ الطرف المخلّ ، وتمّ لذلك تشكيل مجموعة عمل لوقف إطلاق النار وهي معيارية الطابع وفق نص اتفاق ميونيخ لها أربعة مهام محدّدة أهمّها إحالة السلوك غير الممتثل على نحو مستمر من قبل أيّ من الأطراف إلى وزراء المجموعة الدولية لدعم سورية …
ومن المتوقع أن تدخل الهدنة حيّز التنفيذ الفعلي مطلع شهر آذار المقبل، وهي حسب نص الاتفاق 27 شباط الحالي …
السؤال الذي يشغل بال السوريين هو هل نحن أمام فرصة مهمّة لحلّ الأزمة؟ أم أنها محطة زمنية ستنتهي كالعادة وتعود الحرب أشدّ مما كانت…؟! ومعها بدأت مخاوف السوريين بالازدياد من إعادة إحياء ما يسمّى «هيئة الحكم الانتقالي» باعتبارها حسب رأيهم ـ إعطاء انتصار سياسي لفريق مهزوم عسكرياً وسياسياً، والجواب مبدئياً ومن خلال تفنيد نص الاتفاق هو نعم، نحن أمام فرصة أو مدخل مهمّ لحلّ الأزمة من بوابة الاتفاق، ولكن بشرطين لازمين: أولاً تكريسه بقرار أممي ملزم للطرف الأميركي وأدواته الإقليمية والمحلية على قاعدة القرار 2253 ومضمونه، وثانياً إنجاز التصنيف للجماعات المسلحة بين إرهابي ومعتدل، وهو أمر بدأنا نشهد إرهاصاته الأولى وقد أشارت جريدة «البناء» في افتتاحية عددها الصادر في 20/2/2016 إلى ما يمكن تسميته اجتراح تسوية أميركية ـ روسية حول هذا الملف عبر تصنيف ثلاثي للجماعات المسلحة وليس ثنائياً عبر طرح فكرة جماعات يشتبه في أنها إرهابية ، ويعزز هذا الاتجاه إنشاء مجموعة دعم لوقف إطلاق النار ، وقد ألمح ضمناً نص الاتفاق إلى إمكانية استخدام القوة ضدّ الطرف المخلّ بهذه «الهدنة»، وهو تطوّر مهمّ وفعّال لوقف الأعمال القتالية، وخصوصاً من جانب الجماعات المسلحة المحسوبة على محور تركيا السعودية، لتبقى الأيام القليلة المقبلة حكَماً على جدّية منع تدهور الأمور في سورية نحو منزلق الحرب الإقليمية، لأنّ سقوط «الهدنة» يعني حُكماً تغيّر قواعد الاشتباك مع محور العدوان على سورية…
وقبل الولوج إلى ملامح العملية السياسية الانتقالية اصطلاحاً نسجل ملاحظات وأسئلة مشروعة مهمة، الملاحظة الأولى: نص الاتفاق أشار صراحة إلى أنّ الالتزام بالقرار 2254 هو أساس القبول بوقف إطلاق النار، السؤال المطروح هنا لماذا أسقطت عمداً الإشارة إلى الالتزام بتنفيذ تامّ للقرار 2253 باعتباره أساساً لازماً للحلّ، وخصوصاً أننا نعلم أنّ جلّ الأفراد المنتمين إلى التنظيمات العسكرية والإرهابية تنقلوا بين التنظيمات وحملوا أكثر من شعار ونهج، وبالتالي قد تعمل بعض التنظيمات المسلحة المنضوية في «اتفاق الهدنة» إلى تسهيل عمل التنظيمات الإرهابية تسليحاً ودعماً، وقد يعمد بعض الإرهابيين إلى الانتقال إلى تنظيمات أعلنت الهدنة في حال ضاق عليها الخناق العسكري السوري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان القرار 2253 أكثر ردعية للدول المتورّطة في دعم الإرهاب في سورية، وخصوصاً تركيا والسعودية لإنجاح «اتفاق الهدنة»…
يبقى هذا السؤال برسم الفاعل الروسي تحديداً… لأنّ الأميركي سلفاً يريد إبقاء الأزمة في حالة ستاتيكو وليس حلاً نهائياً…
الملاحظة الثانية: تمّ إسقاط معايير الانتماء السلفي والنهج القاعدي سلفاً وعمداً في تصنيف الجماعات الإرهابية كميليشا «جيش الإسلام»، وربما حركة «أحرار الشام»، فهل التعهّد بتطبيق القرار 2254 والاشتراك بمفاوضات جنيف دون شروط هو أساس التصنيف على أنها إرهابية أم لا…؟ في نص الاتفاق لا يوجد ما يشير إلى عكس ذلك، وكأنّ الإرادة الأميركية حاولت سلفاً إخراج ميليشيا «جيش الإسلام» المحسوبة كلياً على حليفتها السعودية من تهمة الإرهاب في استباق فاضح لتصنيف الإرهاب في مجلس الأمن…!
