السعودية تدفع لبنان نحو الاضطراب السياسي

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

واضح أنّ الحروب الفاشلة التي شنتها السعودية ضدّ اليمن وسورية والعراق، وضياع المليارات التي استثمرتها لكي تخلق مناطق نفوذ وأنظمة ديكتاتورية تابعة لها في المنطقة، خلقا لديها حالة عميقة من الحقد والإحباط. فقد فشلت في منع توقيع الاتفاق النووي مع إيران وفي منع تصنيف ربيبتها «جبهة النصرة» في سورية منظمة غير إرهابية، كما أنها عجزت عن تحقيق أيّ نصر على جماعة أنصار الله «الحوثيين» في اليمن، بالإضافة إلى تفكك جماعة الصحوات والعشائر التي راهنت عليهم في العراق، في ظلّ حقدها الأعمى على كلّ قوى المقاومة وفشلها في تركيع حزب الله، وهي التي كانت تراهن على قدرة «إسرائيل» على تدميره في عدوان تموز 2006، حين هزمت المقاومة في لبنان مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي بشّرت به وزيرة خارجية أميركا آنذاك كونداليزا رايس.

كانت الرياض سعيدة بإدراج حزب الله، الذي لعب دوراً هاماً في إفشال مخططاتها في سورية ولبنان، على لائحة الإرهاب، وفرض حصار مالي وسياسي عليه، واستخدمت كلّ ماكينتها الإعلامية وأموالها لشيطنة الحزب وتكفيره، قيادة وأعضاء، خصوصاً أمينه العام السيّد حسن نصرالله الذي واجه مملكة آل سعود بحقيقة دورها في تمويل الإرهاب ودعمه، وسعيها إلى تفكيك وتدمير الدول العربية المناهضة لسياساتها وسياسة أميركا والغرب.

أدركت السعودية أنّ فشل مشروعها في سورية، سينعكس حتماً على لبنان، وأنّ رهانها على تيار المستقبل بأن يكبح جماح حزب الله قد سقط، فهي لا تريد حلفاء فقط يحتلّون مناصب رفيعة وتُدفع مرتباتهم كاملة من خزينة الدولة السعودية، وهم في الواقع لا يقدّمون لها شيئاً سوى الوعود الفارغة. الوقت والمخاطر يداهمانها، والانتصار السوري يعني انتصاراً للبنان، لذلك فإنّ شكل التحالفات سيتغيّر وستغير بعض القوى اللبنانية تحالفاتها وفق مصالحها، وهي لا تثبت على موقف أو مبدأ، بل مبدأها الوحيد كما يقول المثل الشعبي: «اللي بيتجوّز إمي بقلو يا عمّي».

الانتقادات التي تعرّضت لها السعودية من اللبنانيين، ومبادرة رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلى دعم ترشيح العماد ميشال عون، جعلاها تفقد صوابها وتستعير مقولة وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسيفلد في ما يسمّى الحرب على الإرهاب «من ليس معنا فهو ضدّنا»، والحرب على حزب الله مطلوبة ومتفق عليها أميركياً و«إسرائيلياً» وخليجياً، فالحزب هو الخطر الأول على «إسرائيل»، لذلك فإنّ الحرب عليه أولوية لهذا التحالف، ويبدو كذلك أنّ الرهان السعودي على الحريري وفريق 14 آذار لم يُثمر ولم ينجح في تحجيم حزب الله والتيار الوطني الحر، بل إنّ المحور الذي ينتمي إليه الحزب والتيار سيقوى ويتعزّز وستنضمّ إليه قوى لبنانية جديدة بعد خسارة السعودية للورقة السورية.

لذلك سقط الرهان السعودي على الجماعات التي تحارب إلى جانب «النصرة»، لتوتير وتدمير الساحة اللبنانية عبر افتعال المشاكل والمعارك المذهبية والطائفية، ولم تنفع كلّ توسّلات الحريري وجعجع وجنبلاط وتوقيع العرائض والتصريحات والزيارات إلى السفارة السعودية، والقول لملك السعودية سلمان «ارحمنا نحن تلاميذك المطيعين»، و«اغفر لنا وسامحنا»، بل أخذ سلمان قراره الحاسم بجرّ لبنان إلى ساحة الاشتباك والاضطراب المذهبي والطائفي، فتدمير لبنان لا يعني له شيئاً، بعد أن دمّر سورية والعراق ويدمّر في اليمن بفعل المال النفطي، ولذلك كانت الحرب المفتوحة على اللبنانيين، والتي بدأت بوقف الهبة للجيش اللبناني الذي يحارب الإرهاب المدعوم من المملكة، ثم التهديد بطرد اللبنانيين من السعودية، وتخفيض حجم الأموال السعودية في المصارف اللبنانية والتي تشكل عصباً أساسياً في الاقتصاد اللبناني، كما أنّ وسائل الإعلام اللبنانية الممولة سعودياً تبلغت أن لا أموال ولا إعلانات من دون مواقف عدائية ضدّ حزب الله.

جنّدت السعودية توابعها من البحرين والإمارات والكويت وربما تحذو حذوها قطر، بمنع رعاياها من السفر إلى لبنان، وهي حرب هدفها إخضاع لبنان بالكامل لكي يكون محميّة سعودية، تمتلك فيها الحلّ والربط من الرئيس إلى عامل النظافة، ولا تأثير فيها لحزب الله والتيار الوطني الحر وغيرهما من القوى ذات المواقف الوطنية والقومية، لكنّ زمن تدخل السعودية في الشأن اللبناني قد ولّى.

هي حرب إفلاس وتجويع تقودها السعودية ضدّ لبنان ومعها توابعها من مشيخات الخليج، وهي تستعدّ لعملية تفكيك وإعادة تركيب حلفائها في لبنان، وبعد أن خسرت في سورية يبدو أنّ معركتها مع حزب الله وحلفائه ستكون معركة «كسر عظم»، فإما أن يكون لبنان خاضعاً لها بالمطلق، وإما أن تخرج ويدمّر لبنان، وهي لم تعد تراهن على تيار المستقبل والحريري للقيام بهذه المهمّة، وهو الذي لم ينجح في إطلاق سراح «أمير الكبتاغون» السعودي عبد المحسن بن وليد بن عبد العزيز آل سعود المتهم بتهريب طنين من المخدرات والمسجون منذ تشرين الأول من العام الماضي، والذي لم تجد وسيلة لإخراجه، بل ستلجأ إلى خيار الجماعات المسلحة التي حاربت إلى جانب حليفتها «النصرة» في سورية.

كلّ الدلائل والمعطيات تشير إلى أنّ السعودية تقود لبنان إلى مرحلة خطيرة كارثية وتدميرية، والمرحلة المقبلة استقالة الحكومة، وما يرد من معلومات ومن مصادر إعلامية متعدّدة يؤكد أنّ السعودية أخذت قراراً بتفجير الوضع في لبنان، والمخطط يقوم على افتعال توترات في المناطق.

يبدو أنّ لعنة الفشل والحروب الخائبة تطارد حكام مملكة آل سعود، فهم لم يحققوا حتى الآن نصراً يتيماً واحداً في كلّ حروبهم، بل على العكس تزداد نقمة الشعوب العربية عليهم، وتزداد أزمة مملكتهم الداخلية وصراعات أمرائهم، والحروب المقبلة قد تطال مملكتهم بالتفكك في ظلّ أزمة مالية تزداد حدّة بسبب السياسات الفاشلة وانخفاض أسعار النفط.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى