قالت له
أحبك رغم فقرك وضعفك وأحب ثقافتك أكثر من شهادات نالها سواك وهجرتها إلى تنسّكك ومحبرة الكتابة، ولا تهمّني مكانتك، وأحب الفوضى التي تعيشها وأنت ترسم وتكتب الشعر وتتسكع في الشوارع بعد منتصف الليل، أكثر مما أحب أن تكون صاحب مقام، وأحب أن تبقى في حياتي فقيراً ضعيفاً ما حييت، فلمَ تنظر إلى حبي بعين السؤال؟
فقال لها: لأنّ خيطاً رفيعاً يفصل بين حب وحب، حبنا لأنفسنا بأن نرغب بجمع كلّ ما يجعل حياتنا أجمل فنريدها جزءاً مقيماً فيها، وحبنا لمن نرتضيه وحيداً سبباً كافياً لفرحنا في الحياة، فكلّ الناس تحب ذواتها وتجمع لها الأشياء الجميلة وترغب بأن لا تتشاركها مع أحد، حتى السيارة التي نقنتنيها لا نستسهل أن يقودها سوانا، لكن الحب الذي نتحدّث عنه هنا هو الحب الذي نرى من خلاله في حياتنا كلّ جمال ومشاعر تغني بفقرها عن كلّ غنى، وتحقق بضعف حيلتها ووسائلها أكثر مما تحققه وفرة الوسائل وقوة الحيل والحيلة في سواها، ولا يحيجنا وجوده لكلّ ما نفترض أنها ضرورات لا غنى عنها في الحياة لتكتمل دورتها، ومتى قرّرنا انّ الحياة لها قوانين أقوى من قانون الحب، وأنّ في الحب حقوق وواجبات وندّية وكرامات، صار الحب عقداً من عقود لملكيات.
فقالت: لكن الحب أنانية وتملّك فلا تنزع عنه هذه، والحب سعادة بتحقيق أمنيات وأحلام متى فقد القدرة على ملاقاتها فقد الكثير من قدرته على الحياة.
فقال لها: نتحدّث عن نوعين مختلفين من الحب، تتحدّثين عن حب الأخذ وأتحدّث عن حب العطاء، حب نحتفظ منه بما لا يحرمنا من عطاءاته، وحب نحميه لنعطيه، حب نشترط حصريته بقوته في تلبية أحلامنا، وحب يختصر أحلامنا بكلّ ما يطلبه ويناله منا.
فقالت له: هذا الذي تتحدّث عنه حب موجود في أساطير الشعر ونحن في الحياة من لحم ودم واستحقاقات ومجتمعات وعمل ومال ومتطلبات وأمان واستقرار وأسرة وأولاد.
فقال لها: لهذا قبلت منك حبك ولم أطلب أن يكون كالأساطير لأنّ الأسطورة لا تطلب بل تكتب وحدها من تلقاء تدفقها بماء العين ولك مني ما تحتاجين من الحب يبقى وما لا تحتاجين يرحل حتى تكتمل الأسطورة.
فقالت: لكنه حب ولو أنكرت عليه الصفة. فقال لو لم يكن كذلك لما قبلت. فقالت عانقني فضمّها وقبل رأسها وقال شعراً حب للسيف وحب للضيف وحب لغدر الزمان وتمتم وحب للشعر كمان!