الملاحظة الثالثة: لم يلحظ نص الاتفاق ولا القرار 2254 مستقبل السلاح في سورية باعتباره شرطاً لازماً لحلّ الأزمة، وهل ستتجه الفصائل المنضوية تحت بند وقف إطلاق النار إلى قتال داعش والنصرة ؟
بالعودة إلى ملامح المرحلة المقبلة يتضح جلياً أنّ جوهر الاتفاق الأخير هو تنفيذ كامل للقرار 2254 بحيثياته وكليته، وهذا الأمر لا يثير أيّ إشكال أو التباس إلا من ناحية هيئة الحكم الانتقالي و العملية السياسية الانتقالية فقد ورد في الفقرة الأولى من القرار «يؤكد القرار تأييده لبيان جنيف المؤرخ في 30 حزيران 2012، ويؤيد بياني فيينا في إطار تنفيذ كامل لبيان جنيف»، وكان بيان «جنيف 1» المذكور قد حدّد في فقرته أ من مراحل العملية الانتقالية «إقامة هيئة حكم انتقالي… تمارس كامل السلطات التنفيذية، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة»، وفي إطار تنفيذ القرار 2254 وضع إعلان فيينا 1و2 كإطار تنفيذي لبيان «جنيف1»، وهذا يعني حكماً وبالعودة إلى إعلان فيينا الأول أنّ هيئة الحكم الانتقالي والتي مهمتها خلق بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية ما هي إلا حكومة وحدة وطنية فعلياً لنركز قليلاً في البند السابع من إعلان فيينا في إطار العمل ببيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2118 فإنّ المشاركين وجهوا الدعوة للأمم المتحدة لجمع ممثلي الحكومة والمعارضة في سورية في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات»…
إذاً العملية الانتقالية ستفضي إلى حكومة وحدة وليس كما يروّج أعضاء المعارضات إلى هيئة حكم جديدة … ضمن هذه الرؤية يصبح وقف الأعمال العدائية أمراً مفيداً، أما إذا ما حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها العبث بتفسير انتقائي لهيئة الحكم الانتقالي فيعني حكماً أنّ الأمور تتجه إلى تأزيم الأزمة السورية… لذلك كان الردّ السوري سريعاً فجاء إعلان إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها في رسالة واضحة لا تقبل التأويل وهو مبدأ استمرارية المؤسسات الحكومية في عملها، وحسب مقتضيات الدستور الساري المفعول، وأيّ اتفاق جديد مهما كانت تسميته وطبيعته يجب أن يخضع لاستفتاء شعبي، وان يتمّ العمل به وفق القواعد القانونية والدستورية، بما في ذلك تعديل الدستور ذاته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية… وفق مخرجات القرار 2254 .
لذلك يعتبر القرار في إجراء الانتخابات التشريعية بموعدها أصولاً، قراراً حكيماً شجاعاً يحمي مبدأ الدولة بذاته وكينونته واستمراريته ويكرّس مبدأ السيادة الوطنية…